أسامة نصّار – الحراك السّلمي السّوري
أحبّ سورة البروج، ومن لا يحبّها؟! ولكن بالفعل لها عندي شيء خاص، يأخذني إيقاعها السريع الخاطف، جمل قصيرة متلاحقة، تطول قليلاً لتكسر الرتابة، ثم تعود وتقصر، مثل ضربات ماهرة على وتر مشدود، وتبقى بقصرها وبطولها «رشّات» معبّرة مفعمة. السورة فيها كلّ شيء، كلّ شيء، المستكبرون والمستضعفون، الطغاة والشهداء، الجنّة والنّار، قوة الحقّ، وحقّ القوة، الثائرون وحرّاس القصر والصامتون، فيها مصير الفراعنة الأكيد، فيها حكاية المتجبرين والأبطال والجبناء، ومن فوقهم أجمعين الله سبحانه
القاهر والغفار.
{إذ هم عليها قعود} من هم؟ الحارقون أم المحروقون؟ من الذي يتجرع العذاب فعلاً؟ الشهيد أم قاتله؟ السجين المناضل أم السجّان القابع في نفس المكان لكن بلا أمل؟! في السورة وضوح التهمة «الذي نفتقده» {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله} فيها أنّ السلطة (العرش) ليس لفرعون، ولا للثائرين عليه أيضًا، الله هو فاعل الكون الحقيقي، ليس فرعون ولا حلفاؤه أصحاب القوى العظمى. أحبّ كيف تدخل السورة في الموضوع مباشرة دخولًا أقوى من كل بدايات أفلام هوليود. لماذا لا يعلّمون الأطفال والكبار قصّة «الغلام» ذاك البطل اللا عنفي؟
لماذا لا نصدّق أن «الغلام» هذا أقوى من كل الشخصيات الخارقة؟ نسخة من البشر ضدّ الكسر وضدّ الغرق وضدّ النار! وفي النهاية يقول للملك: أنا أقول لك كيف تقتلني!! أشْرُدُ عندما أقرأ سورة البروج أو أسمعها، تتلاحق الصور من المعتقلات وغرف التحقيق والتعذيب، صور المحاكم ومسيرات الذل والقهر، وأيضًا صور أبطال وأمهات وأطفال يصرخون في وجه الطاغية: «الموت ولا المذلّة». يمرّ «الفيلم» في ذهني خلال دقيقة مكثّفة من سورة البروج، بما فيه من رعب ويقين وجمال وطغيان وثبات، وجنان ونيران مع المؤثرات الصوتية المرافقة، صوت استعار النار، وضحكات الطغاة المجلجلة الحمقاء، وهمسات الجمهور المتفرج المحايد البليد، المتفرجون هم وَقود النار! وضربات الطبل في المارش العسكري لجيش فرعون وثمود. استشهد بعضكم؟ سُجن بعضكم؟ ظُلم بعضكم؟ هُجّر؟ عُذّب؟ لا بأس، كل ذلك محفوظ، ولن يضيع، والمجد للأفكار السامية التي تخلّص البشر من طغيان بعضهم على بعض.