حوار: أسامة آغي
تمر “هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي” بتحديات داخلية، تتمثل بنهجها حيال واقع سوري شديد التغيّر والتبدل، وهذا ما يجعل مواقفها في موقع غير حاسم.
وتعد علاقة الهيئة بمنصتي “القاهرة” و”موسكو” أوسع وأعمق من علاقتها مع “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة”، وهذا ظهر في التنازع حول “هيئة التفاوض السورية”.
كما قالت الهيئة نهاية عام 2020، إنها كانت تجري مفاوضات مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وذراعها السياسية، “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، وهو ما أثار جدلًا كبيرًا في الأوساط السياسية السورية.
عنب بلدي التقت بنائب المنسق العام لـ”هيئة التنسيق”، طارق أبو الحسن، للوقوف على المفاوضات مع “مسد”، ووجهة نظر الهيئة بمسارات الحل السياسي في سوريا، والخلافات مع “الائتلاف الوطني”.
لا اتفاق بعد مع “مسد”
سارت “هيئة التنسيق” باتجاه مفاوضات مع “مسد” منذ آذار من عام 2020، ولم يعلَن عنها في حينها.
وأوضح عضو المكتب التنفيذي في “هيئة التنسيق” عمر مسالمة، في حديث إلى عنب بلدي في كانون الأول 2020، أن عدم الإعلان عن الحوار وتفاصيله هو بسبب “سعي بعض الأطراف السورية والإقليمية والدولية إلى عرقلة أي حوار سياسي محتمل بين القوى السورية يمكن أن ينعكس إيجابًا على الوضع الداخلي”.
وعن مفاوضات “هيئة التنسيق الوطنية” مع “مسد”، قال طارق أبو الحسن، نائب المنسق العام في الهيئة، “أجرينا محادثات أولية مع (مسد)، واتفقنا على بعض المبادئ الوطنية، وأهمها وحدة سوريا أرضًا وشعبًا، والقبول بالحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، ووحدة معارضة وطنية ديمقراطية مقابل النظام”.
ووفقًا لمسالمة، تمحورت المحادثات بين الطرفين حول “متطلبات الاستقرار”، التي لم تتحقق بعد.
ولخص مسالمة المتطلبات في شمالي وشمال شرقي سوريا بإنهاء الخدمة الإلزامية، والسماح بعودة المهجرين إلى بيوتهم، إضافة إلى تعويض المتضررين من الحرب، وبناء بيئة آمنة تتسم بحرية العمل السياسي وحرية الرأي والتنظيم والعمل والإعلام، وإشراك السكان من جميع المكونات في إدارة شؤون حياتهم.
وكانت “هيئة التنسيق” شكلت لجنتين، الأولى تختص بالحوار مع القوى الكردية بما فيها “مسد”، والثانية بالحوار مع الفعاليات المدنية والسياسية من المكونات الأخرى، حسب مسالمة.
ويعتقد أبو الحسن أن هناك ضرورة لإشراك جميع مكونات الشعب في الجزيرة والفرات في انتخاب مجالس محلية تدير شؤون حياتها، ريثما يتحقق الحل السياسي، لكنه أوضح أيضًا وجود تباين في الرأي حول التدخل العسكري الخارجي، وحول الثروة النفطية، التي يرى أبو الحسن ومعه “هيئة التنسيق الوطنية” بأنها ملك لكامل الشعب السوري.
وأشار أبو الحسن إلى أن المفاوضات أوقفت من قبل “مسد”، وأضاف، “يبدو أنهم أوقفوها لمعرفة مواقف وتوجهات الرئيس الأمريكي بايدن بعد تسلمه السلطة”.
كما أكد أن “هيئة التنسيق الوطنية” مع خروج الكرد من “وهم الاستقلال” المؤدي إلى التقسيم، وإنهاء تشكيل جسم قومي منفصل عن سوريا.
ويرى أبو الحسن أنه لا يمكن التوافق مع “قسد” قبل خروج غير السوريين منها، والقبول بحلها والانضمام بشكل مهني إلى الجيش السوري لاحقًا، “هذا ما اتفقنا عليه مع مسد”.
وحول موقفهم من الروس، قال أبو الحسن، “في تعاملنا وجدنا أن النظام أقل كذبًا من روسيا، وهي بدورها أقل كذبًا من الولايات المتحدة الأمريكية”، معتبرًا أن الأطراف الثلاثة مشتركون في “مؤامرة واحدة لتدمير سوريا”.
كنّا دائمًا مع الحل السياسي
يعود جذر “هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي” إلى “التجمع الوطني الديمقراطي”، الذي أُسس عام 1979.
وتعد “هيئة التنسيق الوطنية” أحد التجمعات السياسية السورية التي نشأت مع انطلاق الثورة السورية في عام 2011، إلا أنها اتخذت مسارًا سياسيًا مختلفًا عن نظيرها “المجلس الوطني”، ثم “الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية”، ولا تزال تعمل في داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.
وقال طارق أبو الحسن، وهو أمين عام سابق لحزب “العمال الثوري” ويشغل حاليًا مركز نائب المنسق العام في الهيئة، لعنب بلدي، إن شعارات “هيئة التنسيق”، التي شُكلت في مؤتمر “حلبون السورية” في بدء الانتفاضة عام 2011، كانت “لا للتدخل العسكري الخارجي، لا للعنف، لا للطائفية، نعم لإقامة نظام وطني ديمقراطي”، ولكن قوى “إعلان دمشق، والإخوان المسلمون، لم يوافقا على هذه الشعارات”، كما يعتقد أبو الحسن، “بل كانا مع التدخل الخارجي، ومع العنف في مواجهة النظام، وضد طائفيته”، بحسب تعبيره.
وأضاف أبو الحسن، “وهؤلاء مع حكومات السعودية وقطر والإمارات شكّلوا المجلس الوطني، وبعد فترة وبتدخل أمريكي حُلّ المجلس الوطني وشُكل الائتلاف الوطني، مع جملة اتهامات بأن هيئة التنسيق عميلة للنظام، مع العلم أنها تعارض النظام، وعانت من الاعتقالات والملاحقات”.
وهناك عشرات المعتقلين السوريين المنتمين إلى “هيئة التنسيق”، دون وجود أعداد رسمية صادرة من قبل الهيئة أو النظام السوري.
كما اختفى عدد من كوادرها السياسية في عام 2012، دون أن يُعرف مكانهم حتى اليوم، أبرزهم عبد العزيز الخير وإياس عياش، في حين نقلت وكالة “آكي” الإيطالية عن مصدر وصفته بأنه على صلة بشخصيات نافذة، أن الخير محتجز في مطار “دمشق الدولي” ضمن سجن خاص، وذلك في عام 2016.
وحول الاختلافات بالرؤية بين “هيئة التنسيق” و”الائتلاف”، قال أبو الحسن لعنب بلدي، إن “هيئة التنسيق الوطنية أكّدت في برنامجها السياسي على حل سياسي للأزمة السورية، في حين سعى الائتلاف كالنظام للحل العسكري، وهذا ما زاد في القتل والتدمير والتشريد”.
وأضاف أبو الحسن، “هيئة التنسيق الوطنية حاولت عدة مرات توحيد المعارضة، إلا أن الائتلاف تهرّب من هذه الوحدة”.
الاستقلالية أساس الهيئة
وللتأكيد على استقلالية “هيئة التنسيق الوطنية” قال طارق أبو الحسن، “نرفض التمويل من حكومات الدول العربية والأجنبية، ولا نقبل تبرعات من أشخاص نعرف أنهم يتعاملون مع هذه الحكومات، وهذه هي أسباب الخلاف مع الائتلاف، وليس لأننا في داخل سوريا، ولا لأننا علمانيون”.
كما أشار إلى أن “هيئة التنسيق الوطنية عارضت بشدة ووضوح التنظيمات السلفية مثل النصرة وداعش وأولياء الفقيه”.
وتعتقد قوى “هيئة التنسيق الوطنية” أن قراراتها مستقلة، ولكن ما حدث بشأن كتلة المستقلين في “هيئة التفاوض” أعطى انطباعًا مختلفًا لدى الشارع السوري، فظهرت “هيئة التنسيق” وكأنها توافق على تدخلات إقليمية بشأن تشكيل كتلة المستقلين.
وشرح أبو الحسن الأمر لعنب بلدي، “حسب النظام الداخلي لهيئة التفاوض، ينبغي إجراء انتخابات لأعضاء هيئة المستقلين الثمانية كل سنة، إلا أن قيادة الهيئة لم تدعُ المستقلين بل دعتهم المملكة العربية السعودية”.
وأوضح أن نتائج الخطوة كانت أن “قيادة هيئة التفاوض لم تقبل ذلك، في حين أن هيئة التنسيق الوطنية ومنصتي القاهرة وموسكو ومستقلي الجنوب طلبوا القبول بهذه النتيجة”.
وأضاف أبو الحسن، “وافق المكتب التنفيذي على اقتراح أربعة جدد وإبقاء أربعة من القدامى على أن تكون السيدة بسمة القضماني من القدامى”.
نرفض بقاء النظام
وحول المسار السياسي الذي تراه “هيئة التنسيق الوطنية” لحل الصراع السوري، قال أبو الحسن، “بعد تدويل الصراع السوري، وحضور أمريكا وإيران وتركيا وروسيا لسوريا، لا نرى حلًا سياسيًا للصراع إلا عن طريق الأمم المتحدة، وحسب بيان جنيف 1 وقراري مجلس الأمن 2118 و2254، والقرار 2254 ينص على سلال ثلاث، هي هيئة حكم انتقالي، ودستور جديد، وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة”.
لكن طارق أبو الحسن يرى أن روسيا حاولت السير مع سوريا وإيران وتركيا، بمسار موازٍ لخط الأمم المتحدة، عبر 16 اجتماعًا في “أستانة” وعبر مؤتمر “سوتشي”، مشيرًا إلى أنها قالت بأنها تقبل بالقرار “2254”.
وهاجم أبو الحسن المسارين الأخيرين، معتبرًا أن الهيئة ترى أن الخط الموازي للأمم المتحدة صُنع لبقاء النظام واستمرار خطه، “وهذا لا يخدم عملية السلام، ونرفض السير به، وبالتالي لم تشارك الهيئة في هذه الاجتماعات”.
وبرر أبو الحسن مشاركة “هيئة التنسيق” في اللجنة الدستورية على اعتبار أنها مدخل للسلال الثلاث المقررة في الأمم المتحدة.
وبرأي طارق أبو الحسن، فإن الحل السياسي يتطلب محادثات واتفاقات بين طرفين، والهيئة حريصة على قيام نظام وطني ديمقراطي مدني، وهذا يتوفر في القضاء على الاستبداد والفساد الحالي، وبناء دولة وطنية ديمقراطية موحدة وحديثة، مع إقرار عدالة انتقالية، وخروج جميع القوى العسكرية الأجنبية من سوريا.
–