ضمن سياق عملية صياغة “دستور جديد” لسوريا، يناقش أعضاء اللجنة الدستورية السورية المصغرة ضرورة ربط مواضيع “سيادة القانون” وحيادية الدولة بمحادثات تعديل الدستور السوري.
وليس من السهل تطبيق مبدأ “سيادة القانون”، كأساس وشرط لبناء دولة وطنية حديثة في الحالة السورية، إذ إن البيئة الأمنية تحاصر هذا المبدأ منذ تولي حزب “البعث” السلطة في السبعينيات، وأسهمت هذه البيئة بتقويض الحياة الحقوقية من خلال حالة الطوارئ التي رُفعت بعد الاحتجاجات عام 2011، التي كان من أبرز أسبابها غياب تطبيق عدالة قانونية تحمي الحقوق والحريات.
ويعتبر مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في البلاد من الناحية الدستورية، تُنظم من خلاله العلاقة بين النظام القانوني والأمني للدولة، بحسب ما يراه معهد “الولايات المتحدة للسلام” في دراسته حول “ثقافة سيادة القانون”.
ووجود سلطة تسن التشريعات دون ضوابط أو معايير أو مراعاة لقوى سياسية أو مجتمعية في الدولة مع انعدام الرقابة الدستورية، بالإضافة إلى هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية في الدولة، هو من أشكال غياب تطبيق “سيادة القانون” في سوريا.
ما “سيادة القانون”
وفقًا لدراسة معهد “الولايات المتحدة للسلام”، فإنه لا يوجد اتفاق عام حول تعريف مصطلح “سيادة القانون”، كونه مفهومًا معقدًا، يشتمل على فهم الحركات الاجتماعية، والثقافية، والتاريخية لأي مجتمع وتطورها، ويتضمن فهم احتياجات الناس، حاكمين ومحكومين، وفهم رغباتهم، وطموحاتهم، ومصالحهم.
ولكن اختلاف المعنى الدقيق لهذا المبدأ لا يؤثر في وجوده، كأحد المفاهيم الحقوقية الجوهرية في دولة القانون والمؤسسات والمواطنة، ويكمن جوهر مبدأ “سيادة القانون” في أنه نظام لتقييد السلطة، بهدف الحد من تعسف أصحابها وإفلاتهم من العقاب، ويشمل مسؤولي السلطة والحكومة، والشبكات الإجرامية المنظمة، والقادة المدنيين، وأمراء الحرب، والنخب الاقتصادية، وفق ما ورد في صفحات دراسة المعهد.
اقرأ أيضًا: وزير العدل أحمد السيد.. “عنتر” يتعدى على السلطة القضائية في سوريا
وهناك شبه توافق على تعريف الأمين العام للأمم المتحدة لهذا المبدأ، بأن مفهوم “سيادة القانون” هو “مبدأ للحكم يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات العامة والخاصة، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولين أمام قوانين صادرة علنًا، وتطبق على الجميع بالتساوي، ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل، وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
“المراجعة والموافقة الأمنية”.. مثال بارز لانتهاك “سيادة القانون”
و”سيادة القانون” هو مبدأ دستوري في سوريا منذ دستور عام 1973، إذ نصت المادة رقم “25\2” منه على أن “سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة”، وانتقل هذا المبدأ إلى دستور عام 2012، من خلال مادته رقم “50” التي نصت على أن “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة”، إلا أن هذه النصوص الدستورية لم يبرز أثرها من الناحية العملية في عمل السلطة داخل سوريا.
وفي أغلب الأوقات تقوم الأجهزة الأمنية السورية بمنع سفر الأشخاص، لأسباب تتعلق بنشاطاتهم السياسية أو بالشأن العام من خلال “المراجعة الأمنية“، وتعني مراجعة جهاز أمني ما والحصول على موافقته للسفر خارج سوريا.
ويخالف هذا الإجراء الفقرة “3” من المادة “38” من الدستور السوري الحالي، التي تنص على أن “لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها، إلا إذا مُنع من ذلك بقرار من القضاء المختص أو من النيابة العامة أو تنفيذًا لقوانين الصحة والسلامة العامة”.
كما تصل هيمنة الأجهزة الأمنية على الحياة الاجتماعية في سوريا إلى اشتراط الحصول على موافقتها، لممارسة عدة نشاطات ومعاملات تتعلق بالناس ضمن ما يسمى بـ”الموافقة الأمنية” إذا أراد شخص التقدم إلى أي وظيفة عامة في الدولة، والحصول على العديد من التراخيص لممارسة المهن أو إشهار الجمعيات والشركات.
اقرأ المزيد: “الموافقة الأمنية” حماية لأملاك المواطنين أم عرقلة لحياتهم
ويشترط للحصول على موافقة هذه الأجهزة الأمنية في توثيق المعاملات التعاقدية للمواطنين، كالتملك في المناطق الحدودية أو عند تسجيل البيوع في السجل العقاري، أو تسجيل عقود الإيجار بالوحدات الإدارية، أو توثيق الوكالات لدى الكاتب بالعدل، بالإضافة إلى التعدي على حقوق الملكية بوضع إشارات منع التصرف على عقارات الأشخاص في السجل العقاري.
دور الصياغة الجديدة للدستور بتعزيز “سيادة القانون”
“سيادة القانون” يحتاج إلى مناخ من الحرية والديمقراطية، وإلى دستور يفصل بين السلطات ويوازن بينها، بالإضافة إلى أن طبيعة نظام الحكم في الدولة لها أثر مباشر في “سيادة القانون” فيها، وبما أن نظام الحكم في الدولة وتوزيع السلطات فيها وتنظيم صلاحياتها، هي مواضيع ينظمها دستور الدولة، فإن أي تمكين لمبدأ سيادة القانون وفقًا للمرتكزات التي وضعها الأمين العام للأمم المتحدة في تعريفه للمبدأ، يبدأ من الدستور.
وأولى مهام الدستور هي تحديد شكل نظام الحكم في البلاد، سواء كان رئاسيًا أو شبه رئاسي أو برلمانيًا، ويعد اختيار نظام الحكم المناسب لسوريا أمرًا مهمًا في بناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات وترميم “سيادة القانون” فيها.
ويعتبر استقلال القضاء من المواضيع التي يجب أن تحظى بعناية صياغة الدستور، باعتبار القضاء هو الجهة التي تصون “سيادة القانون” في الدولة، وهذا يقتضي أن ينص الدستور على القواعد التي يجب مراعاتها لضمان استقلال القضاء.
–