ينبش المخرج والكاتب فجر يعقوب في كتابه “الاستبداد المفرح” الذاكرة الزمانية والمكانية للمخرج السوري حاتم علي، التي عاشها في منطقة الحجر الأسود، المتاخمة لمخيم “اليرموك” جنوبي دمشق، من خلال حوارات امتدت على مدى أربع سنوات.
تغوص صفحات الكتاب (140 صفحة) في طفولة حاتم علي وشبابه، إذ بإمكان القارئ أن يعيش مغامرات المخرج الأولى بعلاقته مع الدراما التلفزيونية، ومراحل توسع خياله ليخرج هذا الخيال عن طريق عدسة الكاميرا.
وخرجت فكرة الكتاب قبل سنوات في مقهى “الروضة” بدمشق، باقتراح من الفنان جمال سليمان، وهو أمر لم يعرف به حاتم علي في بداية الأمر، بحسب ما سرده فجر يعقوب في كتابه المنشور لأول مرة عام 2015.
ولا تتدخل السياسة بشكل مباشر في أحاديث الكتاب، لذلك لم يكن المقصود بالاستبداد في العنوان إشارة إلى أي منهج سياسي، إنما “الأثر السينمائي المفرح، واقتفاؤه، حين يتخذ شكلًا مختلفًا من الاستبداد. الاستبداد الذي يتغلغل في حياتنا وقد يكون مطلوبًا أكثر من أي وقت مضى” ليعكس بفنه المجتمع، ويتحول إلى مرآة حيوية لا غنى عنها.
ويذكر حاتم علي كيف ألح بشدة على والده لشراء تلفزيون، ولذلك فقد اضطر والده لبيع نصف البيت لشراء تلفزيون واحد، “وبقيت هذه البيعة المفاجئة والخاسرة واحدة من الأخطاء الكبيرة التي اقترفها الأهل، وظلوا يتذكرونها حتى وقت متأخر، ويحملونني مسؤولية بيع نصف البيت مقابل تلفزيون واحد”.
ومن ضمن الحوارات، تحدث حاتم علي عن ظهور التلفزيون بالحي الذي عاش فيه، “كإضافة عصرية ونشازًا واضحًا في آن واحد”، إذ لم يكن التلفزيون يبث إلا خمسة مسلسلات في الأسبوع، “وكانت البرامج متخلفة فنيًا وذات طابع توجيهي صارخ”، ولكن كانت نوعًا من أنواع التسلية في ذلك الوقت.
كما تحدث لصديقه فجر يعقوب عن خجله الذي عاشه خلال صباه وشبابه، وعن مشاركته ممثلًا في دور صغير بمسلسل هيثم حقي “دائرة النار”، بالإضافة إلى طرح آرائه حول نقاط ضعف الدراما التلفزيونية، بلغة واضحة، فبينما يشهد سوق الإنتاج التلفزيوني تطورًا تقنيًا في الصورة، تتطور المعالجة الدرامية للقضايا الاجتماعية بشكل “مشوه للحكاية”، بحسب حاتم علي، خصوصًا في شكلها الأخير المتمثل بـ30 حلقة.
كما يرى صانع “التغريبة الفلسطينية” أن شهرة هذا العمل الدرامي تكمن في أنه نجح باختراق الرسمية الجامدة الثقيلة للقضية الفلسطينية عبر نشرات الأخبار، وحُجبت بذلك عن الجمهور لسنوات طويلة.