“بوط كعب عالي”.. الإسفاف في خدمة الوطن

  • 2021/01/10
  • 8:57 ص

برومو فيلم "بوط كعب عالي"

نبيل محمد

لا يمكن بأي منطق أن تحاكم منتجًا سوريًا فنيًا، مثل فيلم “بوط كعب عالي” الذي أُنتج مؤخرًا، وأُتيح عبر “يوتيوب”، كمادة فنية، فتتناول ضعف ممثليه مثلًا، أو تهريجهم، أو افتقاد الفيلم لأحد المكونات الفنية، أو للمكونات جميعها، فمحاكمة الإسفاف لا يمكن أن تتم بتحليل فني كلاسيكي، لكن الفيلم بالتأكيد ليس فيلمًا عاديًا بسيطًا يمر كأي منتج رديء في ظل ازدحام المواد المسفّة في الشاشات السورية وربما المسارح. الفيلم يحمل دعوة معلَنة واضحة ومباشرة لالتحاق الفارين بالجيش السوري.

الميزة العامة للفيلم الذي لا بد من جهة سياسية أو أمنية أو عسكرية سورية دعمته إنتاجيًا، أو على الأقل ربتت على كتف منتجيه أو مخرجه لأنه يوظّف الفن في “خدمة الوطن”، هي ميزة الرخص، بالمعنى الرمزي والمباشر للكلمة، ولعلّ أفضل شكل يمكن أن تظهر به دعوة الفارين للالتحاق بالجيش وإجبار الرافضين لحمل السلاح في صف المجرم، أو حمل السلاح بالمطلق، هو هذا الشكل الرخيص، فتبدو ممجوجة غير مقنعة، تافهة غير ذات معنى مؤثّر، مسفّة غير قادرة على الإمتاع، تحمل قيمًا مسيئة أكثر مما تحمل ثوابت أخلاقية حتى وإن كانت مزيفة في جوهرها. ولعل دوريات الشرطة العسكرية التي تستعدي الفارين علانية في الشوارع السورية، وتلاحقهم بسيارتها المهترئة، أكثر إقناعًا بالالتحاق بجبهات القتال من دعوة بهذا المستوى.

شابان يريدان الهرب من الخدمة العسكرية، فيتنكّران بزي فتاتين، ويسكنان في غرفة بالوحدة السابعة في المدينة الجامعية، بين مجموعة من الفتيات اللائي من المفترض أنهن ينتمين لبيئات مختلفة، فيبدأ الإسفاف بمجزرة اللهجات التي شهدها الفيلم من أوله إلى آخره، من لهجة الساحل إلى حلب والسويداء والمنطقة الشرقية، وعدم إتقان أي ممثلة اللهجة المطلوبة منها، وهو أول مظاهر الرخص، بينما تعبر الكوميديا ثقيلة جدًا، بدءًا من النكتة المستهكة ذات الفحوى الجنسي والتي تحضر في أغلبية المشاهد، وليس انتهاء بالتهريج المتمثل بفكرة الفيلم الرئيسة، حيث تنكّر الذكور بزي إناث، تلك الفكرة التي اتسمت بالاستهلاك والرخص عندما نفّذها عادل إمام وسمير غانم في ثمانينيات القرن الماضي، على اعتبار أن إسماعيل ياسين قدمها قبلهما بحوالي 20 عامًا.

لا تظهر من طالبات الجامعة أي علائم على أنهن طالبات، نسي القائمون على الفيلم هذا التفصيل، أو أنه ربما بالفعل تعبير عن أن آخر اهتمامات الطالبات المقيمات بالمدينة الجامعية هي الجامعة والكتب، وهي صورة نمطية طالما كانت منتشرة بحق ساكنات المدينة الجامعية، اللائي ظهرن في الفيلم بين باحثة عن دور في مسلسل بأي ثمن، وأخرى تقع في حب شاب أبله بمجرد دخولها إلى المدينة، وثالثة تعمل راقصة في الملاهي الليلية.

يظهر الجيش الذي يمكنك انتظار حضوره منذ بداية الفيلم، عندما تعرف أن القصة عن هاربين من الخدمة، بطريقة لا تخلو من التهريج أيضًا، وإن كان أقل وطأة، لكن حتى هذه المؤسسة التي من المفترض أنها خط أحمر لا يتم المس به، فقد استطاع الفيلم أن يكسوها بغطاء التفاهة الواسع الذي يحمله، وبالطبع، يبلغ التهريج والإسفاف حدّه الأعلى عند ظهور “داعش”، بمقاتلين لا يتقنون لهجاتهم، وأمير من المفترض أنه شرق آسيوي (معن عبد الحق) يقلّد حركات الثور الهائج حرفيًا، بانتظار السبية التي ذهب جنده لإحضارها له من السجن.

بالنشيد الوطني اُختتم الفيلم، حين التحق الشابّان بالخدمة، بعد أن عرفا أهمية دور الجيش في حياتهما، ولعل هذا الفيلم هو واحد من المحطات الكثيرة التي مرمغت هذا النشيد بالوحل، وما أكثرها.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي