درعا – حليم محمد
هددت قوات “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، باقتحام قرى المنطقة الغربية في درعا جنوبي سوريا، على خلفية مقتل ضابط برتبة مقدم وبرفقته خمسة عناصر في بلدة سحم، في 31 من كانون الأول 2020.
ورصدت عنب بلدي استقدام عناصر وآليات لـ”الفرقة الرابعة”، تمركزت في ضاحية درعا، وتزامن ذلك مع اجتماعات مكثفة أجرتها قيادة الفرقة في مدينة درعا مع وجهاء كل قرية في المنطقة الغربية على حدة، حسبما أكد عضو في “اللجنة المركزية” لعنب بلدي.
وشهدت بلدة سحم الجولان، الواقعة في حوض اليرموك، أربع عمليات اغتيال لضباط تابعين للنظام السوري خلال النصف الثاني من عام 2020، منهم رئيس مفرزة “الأمن العسكري” في البلدة، والمسؤول عن قسم الدراسات الأمنية في المنطقة الغربية، ورئيس مفرزة مركز بحوث جلين من مرتبات “الفرقة الرابعة”، وكل العمليات نسبت لمجهولين.
الاجتماع الأول لـ”الفرقة الرابعة” كان مع وجهاء من بلدة سحم، وتلاه اجتماع مع وجهاء بلدات اليادودة والمزيريب وتل شهاب، كما قال عضو “اللجنة المركزية”، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، وتركزت المباحثات مع سكان ريف درعا الغربي حول عمليات الاغتيال، وهددت “الفرقة” باقتحام القرى في حال استمرارها، وطلبت من الوجهاء التعاون للكشف عن خلايا تنظيم “الدولة” و”حراس الدين” وعدم التستر عليها.
الجماعات المتشددة شماعة الاقتحام
أبلغ الضامن الروسي، الذي أشرف على “التسوية” في محافظتي درعا والقنيطرة منتصف عام 2018، “اللجنة المركزية” بدرعا أنه طلب من حكومة النظام “الضرب بيد من حديد” لمحاربة تنظيم “حراس الدين”، وتنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة، حسبما قال عضو اللجنة لعنب بلدي.
ويتبنى تنظيم “الدولة” بعض عمليات الاغتيال التي تجري في المحافظة، وفي حين كانت المنطقة تحت سيطرة التنظيم عام 2017، وخط جبهة للقتال مع قوات المعارضة، قبل تمكن قوات النظام من السيطرة عليها في آب من عام 2018، بقيت خلاياه من المتهمين بتنفيذ الاغتيالات.
في حين برز تنظيم “حراس الدين”، المنشق عن هيئة “تحرير الشام” في شمال غربي سوريا، والذي رفض فك الارتباط بتنظيم “القاعدة”، ولم يتبنَّ أي عمل عسكري في الجنوب حتى الآن.
الباحث غسان المفلح أرجع فتح النظام ملفات تنظيم “الدولة” و”حراس الدين”، والكلام عن تمددهما في محافظة درعا، إلى خلاف خفي بين الروس من جهة والنظام وإيران من جهة أخرى.
وقال المفلح لعنب بلدي، إن “حراس الدين” في درعا هم بقايا “جبهة النصرة”، التي كانت في درعا في أثناء سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة، وهي مجموعة صغيرة لا تأثير لها على المشهد الحالي في الجنوب السوري.
إيران والنظام يسعيان لإفشال “التسوية” السياسية، منذ أن عقدها الروس مع معارضي درعا في تموز 2018، حسب رأي المفلح، والروس يحاولون إخفاء الخلاف، لذلك يوجهون خطاب التهديد لـ”اللجنة المركزية” لحصرها في زاوية مواجهة تنظيم “الدولة” بالمنطقة، مع المحافظة على “التسوية” القديمة.
تضمنت “التسوية” تسليم السلاح الثقيل والمتوسط من الفصائل العسكرية إلى النظام، و”تسوية” أوضاع المسلحين والمطلوبين من أبناء المحافظة، وإعطاء مهلة للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، ووقف الاعتقالات والإفراج عن المعتقلين، مع تعهدات خدمية لم تنفذ بعد.
بينما يرى الصحفي ياسر الرحيل، في حديث إلى عنب بلدي، أن النظام كان غير راضٍ عن “التسوية”، منذ إقرارها في تموز عام 2018، لذلك يحاول فرض “تسوية” جديدة، كما حصل بمدينة الصنمين، في آذار من عام 2020، ولكن بشروط أكثر قسوة، تعيد السيطرة الفعلية في المنطقة إلى قواته.
وأضاف الرحيل أن الروس، ومن خلفهم النظام وإيران، أفرغوا اتفاق “التسوية” من محتواه، ونقضوا جميع بنوده، ورجح أن يكون “الفلتان الأمني” الحاصل في الفترة الأخيرة، والذي تضمن استهداف ضباط وعناصر للنظام، من صنيعة إيران، لتكون حجة محاربة تنظيم “الدولة” بوابة السيطرة على المنطقة الغربية.
محاولات سابقة لفرض السيطرة
تكرر مشهد استقدام النظام السوري تعزيزات جديدة، من قوات “الغيث” التابعة لـ”الفرقة الرابعة”، وحشدها في ضاحية درعا، للضغط على “اللجنة المركزية”، التي شُكّلت بعد سيطرة النظام على المنطقة الجنوبية لمفاوضته ومفاوضة الجانب الروسي على بنود “التسوية”، ولفرض واقع عسكري يثبت، ولو إعلاميًا، سيطرته على المنطقة.
وسبق أن حاصرت قوات “الفرقة الرابعة” بلدة الكرك الشرقي وهددت باقتحامها، في تشرين الثاني من عام 2020، إلا أن تدخل “اللواء الثامن”، التابع لـ”الفيلق الخامس” المدعوم روسيًا، أفشل مساعيها، بدلالة على عدم رغبة الجانب الروسي إحداث تغيير جدي في خريطة السيطرة الحالية.
وفي منتصف أيار من عام 2020، استقدمت “الفرقة الرابعة” تعزيزات حاصرت فيها مدينة طفس بريف درعا الغربي وهددت باقتحامها، وبعد تخوف الأهالي من اقتحام المدينة، خرجوا بمظاهرة نددت بسياسية النظام التصعيدية حتى توصلت “اللجنة المركزية” إلى اتفاق مع قيادة “الفرقة” قضى بتعزيز الحواجز المنتشرة في المنطقة.
وفي آب من عام 2020، اقتحمت “الفرقة الرابعة” بلدة تل شهاب، بحجة البحث عن مطلوبين، وكثفت حواجزها في المنطقة الغربية.
وتنتشر حواجز “الفرقة” بريف درعا الغربي، وتتكون من عناصر “التسويات” من أبناء المحافظة، ويتهم النظام العناصر بنقص الالتزام والجاهزية العسكرية، حسبما قال عضو في “اللجنة المركزية”.
وتتبع “اللجنة المركزية” في درعا أسلوب التفاوض مع النظام وتجنب الصدام المباشر، وقال المفلح، إن المعارضة تتبع الطرق السلمية والتفاوضية، وربط مدى قدرتها على الصمود وإبعاد شبح التوغل الإيراني بالموقف الروسي الذي اعتبره محافظًا على “التسوية” ولا يريد خلق واقع جديد.
واستبعد المحلل السياسي أي تدخل دولي يلجم النظام في حال قرر اقتحام المنطقة الغربية، إلا إذا أصر الأردن على إبعاد إيران عن حدوده مسافة 30 كيلومترًا، وربط ذلك بزيارة المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جويل ريبورن، إلى الأردن والإمارات، التي أنهاها في 7 من كانون الثاني الحالي.
ويتخوف الأهالي في درعا من اقتحام النظام المناطق التي رممها السكان على حسابهم الشخصي، دون أي دعم من الحكومة السورية والمنظمات الدولية، ورصدت عنب بلدي آراء عدد من السكان، الذين أجمعوا على أن هدف عناصر النظام هو “التعفيش”، وبسط السيطرة الفعلية على المنطقة واعتقال المعارضين.