د. أكرم خولاني
إن عُقيدات الغدة الدرقية شائعة الحدوث لدى عدد كبير من الناس، ومع أن معظمها حميد ولا يسبب أي مشاكل، ولا يحتاج إلى أي علاج، وتقتصر الحالات السرطانية على نسبة نادرة جدًا منها، فإن المرضى يقلقون بمجرد تشخيص الطبيب لهذه المشكلة لديهم، وغالبًا ما يعود ذلك لعدم امتلاكهم المعرفة بخصوص هذه الحالة المرضية، ولذلك فإننا سنعرّف بأنواع العقيدات الدرقية وطرق علاج كل منها.
ما عقيدات الغدة الدرقية
عقيدات الغدة الدرقية هي عبارة عن كتل أو تورمات في الغدة، قد تكون عقيدة واحدة أو عدة عقيدات، وقد تكون هذه العقيدات محسوسة من قبل المريض أو غير محسوسة.
ويتم التمييز بين نوعين من هذه العقيدات من حيث نشاطها الهرموني:
- “العقدة الساخنة”: وهي العقد التي تنتج هرمون الغدة الدرقية بكميات كبيرة وبشكل تلقائي وغير مسيطر عليها بالنظام الهرموني الطبيعي كبقية أجزاء الغدة الدرقية، وهذه العقد تكون أقل خطورة لأنها حميدة دائمًا.
- “العقدة الباردة”: وهي غير نشيطة، ولكن يمكن أن تكون خبيثة، لذلك ينصح الأطباء باستئصالها جراحيًا.
والعقيدات الدرقية هي حالة شائعة جدًا، إذ إن نسبة كبيرة من الناس لديهم عقيدة واحدة على الأقل في الغدة الدرقية لكن أغلبهم لا يشعرون بها، وتشاهَد هذه العقيدات عند النساء أكثر من الرجال، وتكثر مشاهدتها بعد تجاوز سن الـ50، ومن حسن الحظ فإن أكثر من 95% من هذه العقيدات أسبابها حميدة وليست سرطانية.
ما أسباب تكوّن عقيدات الغدة الدرقية؟
لا يوجد في معظم الأحيان سبب واضح لتكوّن عقد في الغدة الدرقية، ولكن في بعض الأحيان يوجد سبب أو عدة أسباب، منها:
- نقص اليود في الغذاء، حيث يؤدي ذلك إلى قلة إنتاج هرمونات الدرق، وبما أن هرمونات الدرق هي المثبطة لإفراز الهرمون المحفز للغدة الدرقية (TSH) من الغدة النخامية، فإن نقص هذه الهرمونات يؤدي إلى ارتفاع مستوى “TSH” الذي يعزز نمو أنسجة الغدة الدرقية فتتضخم خلايا الغدة وتتضاعف، وقد يظهر من خلال ذلك تشكيل جديد وحميد على شكل عقيدات.
- بعض أنواع الالتهابات التي تصيب الغدة الدرقية.
- التعرّض للإشعاع، يزداد خطر الإصابة في حال تعرض الرأس والعنق للإشعاع نتيجة المعالجات الطبية (وليس بسبب الإجراءات التشخيصية كالأشعة المقطعية).
- الوراثة، يزداد خطر إصابة الفرد بالعقيدات في حال إصابة الأبوين أو الإخوة والأخوات بالعقيدات الدرقية أو سرطان الغدة الدرقية.
- الأورام السرطانية.
ما أعراض عقيدات الغدة الدرقية؟
معظم العقيدات تكون صغيرة وغير مجسوسة ولا تسبب أي أعراض، وإنما تكشف عند إجراء تصوير للعنق (إيكو أو طبقي محوري)، ولكن يمكن أن تستمر هذه العقيدات بالنمو بشكل بطيء جدًا حتى إذا أصبحت العقدة كبيرة فيمكن أن تؤدي إلى عدة أعراض، منها:
- ألم في الحلق أو في الرقبة.
- تورم في الغدة أمام الرقبة.
- صعوبة في البلع.
- ضيق في التنفس.
- تغير أو بحة في الصوت.
ويمكن للعقد الساخنة أن تؤدي إلى أعراض ناتجة عن زيادة إنتاج الهرمونات الدرقية تشبه أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية (خفقان القلب، تهيج، فرط تعرق، خسارة وزن، جحوظ العينين، تساقط الشعر، هبات ساخنة، ارتفاع ضغط الدم، غياب الدورة الشهرية أو خفتها عند النساء).
كذلك عندما تحدث العقيدات نتيجة التهاب الغدة الدرقية (هاشيموتو) الذي يؤدي إلى انخفاض مستويات الهرمون الدرقي في الدم، فإنها تتظاهر بأعراض قصور الدرق (الشعور بالإرهاق والضعف، النسيان، زيادة الوزن، جشاشة الصوت، عدم القدرة على تحمل البرد، جفاف الشعر والبشرة، تساقط الشعر، تكرار الطمث وغزارته بالنسبة للمرأة).
ما أنواع العقيدات الدرقية؟
أولًا، العقيدات الحميدة، وتشمل:
- تضخم الغدة الدرقية المتعدد العقد (ينجم غالبًا عن نقص اليود).
- العقد الغروية البسيطة.
- التهاب الغدة الدرقية المناعي المزمن (والمسمى مرض هاشيموتو نسبة للعالم الياباني الذي وصفه أول مرة) الذي يؤدي عادة إلى خمول الغدة الدرقية، وقد يصاحبه وجود عقد متعددة في الغدة الدرقية.
- أكياس الغدة الدرقية، وتشمل الأكياس البسيطة والأكياس الغروية والأكياس النزفية.
- الأورام الجريبية الحميدة.
- أورام الخلية (خلية أوكسيفيل) الحميدة.
- العقد الساخنة، وهذه العقد تكون حميدة دائمًا ولكنها تلقائية النشاط.
ثانيًا، العقد الخبيثة (السرطانية) وتشمل:
- سرطان حليمي (وهو أكثرها شيوعًا).
- سرطان جريبي (أقل شيوعًا).
- سرطان “خلية هيرتل”.
- سرطان خلايا الدرقية النخاعية.
- سرطان الخلايا الكشمية الابتدائية (وهو أخطر أنواع سرطانات الدرقية).
- السرطان اللمفاوي الابتدائي للدرق.
- السرطانات الثانوية المنتشرة إلى الدرقية من مصدر آخر.
وننوه إلى أن العوامل التي تزيد من خطورة كون العقيدات الدرقية سرطانية تشمل:
- وجود تاريخ عائلي مرتبط بالإصابة بالعقيدات.
- إذا كانت العقيدة صلبة غير لينة.
- إذا كانت العقيدة ملتصقة بالتراكيب المجاورة لها.
- كون الفرد ذكرًا.
- الفئة العمرية الأصغر من الـ20 سنة والأكبر من الـ70.
- التعرض للإشعاع.
كيف تُشخّص عقيدات الغدة الدرقية؟
عادة يتم تشخيص وجود عقيدات في الغدة الدرقية إما عن طريق الفحص السريري وإما بالصور الشعاعية، وبعد تشخيص وجود عقدة أو أكثر فإن المرحلة الثانية هي تشخيص سبب أو نوع العقدة، والكشف عما إذا كانت العقد حميدة أو خبيثة، ولذلك يمكن إجراء الفحوصات التالية:
فحص الدم: يتم خلاله فحص مستوى هرمونات الغدة الدرقية للتأكد إذا كانت وظيفتها متأثرة بالكتلة أو العقدة، علمًا أنه في معظم الأحيان يكون فحص الدم سليمًا.
تصوير الغدة الدرقية بالأمواج فوق الصوتية (إيكو): وهذا أهم فحص لأن من خلاله يمكن الكشف عن أنواع العُقيدات التي يصعب جسها، ومعرفة حجم وعدد العقيدات في الغدة، وكذلك تحديد طبيعة العقيدة (مثلًا كتلة صلبة أو تكيُّس مملوء بالسوائل)، يمكن في بعض الأحيان توقع نوع أو سبب تكوّن العقد، ولكن ليس دائمًا.
أخذ خزعة عن طريق إبرة صغيرة (FNA): هذا الفحص ضروري في بعض الأحيان إذا كانت الصورة غير قادرة على تحديد سبب تكون الكتلة، أو إذا كان هناك شك في أن الكتلة خبيثة، وهذا الفحص بسيط ويمكن إجراؤه في العيادة باستخدام إبرة رفيعة للغاية لأخذ عينة خلايا من عقيدة واحدة أو أكثر، ثم ترسل العينات إلى المختبر.
فحص المسح الإشعاعي للغدة الدرقية: ويتم باستخدام النظائر المشعة، حيث يحقن نظير اليود المشع في أحد الأوردة بالذراع ثم يتم تصوير الغدة الدرقية، ويفيد هذا التصوير المرضى الذين لديهم فرط نشاط الغدة الدرقية مع وجود عقد، ويهدف الى تشخيص العقيدات الساخنة، إذ تظهر العقيدات الساخنة في المسح لأنها تأخذ كمية أكبر من النظير عن أنسجة الغدة الدرقية المعتادة.
كيف تعالَج عقيدات الغدة الدرقية؟
العقيدات الحميدة، تشمل خيارات علاجها:
- المراقبة عن قرب: إذا أظهرت الخزعة أن العقيدة الدرقية غير سرطانية، فقد يوصى بمراقبتها فقط، وهذا يعنى الخضوع لفحص جسدي واختبارات وظائف الغدة الدرقية والتصوير بـ”الإيكو” على فترات منتظمة كل ستة أشهر، فإذا بقيت العقيدة الحميدة دون تغيير فقد لا تحتاج إلى العلاج أبدًا، ولكن يحتمل أن تخضع أيضًا لفحص خزعة آخر إذا نمت العقيدة أكبر.
- العلاج بالثايروكسين: إذا وجد اختبار وظائف الغدة الدرقية أن الغدة لا تنتج ما يكفي من الهرمون الدرقي، فقد يوصى بعلاج الهرمون الدرقي، فتعطى جرعة تثبيطية من هرمون الثايروكسين، وهذا يقلل من الهرمون المحفز للغدة الدرقية (TSH)، وبالتالي تقليص حجم العقيدات ومنع تحولها إلى أورام خبيثة، وتقليل التضخم في الغدة الدرقية ككل.
- الجراحة: قد تتطلب العقيدة غير السرطانية إجراء جراحة في بعض الحالات:
- إذا كانت العقيدة كبيرة للغاية (أكثر من 4 سم) وتعوق التنفس أو البلع،
- الأشخاص المصابون بالدُرَاق عديد العقيدات، خاصة عندما يُضيِق الممرات الهوائية أو المريء أو الأوعية الدموية.
- العقيدات التي شخصت على أنها غير محددة أو مشتبه بها بواسطة الخزعة، حتى يمكن فحصها بحثا عن مؤشرات مرض السرطان.
العقيدات الكيسية:
وهي عقد حميدة، وقد تختفي سريعًا عند سحب ما تحتويه من سائل بالإبرة الناعمة، أما إذا حدث داخلها نزف متكرر فيمكن رفعها جراحيًا.
العقيدات الساخنة:
وهناك عدة طرق لعلاجها:
- اليود المشع: يُؤخذ في صورة سائل أو كبسول، وتمتصه الغدة الدرقية، فيسبب ذلك تقلّص العقيدات، واختفاء مؤشرات وأعراض فرط الدرقية، خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر.
- الأدوية المضادة للدرقية: في بعض الحالات، قد يُوصى بأدوية مضادة للدرقية (مثل ميثيمازول) للسيطرة على نشاطها وتقليل أعراض فرط الدرقية، ويستمر العلاج عامة لوقت طويل.
- الجراحة: إذا تعذر خيار العلاج باستخدام اليود المشع أو الأدوية المضادة للدرقية، فقد يتم إجراء الجراحة لاستئصال العقيدة الدرقية المفرطة النشاط.
العقيدات الخبيثة:
العلاج الشائع للعقيدات السرطانية هو الاستئصال الجراحي، في السابق كان الإجراء القياسي المتبع هو استئصال أغلبية نسيج الغدة الدرقية (استئصال الغدة الدرقية الكُلي)، ولكن في يومنا هذا يتم الاستئصال الجزئي فقط للغدة الدرقية، ومع ذلك فإن استئصال الغدة الدرقية شبه الكُلي قد يتم اعتمادًا على مدى توغل المرض.
أخيرًا، ننوه إلى أن خطورة جراحة الغدة الدرقية تتضمن تضرر العصب الراجع (الذي يتحكم في الحبال الصوتية) وتضرر الغدد جارات الدرق (وهي أربع غدد صغيرة تقع خلف الغدة الدرقية تساعد في ضبط مستويات الأملاح المعدنية في الجسم، مثل الكالسيوم)، لكن هذه الاختلاطات أصبحت نادرة الحدوث.
وبعد جراحة الغدة الدرقية سيحتاج المريض إلى العلاج مدى الحياة بعقار ليفوثيروكسين وذلك لإمداد الجسم بالهرمون الدرقي.