زينب مصري | صالح ملص | حسام المحمود
طوت قمة مجلس التعاون الخليجي الـ41، التي انعقدت في 5 من كانون الثاني الحالي، في مدينة العُلا غربي السعودية، صفحة الأزمة الخليجية التي استمرت نحو ثلاث سنوات ونصف.
وعكست القمة التي حملت اسم “السلطان قابوس والشيخ صباح”، وأُقيمت في مبنى تكسوه المرايا ومحاط بالجبال الرملية، والتي سبقها فتح الحدود البرية والبحرية والجوية بين قطر والسعودية عشية انطلاقها، الدور الذي لعبته الكويت والولايات المتحدة في الوساطة بين الأطراف المتنازعة، ومحاولة رأب الصدع الخليجي.
ترقب سوريون القمة الخليجية ليقرؤوا أي انعكاسات محتملة لها على الملف السوري، فعلى الرغم من تراجع الدور السعودي والإماراتي والقطري في مسرح الأحداث السورية، قد يحمل الموقف الخليجي الموحد آثارًا على الأطراف الداعمة للنظام السوري.
في هذا الملف، تناقش عنب بلدي مع محللين سياسيين واقتصاديين، الآثار السياسية والعسكرية والاقتصادية لإنهاء الأزمة الخليجية على أطراف النزاع السوري وحلفائهم.
لا جديد في بيان “العلا” تجاه النظام السوري
اتخذت السعودية والإمارات والبحرين وقطر موقفًا موحدًا من النظام السوري، مطلع الثورة السورية في عام 2011، ولعبت الدوحة الدور الأبرز في تحريك المشهد السياسي الإقليمي بمباركة الرياض.
وأغلقت كل من قطر والبحرين والإمارات والسعودية سفاراتها لدى النظام في عام 2012، بسبب استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين وإراقة الدماء، كما أدلى رئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم، بتصريحات لتلفزيون “قطر” بعد نحو ثلاثة أشهر من بدء الأزمة الخليجية، تحدث خلالها عن أخطاء في تمويل الفصائل السورية المعارضة المقاتلة على الأرض، كما موّلت الرياض بشكل أساسي “جيش الإسلام” العامل في منطقة الغوطة بقيادة زهران علوش.
ولكن الموقف الخليجي بعد حصار قطر أخذ بالتراخي حيال النظام السوري، وتجلى ذلك باتهام الدول المقاطعة لقطر بتمويل جماعات متشددة في سوريا، بينما أعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما لدى النظام السوري أواخر كانون الأول 2018، رغم عدم التوصل لأي تسوية سياسية فيما يتعلق بواقع الوضع في سوريا.
واتصل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، برئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 27 من آذار 2020، مؤكدًا دعم الإمارات لسوريا وشعبها في الظروف الاستثنائية، على حد تعبيره، في إشارة إلى تفشي فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في مناطق سيطرة النظام التي تعيش واقعًا طبيًا مترديًا، واعدًا بأن “سوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الدقيقة والحرجة”.
ولكن بيان “العُلا”، الصادر في 5 من كانون الثاني الحالي، الذي يلخص مخرجات القمة الخليجية، شدد على القرار “2254” الصادر عن مجلس الأمن كمسار للحل السياسي في سوريا، المتمثل بانتقال سياسي للسلطة، بالإضافة إلى التأكيد على رفض التدخل الإيراني في قضايا المنطقة وشؤوونها، الأمر الذي قد يرسم صورة غير واضحة في مواقف كل من أبو ظبي والمنامة بعد إعادة فتح سفارتي بلديهما في خطوة عربية أولى باتجاه إعادة التطبيع مع النظام السوري وتأهيله سياسيًا.
الباحث والكاتب السياسي السوري ماجد علوش، يرى أن لا أهمية للقمة الخليجية فيما يتعلق بالشأن السوري، وأن بيان “العُلا” لا يحمل أي جديد على الصعيد السوري، “فما بقي من النظام السوري مجرد واجهة ضرورية للروس لاستمرار إسباغ الشرعية على وجودهم في سوريا”.
وبحسب رأي الباحث، فإن “القول بأن دولًا خليجية طبّعت العلاقات مع النظام فيه مبالغة، والأقرب للواقع هو القول بأن أبو ظبي والمنامة حاولتا استمالة النظام في إطار محاولة إيجاد صدع في علاقات الأسد مع طهران”.
ولفت علوش إلى أن الوضع السوري “شديد التداخل” إقليميًا، ما يجعل كل الأطراف “متصارعة ومتداخلة مع بعضها”، كما أن العرب رفعوا يدهم عن الملف السوري منذ اتفاقيات خفض التصعيد في عام 2017، وبروز الموقف التركي في ظل تفاهمات مع الجانب الروسي وحيازة تبعية بعض الفصائل العسكرية.
وهذا يمنع القول إن مخرجات القمة الخليجية عرقلت تقاربًا خليجيًا مع النظام، مع احتمالية أن تحذو السعودية حذو أبو ظبي والمنامة تجاهه.
وتبقى تحركات إيران الداعمة للنظام السوري مرهونة بجدية الموقف القطري من المصالحة، وتوجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، والموقف التركي من المصالحة، والموقف الخليجي- المصري من العلاقات القطرية- التركية، ومدى تقبلهم لها، بحسب علوش.
كيف بدأت الأزمة الخليجية؟
قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، في 5 من حزيران 2017، مع إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية أمامها، بعد اتهامات وُجهت للدوحة بدعم تنظيمات متطرفة في المنطقة، والتقرب من إيران التي تتهمها دول عربية بالتدخل في شؤونها.
وفي 6 من الشهر نفسه، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تغريدة عبر “تويتر”، إن قطر “تمول أيديولوجيا الإرهاب”.
وقدمت دول الحصار، في 23 من حزيران عام 2017، قائمة مكونة من 13 طلبًا، تسلّمها الوسيط الكويتي لتسليمها إلى القيادة القطرية مع مهلة عشرة أيام للرد عليها، لكن الخارجية السعودية أعلنت قبل انتهاء المهلة المحددة للرد أن الدوحة “لم تلتزم بتعهداتها، وأن جميع المساعي معها فشلت”، بحسب ما نقلته “CNN“.
ومع ذلك، تابعت الكويت بقيادة أميرها الراحل، صباح الأحمد الجابر الصباح، وبناء على مقترح أمريكي، دور الوساطة للوصول إلى رفع الحظر الجوي السعودي- الإماراتي الذي فُرض على الخطوط الجوية القطرية، دون نتيجة تذكر.
ورحبت الدوحة، في 14 من تموز 2020، بقرار محكمة العدل الدولية التي رفضت طعنين قدمتهما دول الحصار بشأن اختصاص منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) بالنظر في شكوى تقدمت بها الدوحة ضد دول الحصار مسبقًا، وبذلك يستأنف مجلس “إيكاو” إجراءات فض النزاع في الشكوى المقدمة من دولة قطر.
وفي 6 من كانون الأول 2019، أعلن وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال كلمته على هامش منتدى “حوارات المتوسط”، عن مباحثات مع السعودية حول الأزمة الخليجية، قرّبت وجهات النظر، وفي 14 من تشرين الأول 2020، جاء تأكيد سعودي بأن حل الأزمة الخليجية “بات بمتناول اليد”.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في 8 من كانون الأول 2020، عبرحسابه في “تويتر”، إن المساعي السعودية لرأب الصدع، هي بالنيابة عن الدول الأربع.
ونقلت وكالة “بلومبرغ“، في 6 من كانون الأول 2020، تصريحات سعودية وقطرية تتطلع للوصول إلى نتيجة ناجحة للمحادثات التي تتوسط فيها الولايات المتحدة والكويت، وأتت هذه المحادثات أكلها في بيان “العلا” الذي أغلق باب النزاع بين الدوحة والدول الأربع.
لا آثار مباشرة على مسار المعارضة السياسي بعد المصالحة الخليجية
ضمن بيان نُشر عبر موقعه الرسمي، رأى “الائتلاف الوطني السوري” متمثلًا برئيسه، نصر الحريري، أن هناك فرصة سياسية في البيان الختامي لقمة “العلا”، بشأن تفعيل الموقف الخليجي تجاه الملف السوري، و”دعم حقوق السوريين، وفرض الضغوط اللازمة لدفع مسار الحل السياسي في سوريا” ضمن بنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254”.
واعتبر الرئيس المشترك لوفد المعارضة السورية في اللجنة الدستورية السورية، هادي البحرة، أن بيان القمة الخليجية في دورتها الـ41، بمثابة “خطوة تحقق حل الخلافات (…) تؤدي إلى سياسات أكثر توازنًا وأكثر دعمًا للشعب السوري”.
ويعتقد رئيس “هيئة التفاوض السورية”، أنس العبدة، أن عودة العلاقات الخليجية “لا شك” سيكون لها تأثير على الملف السوري، “خصوصًا أن الدول الخليجية، على رأسها السعودية وقطر، من أهم وأبرز داعمي تطلعات الشعب السوري وثورته”، وفق ما قيل على لسان العبدة.
وفي عام 2015، كُلفت الرياض بضرورة إعادة تشكيل وفد المعارضة السورية الذي سينخرط فيما بعد بالمفاوضات مع النظام السوري بشأن الانتقال السياسي ومرحلة ما بعد النزاع في سوريا، وأفرز هذا التكليف “الهيئة العليا للمفاوضات” كمرجعية سياسية للمعارضة، و”الهيئة” بدورها شُكّل منها وفد التفاوض.
وبناء على تطورات سياسية، أُعيد تشكيل “هيئة التفاوض” ضمن مؤتمر “الرياض 2″، في 22 من تشرين الثاني 2017، وضُم إليها كل من منصتي “القاهرة” و”موسكو” ومستقلين، تحت مسمى “هيئة المفاوضات السورية”.
وكان هناك انتقاد شديد لدخول منصتي “موسكو” و”القاهرة”، اللتين دخلتا إلى “الهيئة” عمليًا بموجب فقرة في القرار “2254“، لتبنى الرؤى بين أعضاء “الهيئة” بالتوافق إلى حد ما، وتشكَّل لجان قانونية وإعلامية ولجنة للمعتقلين.
كما نشأت “أزمة المستقلين” داخل “هيئة التفاوض” في عام 2019، بعد استضافة العاصمة السعودية الرياض عددًا من السوريين لاستبدالهم بمجموعة المستقلين في “الهيئة”، وذلك في محاولة من السعودية للاحتفاظ بنفوذها داخل “هيئة التفاوض”.
وبحسب حديث للمحلل السياسي حسن النيفي إلى عنب بلدي، فإن سعي السعودية للدخول عبر المستقلين، يأتي لقدرتها على توجيه القرار داخل “الهيئة”، وتستطيع المملكة بالتالي الحد من النفوذ التركي (تعد تركيا الداعم الأساسي لـ”الائتلاف الوطني”، أكبر كتل “الهيئة”).
وتتألف “الهيئة” من 36 عضوًا، ثمانية من “الائتلاف الوطني”، وأربعة من منصة “القاهرة”، وأربعة من منصة “موسكو”، وثمانية أعضاء مستقلين، وسبعة من الفصائل العسكرية، وخمسة من “هيئة التنسيق الوطني”.
و”يُمكن أن تنعكس نتائج المصالحة الخليجية- الخليجية على العلاقات السعودية- التركية، إلا أن هذا الانعكاس لن يكون مباشرًا بالنسبة لـ(هيئة التفاوض)”، لأن حل الخلاف داخل “الهيئة” يمكن تلافيه بإدارة أنس العبدة، وفق ما يراه النيفي.
كما أن مخرجات قمة “العلا” قد ترسم احتمالات إعادة العلاقات بين الأطراف الخليجية وتركيا إلى طبيعتها، وهذا ما يمكن أن يؤثر بدوره على عدة ملفات إقليمية، من بينها المسار السياسي السوري.
وتأكيد مخرجات القمة ودعم حكومات البلدان الخليجية حلًا سياسيًا وفقًا للمرجعيات الأممية، “هو دعم حقيقي للقضية السورية”، بحسب النيفي، علمًا أن الموقف الخليجي في غالب الوقت يدور في فلك موقف الإدارة الأمريكية ولا يبتعد عنه، و”لعله من الإيجابي جدًا أن يبقى الموقف الأمريكي ضاغطًا على النظام حتى يكون مشجعًا للآخرين”.
وتمتلك معظم الأطراف الدولية قناعة بأن الحل السياسي في سوريا سيكون نتيجة التوافق الدولي بين الجهات النافذة في الشأن السوري على مقترح سياسي تحدده المصالح المشتركة بين تلك الأطراف، انسجامًا مع رؤيتها، وليس لبلدان مجلس التعاون الخليجي دور مباشر في تحديد المسار السياسي في سوريا.
ما احتمالية عودة شخصيات سياسية إلى واجهة المعارضة بعد المصالحة الخليجية؟
قبل عقد مؤتمر “الرياض 2” لتوسيع وإعادة هيكلة وفد المعارضة الموحد بيومين، أعلن المنسق العام لـ“الهيئة العليا للمفاوضات”، حينها، رياض حجاب، استقالته منها، تبعتها استقالة ثماني شخصيات معارضة في جسم “الهيئة”.
وربط بعض شخصيات المعارضة السورية هذه الاستقالة بضغوط سعودية على عمل “الهيئة”، وأخرى تحاول تشكيل وفد معارض سوري يقبل ببقاء الأسد، بضم منصة “موسكو”، المحسوبة على المعارضة التي تتوافق مع رواية النظام السوري للأحداث في سوريا.
وكان حجاب اُنتخب منسقًا عامًا لـ”الهيئة” في 2015، وهدد بالانسحاب منها إذا غيرت مطالبها.
وقال في مقابلة مع قناة “الجزيرة”، في أيلول عام 2017، “لن أكون في أي جسم لا يحافظ على مطالب السوريين وثوابت الثورة، وإذا تم تغيير أو تهجين (الهيئة العليا) بشخصيات سقفها ليست مطالب الشعب السوري فلا مكان لي مع هؤلاء”.
وفي تموز 2020، عاد حجاب إلى المشهد السياسي السوري بعد غياب ثلاث سنوات، منتقدًا عمل مؤسسات المعارضة التي هي بحاجة إلى إعادة تشكيل وترتيب لهيكليتها من جديد، وتوسيع تمثيلها السياسي، وعدم تبعيتها للأجندات السياسية.
لكن الأزمة الخليجية لم تكن السبب المباشر لانسحاب حجاب من العمل السياسي المباشر في الشأن السوري، وفق تعليق النيفي على هذه المسألة، بل لإدراكه بأن القرار الوطني صار “منحسرًا لمصلحة الإرادات الدولية والإقليمية، فلم يشأ (حجاب) حينها أن يكون شاهد زور على تنازلات وانحيازات عن الحقوق السورية”.
كما لا يعتقد المحلل السياسي النيفي، أن يشهد الملف السوري، في الفترة المقبلة، عودة سريعة ومباشرة لحجاب إلى الواجهة السياسية للمعارضة بعد المصالحة الخليجية، وذلك لأن الأسباب التي جعلته يقرر الانسحاب لا تزال قائمة.
وتتمثل تلك الأسباب بوجود جهات سورية ضمن “هيئة التفاوض” لا تتبنى “ثوابت الثورة” التي يتحدث عنها حجاب في كل مبادرة سياسية من قبله، ومضمونها هو عدم وجود أي دور لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، في أي عملية انتقالية للسلطة بمرحلة ما بعد النزاع في سوريا.
انعكاسات محدودة على جغرافيا النزاع في سوريا
قدمت الإمارات دعمًا عسكريًا إلى فصائل المعارضة السورية وخاصة في مدينة درعا جنوبي سوريا، عبر “غرفة موك” التابعة للتحالف الدولي، ومن خلال دعم بعض الفصائل مثل “جبهة ثوار سوريا”، حتى إن أحد قيادييها كان يكنى بـ”أبو علي الإماراتي” نسبة إلى الدولة العربية.
كما لعبت الإمارات دورًا مهمًا في دعمها لقائد “الفيلق الخامس”، أحمد العودة، الذي استطاع بعد عدة تقلبات على فصائل عسكرية معارضة، تنظيم المرافق العامة والخدمات في مدينة درعا، وأسس جهاز شرطة وحتى شرطة مرور، وذلك بدعم من “غرفة موك” ومن الإمارات عبر صلة القرابة التي تجمعه بخالد المحاميد، نائب رئيس “هيئة التفاوض السورية” السابق المقيم في الإمارات.
و”غرفة موك” غرفة عسكرية خارجية، ومقر قيادة وتنسيق وإصدار أوامر، كانت تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والأردن وبعض دول الخليج، شُكّلت في عام 2013، وطُوّرت عام 2014، وضمت فصائل عدة من “الجيش الحر” في درعا والقنيطرة وريف دمشق وريف حلب الشمالي.
وأوجدت روسيا من خلال بنود “التسوية” التي حدثت في درعا عام 2018، قوة موالية لها تسيطر على مساحة مهمة من ريف المدينة الشرقي، وهذه القوة تتمثل بـ“الفيلق الخامس”.
ولا يعتقد رئيس دائرة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، في حديث إلى عنب بلدي، أن الدور البارز الذي تلعبه الإمارات مع روسيا في الجنوب يُمكن ربطه بالمصالحة الخليجية.
وبالتالي لن يتأثر الدور الإماراتي ضمن أي تسوية للوضع الأمني في درعا مع مخرجات قمة “العلا”، إلا ضمن إطار وجود النفوذ الإيراني في المنطقة، إذ أكد البيان الختامي للمصالحة الخليجية “إدانته للوجود الإيراني في الأراضي السورية وتدخلات إيران في الشأن السوري”، كما طالبت بنود البيان بخروج جميع القوات الإيرانية والميليشيات التي جندتها طهران للعمل في سوريا.
وهناك نزاع دولي من خلال الأذرع المحلية لإحكام طرف من الأطراف سيطرته العسكرية والأمنية على المنطقة الجنوبية في سوريا، لكن هذا النزاع يظهر على شكل اعتقالات واغتيالات محلية في الجنوب.
وفي هذا الوقت، تقترب روسيا من حسم القبضة الأمنية والعسكرية في الجنوب لمصلحتها، وفق الباحث نوار شعبان.
أما فيما يخص التحركات العسكرية في شمال شرقي سوريا، فمثل هذه التحركات، على الرغم من أن بعض البلدان الخليجية كان لها جزء من التأثير عليها، فإن هناك عوامل بعيدة عن الأزمة الخليجية هي التي تتحكم بأدوار الفصائل العسكرية الفاعلة هناك، والتي أخرجت بلدان الخليج من ذلك التحكم، وهي المصالح الدولية بين تركيا وروسيا وإيران، بالإضافة إلى الشريك الأمريكي.
حصار اقتصادي أم تطبيع
هل تؤثر المصالحة الخليجية في واقع الاقتصاد السوري
بينما أكد البيان الختامي للقمة الخليجية، فيما يخص الشأن السوري، على اعتماد مبادئ “جنيف 1″، وقرار مجلس الأمن رقم “2254”، لعملية الحل السياسي في سوريا، لم يتطرق إلى أي قرارات من شأنها تغيير الوضع الاقتصادي في سوريا.
وعلى الرغم من عدم وجود اتفاقيات اقتصادية صريحة وعلنية بين أطراف القمة الخليجية وحكومة النظام السوري، في ظل تقييد قانون “قيصر” حكومة النظام اقتصاديًا، ومنع الدول إقامة أي علاقات اقتصادية معها، ومقاطعة قطر للنظام السوري، اتخذت الطائرات القطرية من السماء السورية مسارًا لها في سنوات الحصار المفروض عليها في ظل الأزمة الخليجية، إلى جانب استقبال دول الخليج منتجات سورية، كالخضار والفواكه والألبسة.
استبعد الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، في حديث إلى عنب بلدي، أن تسعى دول الخليج إلى المزيد من الانفتاح التجاري أو الاقتصادي على نظام الأسد بعد المصالحة القطرية- السعودية، وأن يكون موقفها هو الدفع تجاه حل سياسي والإبقاء على العقوبات الغربية.
إذ حاولت الإمارات مؤخرًا الانفتاح الاقتصادي على النظام السوري، غير أن الإدارة الأمريكية ضغطت عليها لإيقاف ذلك الانفتاح.
وعلى الرغم من بعض محاولات التضييق على المصدّرين السوريين، تبقى الدول العربية وعلى رأسها الخليجية المنفذ الأساسي للصادرات السورية حاليًا من الخضراوات والفواكه، ما يعطيها ورقة ضغط إضافية على نظام الأسد غير أنها لا تبدو راغبة باستخدامها، بحسب الباحث.
لا يعتقد الباحث الاقتصادي خالد تركاوي أن لدى دول الخليج، على الرغم من نوايا بعضها، مقدرة فعلية على مساعدة النظام اقتصاديًا، لا لشيء وإنما بسبب عوامل خارجية أخرى، أبرزها قانون “قيصر”.
كما أن وعود الإمارات بدعم النظام السوري، التي جاءت على لسان ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، في آذار 2020، لم تصل بشكل علني، على أقل تقدير.
هل تغير الطائرات القطرية مسارها؟
بعد أيام على اختتام أعمال قمة “العلا”، أعلنت الإمارات على لسان وكيل وزارة الخارجية الإماراتية، خالد بالهول، إنهاء جميع الإجراءات المتخذة تجاه قطر، وإعادة فتح جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، اعتبارًا من 9 من كانون الثاني الحالي، بحسب وكالة الأنباء الرسمية.
كما أعلنت الخطوط الجوية القطرية، في تغريدة عبر “تويتر”، إعادة تشغيل عدد من رحلاتها عبر الأجواء السعودية، بعد انقطاع دام ثلاث سنوات.
وكان ذلك مع تشغيل أول رحلة مجدولة من العاصمة القطرية الدوحة إلى مدينة جوهانسبورغ في جنوب إفريقيا، مساء الخميس 7 من كانون الثاني الحالي، ما طرح التساؤل عما إذا كانت الخطوط القطرية ستعدل عن عبور الأجواء السورية بعدما سمحت لها وزارة النقل في حكومة النظام السوري بذلك، في نيسان 2019، خاصة بعد أن كان المبرر القطري لاستخدام الأجواء السورية هو السعي للتغلب على الحصار المفروض من جيران قطر في الخليج العربي.
ورغم القطيعة التي تشهدها العلاقات بين سوريا وقطر على جميع الأصعدة، برر المدير التنفيذي لشركة الخطوط الجوية القطرية، أكبر الباكر، في أيار 2019، العودة للعبور من الأجواء السورية بأنها كانت بسبب الحصار، قائلًا، “نحن نخضع لحصار، لذلك علينا أن نجد سبلًا لإنجاز متطلبات بلادنا، الأمر هكذا ببساطة”.
وفي الوقت الذي تسبب فيه تعديل مسارات الرحلات الجوية للشركة بخسائر سنوية كبيرة، مع ارتفاع تكلفة الرحلات وزمنها عند اتخاذها مسارات جديدة، توقع وزير النقل السابق في حكومة النظام السوري، علي حمود، أن تكسب الخزينة السورية من عبور الطائرات القطرية ما يزيد على 30 مليون دولار سنويًا، مع عدم إعلان قطر عن تكاليف عبورها.
وفي خطوة لتحسين إيرادات مؤسسة الطيران المدني والاستفادة من موقع سوريا، وذلك بعد توقف أغلب شركات الطيران عن الهبوط في المطارات السورية والعبور في الأجواء السورية لأسباب سياسية، رفعت المؤسسة، في أيار 2019، رسوم الخدمات الملاحية والتسهيلات المقدمة للطائرات التي تحلق في الأجواء السورية دون الهبوط، إلى 50% عما كانت عليه.
ونص التعديل الجديد على أن يستوفى 150 دولارًا (كرسم مقطوع) على مرور أي طائرة في الأجواء السورية في المرة الواحدة، والتي لا يزيد وزنها على 75 طنًا، كما يتم استيفاء 2.10 دولار عن كل طن زيادة للطائرات من وزن 76 طنًا ولغاية وزن 200 طن، و2.4 دولار لكل طن للطائرات من وزن 201 طن وما فوق.
تفتح عودة الخطوط القطرية لاستخدام الأجواء السعودية الباب أمام تساؤلات عما إذا كانت المصالحة الخليجية ستنهي اتفاقية الطيران القطرية- السورية، وبالتالي خسارة النظام السوري واحدًا من مصادر تمويل خزينته بالقطع الأجنبي، في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليه، والأزمات الاقتصادية التي يعاني منها وتنعكس على المواطنين السوريين بشكل غلاء وضعف قوة شرائية وانخفاض قيمة العملة المحلية.
الباحث الاقتصادي خالد تركاوي توقع، في حديثه إلى عنب بلدي، أن تجف موارد النظام السوري من الطائرات القطرية، في حال وجود رسوم تدفعها قطر، بعد توقيع المصالحة الخليجية.
وعلل الباحث توقعه بأن الطائرات القطرية كانت تمر اضطراريًا عبر الأجواء السورية، باعتبار أن الاجواء الخليجية كانت مغلقة، وأن الرسوم التي تدفعها قطر غير ثابتة، حتى لو صرح النظام بذلك.
المنتجات السورية في الأسواق الخليجية
تعد الأسواق السعودية والإماراتية أحد أماكن تصريف منتجات سورية، تشمل مواد غذائية وألبسة، في غياب قدرة النظام السوري على تشغيل عملية الاستيراد والتصدير بشكلها السابق، لما تفرضه عليه عقوبات “قيصر” من قيود.
وكانت السلطات السعودية سمحت بدخول الشاحنات السورية المحملة بالبضائع السورية إلى أراضيها، بعد أن كانت تدخل بواسطة شاحنات غير سورية، وذلك بعد صدور قرار بمنح السائق السوري تأشيرة من أجل عبور الحدود السعودية، في تشرين الثاني 2020.
وتدخل الشاحنات السورية إلى السعودية محمّلة بالبضائع السورية من خضار وفواكه وسلع أخرى إلى الأسواق المحلية السعودية، وتتوفر بشكل “شبه دائم” فيها، بينما يعاني مواطنون سوريون في مختلف المدن والمناطق السورية من أوضاع معيشية واقتصادية صعبة.
إذ نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن “الهيئة العامة للجمارك” السعودية قولها، إن الصادرات السورية تتدفق بسلاسة عبر المنافذ السعودية إلى الأسواق المحلية، وتُطبق عليها الإجراءات الجمركية المتبعة وفق الأنظمة والتعليمات كسائر الشاحنات من الجنسيات الأخرى.
وبحسب تصريحات لمديرة اتحاد شركات الشحن الدولي في سوريا، نجوى الشعار، لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في أيلول 2020، سمحت السلطات السعودية بعبور الشاحنات السورية عبر أراضي المملكة إلى دول الخليج.
ولفت الباحث خالد تركاوي إلى غياب أي مساعدات علنية من السعودية للنظام السوري، إذ تقتصر جميع العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما على وصول بعض الشاحنات المحملة بالفواكه أو الخضراوات أو منتجات غذائية كالأجبان والألبان وغيرها، أو الغنم، مؤكدًا أنها علاقات ليست مع النظام بشكل مباشر وإنما مع التجار أنفسهم.
وسيستمر هذا الأمر في إطار ضيق جدًا لمعظم الدول الخليجية، وهو ما سيشجعه النظام السوري وفي نفس الوقت لا يوجد نظام خليجي سيعارضه، بحسب الباحث.