على رصيف دمشقي
حنين النقري – دوما
للنزوح أنواع، وله آلام، تختلف بمرارتها من نازح لآخر، ومن مكان لآخر…
فنزوح الميسور صعب ومرّ، لكن نزوح الفقير أصعب وأمرّ…
ونزوح العائلات مع بعضها صعب، لكنّ نزوح الأفراد وتشرّدهم كلٌّ في مكان أصعب…
ونزوح الصيف صعب وشاق… لكنّ نزوح الشتاء أصعب وأشقّ…
والنزوح لمنزل غريب صعب.. لكن بربّكم، ماذا عن النزوح إلى الرصيف؟؟
ماذا عمّن لا مأوى لهم، وجدوا أنفسهم ذات قصفٍ أسديّ همجيّ في العراء، بعد أن فرّوا بأرواحهم، وما علموا أي ظلم اجتماعي ينتظرهم؟؟
وما علموا الموت الذي ينتظرهم على قارعة الطريق!
زرت دمشق-العاصمة.. الأسبوع الماضي، تفاجأت، صعقت بالأعداد التي عاينتها بعينيّ تفترش الأرصفة، في شوارع مشهود لسكانها بالحالة المادية الجيّدة، شارع برنية، حدائق العدوي والمزرعة،وغيرها الكثير، رأيت أعدادا كبيرة من النازحين تفترش الأرض…لا جدار يقيها البرد ولا سقف يقيها المطر..
تألمت لحالهم كثيرًا، وتألمت أكثر، لحال من يراهم وهو قادر على مدّ يدي العون فيبخل عنها!
تألّمت إذ رأيتهم في رأس سنة هجرية، فاجتمعت رؤيتهم مع ذكرى الهجرة إلى المدينة، والتآخي بين المهاجرين والأنصار، المهاجرين الذين خرجوا من مكّة فرارا بدينهم، لا يحملون متاعًا ولا يملكون مأوى، فكانت بيوت الأنصار لهم ملاذًا وكان قوت الأنصار لهم طعامًا، وكان لباس الأنصار لهم سترًا، ما أشبه هجرتنا اليوم بهجرتهم أمس، وما أحوجنا لأنصار!
ما المانع أخي، يامن تمرّ كل يوم أمام تلك العائلة في الحديقة المجاورة لمنزلك (ذاك الذي ما أخرجت منه ولازلت تتنعّم بمعنى السكن فيه) ما المانع بأن تمدّ يد عونٍ مادي، معنوي، تسعى لهؤلاء الذين كان عندهم منزلك يشبه بيتك، يلمّهم ويأويهم، أفقدهم إياه قصف ونزوح، تركوه خلفهم أنقاضا في مدينة ما، ولجؤوا لمدينتك بحثًا عن أمان، فكان الرصيف هو المرحّب الوحيد بهم، وسط نظرات من الاستغراب والاستهجان والشفقة، أو تلافي النظر إليهم حتى!
ما المانع بأن تستضيف في غرفة واحدة من منزلك عائلة دفعت ثمن ثورة مدينتها -لأجلنا جميعا- غاليًا، فلجأت إليك، فألجأتها للرصيف؟
ما المانع بأن نتشارك بيوتنا وقد عظم الخطب وارتفعت آجارات البيوت حتى بتنا نشعر بأن نزوحنا موسم لتجاركم؟
لم أعتد النظر إلى أمريكا على أنها فردوس، ولم تكن بالنسبة لي يومًا كذلك، لكنّ حال مفترشي الطرق جعلني أقارن بين حكومة تهجّر «رعاياها» وتهدم بيوتهم، وبين حكومة تبحث لرعاياها عن غرف فندقية تأويهم بها إذ أخرجهم إعصار «ساندي» من بيوتهم مؤخّرا…
لا أطالب نظامًا ساقطًا بذلك،ولا أوجه كلامي له أصلًا، لكنني أتوجه لكم.. يامن تقرؤن كلامي…
أوجه كلامي لعموم السوريين في المناطق الآمنة -وما أقلّها- ولأهل الشام، دمشق العاصمة، خاصّة..
يا من اختصّكم الله بهجرتنا إليكم، كونوا لنا أنصارًا، كونوا على مستوى المسؤولية وأعينوا من لا معين له بعد الله سواكم، التاريخ يكتب كل ما يجري، فاجتهدوا ألا يأتي على ذكركم بسوء!
أغيثوا من استغاثوا بكم فرددتوهم إلى الأرصفة والحدائق، فكانت أحنّ عليهم منكم!
الريف الدمشقي منكوب بحقّ، طائراتهم تمرّ فوق سمائكم في طريقها إلينا، تسمعونها وترونها، ولم تسلم من قذائفها أحياء دمشقية أيضًا، فأغيثوا ملهوفهم، واحملوا ضعيفهم ممن لا مأوى يستر ضعفه، ولا كريم يجبر كسره…
ما كان حالهم في بيوتهم أقلّ من حالكم، لكنّ الدهر ألجأهم إليكم، رفعةً لهم بأنّهم مهاجرين بعد أربعة عشر قرنًا من الهجرة، واختبارًا لكم، فكونوا على قدر الاختبار..
فإنكم لا تدرون، متى تكونون مهاجرين، ونكون لكم أنصارًا!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :