حمص – عروة المنذر
في محافظة حمص، وسط سوريا، يولّد انقطاع التيار الكهربائي مشاكل متتالية بقطاعات حيوية يعتمد عليها السكان، من نقص القدرة على مواجهة درجات الحرارة المنخفضة شتاء، إلى عدم توفر مياه الشرب والاتصالات.
ساعات التغذية الكهربائية لم تعد تتجاوز الخمس في أغلب مناطق محافظة حمص، وتقسم إلى خمس ساعات قطع مقابل ساعة وصل، كتقنين موحد في مناطق الأرياف والأحياء السكنية، بينما يطبّق تقنين ساعتي وصل مقابل أربع ساعات قطع في الأسواق التجارية، ولا وجود لتقنين في المربع الأمني ومحيطه بمركز المحافظة.
لا ماء بلا كهرباء
فرض واقع التقنين أزمات إضافية، إذ عاق الحصول على مياه الشرب وخدمة الاتصالات، كما رفع أجور الحرف وأعمال الصيانة والإصلاح التي تتطلب تشغيل آلات تعمل على التيار الكهربائي.
تعتمد مضخات المياه على الكهرباء في عملها، على الرغم من انقطاعها المتواصل، ولم يدخل الديزل ضمن خطة عملها في ريف حمص الشمالي حتى الآن.
أحد موظفي شركة المياه في مدينة الرستن، رفض الكشف عن اسمه لاعتبارات أمنية، أكد لعنب بلدي رفض شركة المياه في حمص تزويد المضخات بمخصصات المازوت، وطلبها الاعتماد على التيار الكهربائي في عملية الضخ.
التنسيق بين شركة المياه ومديرية الكهرباء في المحافظة لتأمين التيار الكهربائي للمضخات يعاني من “الضعف”، حسب وصف الموظف، الذي أضاف أن هذا “ما أغلق الباب بوجه حل قريب” لمشكلة انقطاع المياه.
عدي الشمالي، ربّ أسرة من سكان مدينة كفرلاها في سهل الحولة، أشار إلى أن ربط عمل مضخات المياه بتوفر التيار الكهربائي حوّل تقنين الكهرباء إلى “تقنين مائي” أيضًا.
وقال لعنب بلدي، “نحن نخضع لتقنين مزدوج، وأزمة المياه قديمة وتفاقمت مع أزمة الكهرباء، إذ تعمل في ساعات وصل التيار الكهربائي المضخات ومعها كل الشفاطات في المدينة، ما يمنع وصول الماء إلى عدة أحياء فيها”.
يضطر عدي للاعتماد على الآبار أو شراء مياه الصهاريج، ولكن مع سعر أربعة آلاف ليرة للمتر المكعب الواحد من الماء النظيف، ورفض البائعين التوجه إلى حي معيّن قبل ضمان بيع كامل حمولتهم فيه، تبقى المشكلة مستمرة للسكان.
أبراج الاتصالات بلا مولدات
كلما انقطعت الكهرباء تلحقها الاتصالات، بعد نفاد طاقة البطاريات المخصصة بكل خدمة، التي لا تمتلئ بشكل كامل لعدم توفر ساعات الوصل الكافية، منذ أن أوقفت المولدات الخاصة بالأبراج عن العمل من قبل شركتي الاتصالات “MTN” و”سيريتل” عام 2020.
مؤيد درويش، صاحب مركز اتصالات مصغر في تلبيسة، قال لعنب بلدي، إن البطاريات في أبراج التغطية مقسمة إلى قسمين، أحدها لتغطية “2G” التي تتيح خدمة الاتصال العادي فقط، والآخر لخدمتي “3G” و”4G” اللتين توفران الإنترنت، وفي حال نفاد البطاريات لا يتوفر أي مصدر لشحنها، ويتوقف البرج عن العمل، وبرأيه فإن شركتي الاتصالات “لا يعنيها مدى جودة واستمرارية خدماتها” لعدم وجود منافسة حقيقية بين المشغلين.
“الأمبيرات” حل “مكلف”
مع تزايد التقنين بقيت “أمبيرات” الإنارة الحل الوحيد الذي يملكه سكان ريف حمص الشمالي لمواجهة انقطاع الكهرباء، لكن ارتفاع أسعار المازوت ووقود المحركات وتكاليف الإصلاح رفع أسعارها وجعلها حكرًا على ميسوري الحال فقط.
أم وليد، أم لأربعة أطفال من سكان مدينة كفرلاها في سهل الحولة، قالت لعنب بلدي، إن سعر “الأمبير” الواحد يصل إلى 15 ألفًا في الشهر، وهي غير قادرة على توفير هذا المبلغ، على الرغم من حاجتها إلى شحن بطارية الإنارة المنزلية ليتمكن أبناؤها من الدراسة ليلًا.
محمود، صاحب مولدة في مدينة تلبيسة، قال لعنب بلدي، إن عمل المولدة ليس بهدف “الربح” بقدر تأمين الإنارة، لأن المبالغ المجموعة “بالكاد تكفي لتأمين ثمن المازوت وغيار الزيت والصيانة”.
تبادل للاتهامات والتقنين في ازدياد
عانى قطاع الكهرباء في سوريا خلال السنوات التسع الأخيرة من تراجع كبير، خاصة بعد خروج بعض محطات التوليد عن الخدمة، ما زاد ساعات التقنين.
ويرجع تفاوت ساعات التقنين بين الأحياء السكنية والأسواق إلى الفروق بسعر الكيلو واط الساعي بين المنزلي والتجاري، حسبما أوضح موظف في مديرية كهرباء حمص، طلب عدم الكشف عن اسمه، لعنب بلدي.
ويبلغ سعر الكيلو واط الساعي التجاري 27 ليرة أو 36 خلال ساعات الذروة، أما الصناعي فهو ثابت بسعر 37 ليرة لكل كيلو واط ساعي، أما المنزلي فهو مقسم بشرائح تبدأ بليرة واحدة لأول 600 كيلو واط وترتفع تدريجيًا بحسب حجم الاستهلاك لتصل إلى 29 ليرة للكيلو واط الواحد بعد استهلاك 2501 كيلو واط.
وتراشقت وزارتا النفط والكهرباء الاتهامات بالمسؤولية عن زيادة ساعات التقنين، وبحسب ما نقلته صحيفة “الوطن“، في 20 من تشرين الثاني 2020، ذكر مصدر “موثوق” في قطاع النفط، تعقيبًا على زيادة التقنين الكهربائي، أن محطات توليد الكهرباء التابعة لوزارة الكهرباء تتسلم بشكل يومي عشرة ملايين متر مكعب من الغاز وسبعة آلاف طن من الفيول من وزارة النفط.
وأضاف المصدر حينها، أن “هناك إمكانية لتسليم وزارة الكهرباء المزيد من مادة الفيول”، مع ربطه بين زيادة التقنين والوضع الفني “السيئ” للعديد من المحطات التي تحتاج إلى الصيانة، إضافة إلى الوضع “السيئ” لمحطات التحويل والشبكات، التي تحتاج أيضًا إلى الصيانة والتأهيل.
وجاء الرد من وزارة الكهرباء على لسان المكلف بتسيير إدارة المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، محمود حديد، في حديث إلى صحيفة “تشرين” الحكومية، في 21 من تشرين الثاني 2020.
واعتبر حديد أن الكميات الواردة من وزارة النفط كافية لتشغيل كل مجموعات التوليد التي تعمل على الفيول، ولكن نقص واردات الغاز يتسبب بتعطيل عمل مجموعات التوليد العاملة على هذا النوع من الطاقة.
وأوضح المسؤول الحكومي أن كميات الغاز التي تصل إلى وزارة الكهرباء كانت في العام الماضي 13 مليون متر مكعب، ولكنها هبطت إلى ما بين تسعة وعشرة ملايين متر مكعب، بينما تبلغ الحاجة الفعلية لتشغيل مجموعات توليد الغاز 18 مليون متر مكعب.