عنب بلدي – العدد 40 – الأحد 25 تشرين الثاني 2012
عتيق – حُمص
أكتب هذه الكلمات على ضوءٍ مصباح صغير، فكما يعيش كل السوريين، ينقطع التيار الكهربائي على امتداد الجغرافيا السوريّة لساعاتٍ عدّة كل يوم. في مثل هذه الأيام منذ أربع سنوات تقريبًا كنت أصطنع مثل هذه الأجواء لإشعار نفسي بالتضامن مع أهلنا في غزّة، اليوم لا داعي لشيءٍ من التكلف.. بل حقيقةَ الوضع هنا أصعب بأشواط، لا يمكن مقارنة الإحتلال الأسدي مع نظيره الفرنسي أو الاسرائيلي.
المقارنة لا تقوم، لكن الذي يقوم في عقلي كلما تذكّرت مستعمرًا ما، مقولة مالك بن نبي عن «القابليّة» للإستعمار، فلو لم يكن عندنا من أسباب الضعف ما يكفي، لما كان هناك مستعمر، وهذا حقيقةَ ما يجب العمل عليه وتقويمه، أقصد قابليتنا للإستعمار.
والقابلية للإستعمار هي أسباب التخلف والضعف التي نعاني منها، والتي تتطلب عملًا أدبيًا / سلميًا / لا عنفيّا (سمّه ما شئت)، لتغييره.
ويمكن تلخيص هذه الأسباب بكلمة واحدة:
الأفكار القاتلة، أو ثقافة عصر الانحطاط، أو فكر التخلف.
فعلى سبيل المثال في ثقافة المجتمع لدينا (والتي تظهر بوضوح في المدرسة) فكرة أن الإجابة غير الصحيحة أو المحاولة غير الناجحة أمر خاطئ، سلبي، يجب تفاديه، كي لا يعنّف صاحبه، أو تطلق عليه الصفات السلبيّة، بل عليه أن يجد الإجابةً الصحيحة ليكون «شاطر» و «ذكي» و «نجيب» … وهذا بوضوح يقتل الإبداع عند الطفل!
فالإبداع في جوهره: فكرة جديدة، والإتيان بالجديد يتطلب الكثير من المحاولات (من يتذكر أديسون مثلا؟)، والكثير من المحاولات يعني الكثير من عدم الإصابة، وعدم النجاح، ومحاولاتِ تبوء بالفشل.
لكن الطفل عندنا يخشى من الخطأ، ويخاف منه أشد الخيفة، ويحاول يتجنبه دومًا لذا فهو لا يرغب في دخول مغامرة الاحتمالات المتعددة.
وهكذا يقتل الإبداع عندنا، وتخرّج المدرسة قوالب فكريّة يندر من بينها من يشذ ليبدع.
خذ أيضًا فكرة الدراسة لأجل العمل، هذه واحدة من الأفكار التي تجدها منتشرة، يسأل الابن والده فيمَ يدرس؟ فيخبره كي يكبر، ويدخل الجامعة. وفيمَ يدخل الجامعة، يعود الطفل للسؤال؟ يجيب الأب: كي تتخرج وتصبح كذا (مهندسًا أو طبيبًا في الغالب)، ثم تعمل وتبني أسرة (قد يتم الحديث عن بناء الوطن، أو خدمة الإسلام بشكل ضبابي من باب تزيين الكلام)
ولو فكّر الولد (وهذا ما سيفعله بالتأكيد) لم سيبنى أسرة؟ كي يأتي بأطفال جدد، يقومون بالدراسة، ثم العمل، ثم بناء أسر جديدة، كي يأتون بأطفال جدد الخ
هل هذه حقًا حياة؟! أم أنها دوامة فارغة من المعنى
كطلاب جامعيون تجدنا دومًا لا نهتم إلا بما سيأتي بالامتحان، وطبيعة الأسئلة، وما يهم للإختبار وما لا يهم، كل شغلنا (الذي زرعه فينا النظام التعليمي) النجاح في الامتحان للحصول على شهادة، تخولنا العمل ..
ولم العمل؟ لأجل العيش الكريم أو ربما المرفه، وبناء أسرة الخ الخ
لذا تجد الكثير من الآباء يرفضون أن يدرس أولادهم الكثير من الفروع الدراسيّة لأنها لا تجلب له الوظيفة «شو بدك تدرس موسيقا؟ شو رح تطلع؟»، «نادي رياضة ؟ شو بتشتغل يعني؟»، «فن تشكيلي ؟ اي وبالآخر شو بتشتغل ؟»
وهذا حرم مئات الطلاب من دراسة أشياء يحبونها، لأن الكبار (الذي يؤمنون بأن الدراسة والعلم يهدف للحصول على المال)، أخبروهم بأن ما يحبونه لا يجلب لهم وظيفة ولا مالًا (وكما نعلم فالكبار دومًا على صواب) .. وياللخسارة، لقد كانوا يحبون كذا، لكن فرص العمل بذلك شبه منعمدة.
وهكذا أيضًا تقتل مواهب كبيرة، كان بالإمكان تنميتها، لتعود بالنفع والخير على المجتمع كله.
هذه أمثلة بسيطة عن ما يمكن أن نسميه الأفكار القاتلة، التي بمجموعها تشكّل «القابليّة للإستعمار»، والتي تجعل من الإستعمار أمرًا واقعًا ..
لا ترفعوا أعلام غزّة، لا تفرغوا طاقتكم في دعاء فقط، لا تغيّروا صورة معرفاتكم في الفيسبوك إلى شعار حماس، هذه نصرة فارغة.
فالنعالج فينا القابيلة للإستعمار، ومن ثم الاستعمار الداخلي، أخيرًا يكون بإمكاننا حقًا تحرير غزّة
هذه أمثلة بسيطة عن ما يمكن أن نسميه الأفكار القاتلة، التي بمجموعها تشكّل «القابليّة للإستعمار»، والتي تجعل من الإستعمار أمرًا واقعًا ..
لا ترفعوا أعلام غزّة، لا تفرغوا طاقتكم في دعاء فقط، لا تغيّروا صورة معرفاتكم في الفيسبوك إلى شعار حماس، هذه نصرة فارغة.
فالنعالج فينا القابيلة للإستعمار، ومن ثم الاستعمار الداخلي، أخيرًا يكون بإمكاننا حقًا تحرير غزّة