“البزنس” يحكم علاقة الأمم المتحدة بشركات سورية معاقَبة أمريكيًا
في 6 من كانون الثاني الحالي، استخدمت منظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة، شركة الطيران السورية المعاقَبة أمريكيًا “أجنحة الشام”، لنقل 16 طنًا من الأدوية والإمدادات والمعدات الطبية من مستودعات المنظمة في مدينة دبي الإماراتية إلى بنغازي الليبية.
وقالت رئيسة البعثة وممثلة منظمة الصحة العالمية في ليبيا، إليزابيث هوف، إن هذه الشحنة الجوية الجديدة من المساعدات الطبية من شأنها أن تسهم في تعزيز الاستجابة لجائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وستدعم مجموعة من الخدمات الصحية المقدمة في عدد من المؤسسات الصحية في البلاد.
وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأمريكية، أدرج شركة “أجنحة الشام” ضمن قائمة العقوبات الأمريكية، في 31 من كانون الأول 2016، لتقديمها الدعم المالي والتكنولوجي والخدمي لحكومة النظام السوري وللخطوط الجوية العربية السورية.
أُسّست “أجنحة الشام” في عام 2008، وتملكها “مجموعة شموط” التجارية، واعترفت بها الحكومة السورية كمشغل طيران وطني في عام 2014. |
وبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، تعاونت “أجنحة الشام” مع مسؤولي الحكومة السورية لنقل المسلحين إلى سوريا للقتال نيابة عن النظام السوري، وساعدت المخابرات العسكرية في نقل الأسلحة والمعدات للنظام السوري.
واعتبرت “الخزانة” أن رحلات “أجنحة الشام” من دمشق إلى دبي إحدى الطرق الرئيسة التي استخدمتها المخابرات العسكرية السورية لغسل الأموال في جميع أنحاء المنطقة.
إدارة شركة الطيران “أجنحة الشام” نفت جميع هذه التهم المنسوبة إليها في بيان لها، نشرته الأربعاء 13 من كانون الثاني، قالت فيه إنها “نقلت بعض المساعدات الطبية الإنسانية إلى ليبيا لمواجهة أزمة فيروس كورونا”، وإن رحلات الطيران الخاصة بالشركة مخصصة فقط لـ”نقل مدنيين وبعضها إنساني (…) ولنقل الرعايا السوريين المقيمين في ليبيا”.
مساعدات إنسانية “بعيدة عن الاعتبار الأخلاقي”
يرتكز عمل الأمم المتحدة، بصفتها منظمة دولية، على الأهداف والمقاصد الواردة في ميثاق تأسيسها، وأبرزها تحقيق سيادة القانون في مجتمعات النزاع المسلح ومجتمعات ما بعد النزاع.
وتوصي المنظمة من خلال تجاربها السابقة بضرورة تأمين أساس مشترك في القواعد والمعايير الدولية لإجراء استثمار مستدام في مجال العدالة.
إلا أن المعايير التي تتبعها الأمم المتحدة، متمثلة بمنظمة الصحة العالمية، تبتعد عن الاعتبارات الأخلاقية في تعاملها مع الكيانات والشركات التابعة لحكومة النظام السوري، وفق ما يراه الصحفي والناشط الحقوقي السوري منصور العمري، في حديث إلى عنب بلدي.
فالاعتبار الوحيد التي تتخذه “الصحة العالمية” للتعامل أو عدم التعامل مع مثل هذه الشركات هو ألا تكون مدرجة ضمن عقوبات أممية، حتى إن كانت تلك الشركات في نفس الوقت قد أُدرجت ضمن عقوبات أحادية الجانب من قبل أي دولة أخرى.
وقالت “الصحة العالمية” في حديث إلى عنب بلدي، عبر مراسلة إلكترونية، إن “خيارات تسليم الشحن الجوي إلى ليبيا محدودة للغاية، وفي هذه الحالة تم نقل الشحنة الطبية لمنظمة الصحة العالمية بواسطة شركة الطيران (أجنحة الشام)، التي لا تخضع لعقوبات الأمم المتحدة”.
وبالتالي فإن عملية نقل الشحنة الطبية قد وُضعت من قبل “برنامج الأغذية العالمي” لتحديد شركات الطيران المناسبة لنقل الشحنة، وفق ما ذكرته المنظمة، وتوظيف هذه الشركات “يتماشى تمامًا مع لوائح الأمم المتحدة، وتستخدم لضمان وصول الإمدادات إلى جميع الأشخاص (…) لم يتم استخدام أي ناقلات تندرج ضمن عقوبات الأمم المتحدة”، بحسب المنظمة.
ويتساءل العمري عن سبب عدم استخدام “الصحة العالمية” لأي شركة طيران ليبية من أجل نقل الشحنة الطبية، واختيار المنظمة حصرًا شركة طيران “ضالعة في جرائم حرب في سوريا ودول الجوار”، بحسب تعبيره.
ويعتبر “التعامل المالي مع شركة ربحية ضالعة في جرائم حرب ودفع الأموال لها فضيحة أخلاقية كبيرة، ويبدو أنها تحمل طابعًا إجراميًا”، وفق ما قاله العمري، وهذا التعامل يعتبر “انتهاكًا فاضحًا لمواثيق الأمم المتحدة” التي تتمثل في إلزام المنظمة بتحقيق أهدافها ضمن خيارات غير مشكوك في توافقها مع حقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة المكتوبة.
ويرى العمري وجوب البحث في الطرق الأنسب للضغط على الأمم المتحدة كي تلتزم بمبادئها، ومن بين هذه الطرق بدء تحقيق في احتمال تحمل شركة “أجنحة الشام” المسؤولية عن دورها في “جرائم حرب” في سوريا أو دول الجوار.
كما يجب أن تعمل المنظمات الحقوقية السورية وشركاؤها الدوليون على التحقيق بجميع الشركات التي تتعامل معها الأمم المتحدة في سوريا لمحاسبة هذه الشركات جنائيًا، ومنع الأمم المتحدة من المساهمة في تمويل “جرائم الحرب” في سوريا.
“بزنس” يحكم العلاقة بين الطرفين
واعتبر مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أن التعامل المتكرر الذي يحدث بين الأمم المتحدة وشركة طيران “أجنحة الشام” يدل على أن “هناك تعاقدًا و(بزنس) بين الطرفين”، وفق تعبيره.
وهذا يتضح من عملية نقل الشحنة الطبية الأخيرة، فالموضوع لا يخص سوريا كدولة أو شعب، إنما نُقلت الشحنة من الإمارات إلى ليبيا من أجل دعم الوضع الطبي هناك، وبذلك لا يوجد، وفق ما يعتقده العبد الله، أي مبرر لاستخدام شركة طيران سورية مدرجة على قائمة العقوبات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا لغرض يحمل الصفة الطبية والإنسانية في بلد آخر.
والعقوبات الأحادية الجانب غير ملزمة للأمم المتحدة أو للمنظمات التابعة لها، إنما تلتزم المنظمة فقط بتطبيق العقوبات الصادرة عن الأمم المتحدة، وبالتالي ليس هناك أي خرق قانوني على منظمة الصحة العالمية بما قامت به من تعاملها مع “أجنحة الشام”، “لكن هناك إشكالية أخلاقية كبيرة بتعامل المنظمة مع (أجنحة الشام)”، وفق العبد الله.
وتُفرض هذه العقوبات على شخصيات وكيانات نتيجة تعامها مع النظام السوري بشكل واضح، وهذا التعامل يُصنف من قبل الدولة التي تصدر العقوبات على أنه “غير إنساني مرتبط بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا”، بما فيها من قواعد وأحكام القانون الدولي.
وتكرار التعامل بين الأمم المتحدة والموارد المادية أو البشرية الخاصة بهذه الشركات، “له أبعاد سلبية على عمل الأمم المتحدة في سوريا”، وفق ما قاله العبد الله.
وفي عام 2016، نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية تقريرًا بشأن منح الأمم المتحدة عشرات الملايين من الدولارات لأشخاص مرتبطين ارتباطًا وثيقًا برئيس النظام السوري، بشار الأسد، وذلك خلال برنامج المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمة والتي من المفترض أنها تُعطى لمستحقيها من النازحين داخل سوريا.
وتحدث التقرير عن “عدة عقود صدرت عن الأمم المتحدة للتنسيق مع حكومة النظام السوري منذ عام 2011″، تتضمن مساعدات مختلفة قُدمت لسوريين.
و”دفعت الأمم المتحدة أكثر من 13 مليون دولار لحكومة النظام السوري لدعم الزراعة في سوريا”، وفق تقرير “الجارديان”، على الرغم من حظر الاتحاد الأوروبي التبادل التجاري مع حكومة النظام خوفًا من استخدام أموال تلك التجارة لأغراض النزاع المسلح.
كما “دفعت الأمم المتحدة أيضًا ما لا يقل عن أربعة ملايين دولار كموارد مالية ووقود لمؤسسات حكومية في سوريا”، علمًا أنها على قائمة العقوبات في الاتحاد الأوروبي، وأنفقت منظمة الصحة العالمية “أكثر من خمسة ملايين دولار لدعم بنك الدم الوطني السوري”.
وتعتبر الأمم المتحدة أن فندق “فورسيزون” من أكثر المناطق أمانًا لموظفي الأمم المتحدة في دمشق، وفق تقرير “الجارديان”، وثلث هذا الفندق مملوك من قبل وزارة السياحة في حكومة النظام التي طُبقت عقوبات عليها من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بينما “دفعت الأمم المتحدة حوالي تسعة مليارات دولار لإدارة الفندق في العامين 2014 و2015” وفق التقرير.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :