ملاحقة التهرب الضريبي.. خيار الأسد أمام عجز الموازنة
شهد ملف الضرائب خللًا واضحًا وفسادًا في سوريا على مدار السنوات العشر الأخيرة، سواء ما يتعلق بالمطارح الضريبية وتوزيع نسب الضرائب والنظام الضريبي بشكل عام.
ويسود اعتقاد بأن الاقتطاع الضريبي من أجور العاملين وصغار الكسبة أكبر مما يحصّل من رجال الأعمال، إذ تجنب النظام السوري على مدى سنوات عديدة كبار المتنفذين من رجالات الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال، وكان أبرزهم رامي مخلوف.
وأعلنت وزارة مالية النظام السوري، في 7 من كانون الثاني الحالي، عن تشكيل لجنة جديدة “لدراسة النظام الضريبي ومراجعة التشريعات الضريبية، واقتراح التعديلات التشريعية في السياسة الضريبية”، حسب بيان للوزارة نشرته على “فيس بوك”
وذكر البيان أسماء أعضاء اللجنة، إذ سيرأسها وزير المالية، كنان ياغي، وسيشغل نيابة اللجنة معاون الوزير لشؤون الإيرادات، رياض عبد الرؤوف، إضافة إلى تسعة أعضاء آخرين، مع “إمكانية الاستعانة بمن ترى اللجنة مناسبًا لإنجاز أعمالها من العاملين بالدولة والخبراء والمحللين”، حسب البيان.
ما مهمة اللجنة؟
أوضح مدير عام هيئة الضرائب والرسوم في سوريا أهداف تشكيل لجنة إصلاح النظام الضريبي وأعمال اللجنة، التي قررت وزارة المالية في حكومة النظام السوري تشكيلها في 6 من كانون الثاني الحالي.
وتهدف اللجنة، بحسب تصريح لمدير عام هيئة الضرائب، منذر ونوس، لإذاعة “شام إف إم” المحلية، في 7 من كانون الثاني الحالي، إلى إعادة دراسة النظام الضريبي السوري بشكل كامل، والعمل على تحقيق العدالة الضريبية، ومكافحة التهرب الضريبي، وتحقيق الإيراد المناسب لعمليات الإنفاق.
وستراجع اللجنة كل التشريعات الضريبية، سواء “رسم الإنفاق الاستهلاكي” وكل ما يتعلق بتحسين كفاءة النظام الضريبي، للوصول إلى اقتراح التعديلات المناسبة.
وقال ونوس، إن هناك عدة جوانب تحتاج إلى إعادة دراسة وتنميط حتى يحقق النظام الضريبي الغاية المطلوبة منه، وحتى تلعب السياسة الضريبية دورها الاقتصادي والاجتماعي المأمول لتحقيق العدالة الضريبية وتخفيف نسب التهرب الضريبي.
وأضاف أن التوجه الحالي هو الانتقال إلى ضريبتين أساسيتين، هما “ضريبة على المبيعات” تستهدف “استخدامات الدخول”، والثانية “ضريبة موحدة على الدخل” تستهدف “مصادر الدخول”.
وأشار إلى أتمتة بعض الضرائب في الفترة المقبلة، والدخول على خدمة الدفع الإلكتروني فيما يتعلق بضريبتي “بيع العقارات” و”الدخل المقطوع”.
ألفا مليار ليرة قيمة التهرب الضريبي
وكان أحد أعضاء اللجنة، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة “دمشق” إبراهيم العدي، صرح، في 6 من كانون الثاني الحالي، لصحيفة “الوطن”، أن حجم التهرب الضريبي حاليًا يقدر بحدود 2000 مليار ليرة، معتبرًا أن “هذا الرقم تقريبًا يعادل إلى حد ما إجمالي قيم الدعم الاجتماعي في موازنة عام 2021 الحالي”.
وأضاف أن “الحرب على سوريا، وحالة الحصار والتضييق ومعدلات التضخم التي رافقتها، خلقت ظروفًا اقتصادية مختلفة سمحت بمعدلات تهرّب أوسع وأكبر عما كانت عليه في العام 2010 وما قبله”.
واعتبر عدي أن مصطلح التهرب الضريبي هو مصطلح تجميلي لحالة الفساد الضريبي، لأن المتهرب ضريبيًا يستخدم كل الأساليب غير الشرعية لدفع ضريبة أقل، أي التهرب من استحقاق مالي عليه، حسبما أفاد، وتابع أن “وزارة المالية في إجراءاتها الحالية لمكافحة التهرب الضريبي باتت أدواتها تقليدية ولا تجدي نفعًا”.
وقال وزير المالية، كنان ياغي، في 3 من تشرين الثاني 2020، إن المتهربين ضريبيًا سيحالون إلى هيئة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب على اعتبار أن التهرب الضريبي هو الجريمة “رقم 18” في بند غسل الأموال والإرهاب. وعيّن الأسد كنان ياغي، في 30 من آب 2020، وزيرًا للمالية، خلفًا لمأمون حمدان.
خلافات بين التجار ووزارة المالية
صرح أحد أعضاء “لجنة غرف التجارة والصناعة” المكلفة بالاجتماع مع وزارة المالية لبحث ونقاش ملف التكاليف المالية والتهرب الضريبي لـ”الوطن”، الأربعاء الماضي، أنه ما زالت هناك خلافات في وجهات النظر بين اللجنة ووزارة المالية التي تطلب من التجار والصناعيين التصريح عن أرقام عملهم، إذ ستترك لنفسها دراسة وتقدير هذه الأرقام المقدمة من التاجر أو الصناعي.
ومن جهتهم، أصر التجار والصناعيون على أن يتم التوافق والتفاهم على التكاليف المالية، إذ لا يمكن معالجة التهرب الضريبي بمعزل عن النظر إلى كل الظروف الاقتصادية والمالية الحالية، حسبما صرح العضو للصحيفة.
وكان ياغي اجتمع مع اتحاد غرف التجارة السورية لبحث موضوع التهرب الضريبي، في 16 من تشرين الثاني 2020، وأبدى أعضاء مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة الاستعداد للتعاون مع الوزارة، إذ ناشدوه بعدم تطبيق قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب للمتهربين من الضرائب.
ورصدت عنب بلدي تعليقات لمواطنين على موضوع التهرب الضريبي، إذ اشتكى أحدهم من أن “سيف الضرائب مسلط على رقاب الشعب”، بينما علّق آخر أنه “يجب الابتعاد عن سياسة الجباية والضرائب العشوائية التي تتبعها المالية، والالتفاف خلف عنوان التهرب الضريبي”، وقال آخر، “الهدف إنو ما ضل معكم مصاري وعم تلموا من الشعب”، وعبر أحدهم عن استيائه بقوله، “الحيتان الكبيرة ما حدا بيسترجي يقرب منها”.
سببان للتحصيل الضريبي الآن
الخبير الاقتصادي عدنان عبد الرزاق، قال لعنب بلدي، إن رقم التهرب الضريبي الذي أعلنه أحد أساتذة دمشق (2000 مليار ليرة) هو رقم كبير، وسينعكس على أجور ورواتب المواطنين، وأضاف، “ثمة ملهاة فيما يتعلق بالتحصيل الضريبي، وذلك يعني أن كبار المكلفين هم من دوائر النظام نفسه، فالشركات التي يجب أن تدفع النسب الكبرى من الضرائب تعود لآل الأسد أو من يشغّلون أموالهم”.
وحول إقرار حكومة الأسد هذه التعديلات الضريبية الآن، يرى عبد الرزاق أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، تنبه للتحصيل الضريبي، وهناك وجهان للمسألة، الأول هو أن موارد الدولة وموارد الخزينة العامة تراجعت بشكلٍ كبير، فموارد الخزينة العامة في سوريا كانت تأتي من عائدات النفط والضرائب وفوائض المؤسسات الاقتصادية الحكومية، حسب تعبيره.
أما الآن، فالميزان التجاري النفطي تحول من رابح بصادرات حوالي 150 ألف برميل يوميًا سابقًا، إلى خاسر ومستنزف الآن، بل وأحد أهم أسباب تعرية نظام الأسد، بحسب الخبير عدنان عبد الرزاق، وكما توجد مؤسسات اقتصادية كانت رابحة، مثل مؤسسة المعارض والأسواق الدولية والمؤسسة العامة للتبغ وغيرها، لكن هذه المؤسسات تحولت أيضًا خلال السنوات العشر الأخيرة إلى مستنزفة، فهي تموّل من الحكومة، ونتيحة لذلك، فإن أهم موردين إلى الخزينة العامة تحولا إلى عبء، إذ بقي المورد الثالث الوحيد وهو الضرائب.
وأعلن الأسد، في 16 من كانون الأول 2020، أن موازنة عام 2021 بلغت 8500 مليار ليرة سورية، “وهو لا يمتلك موارد كافية، فالموازنة العامة تمول بالعجز منذ سنوات”، حسب عبد الرزاق.
أما الوجه الثاني لهذه الخطوة، برأي عبد الرزاق، فهو أن إعادة النظر بما يسمى “إصلاحًا ضريبيًا” أو “تعديل الأنظمة الضريبية” أو “العدالة في فرض الضرائب” هي ضمن الحملة الإعلامية والإعلانية التي يمارسها النظام في هذه الفترة لمحاولة تحسين صورته وصورة الاقتصاد السوري، وذلك لأسباب عدة، منها اقتراب موعد الانتخابات، ومحاولة إقناع رأس المال السوري بالعودة إلى الداخل، وكذلك جذب الشركات من الخارج، “فهو يريد أن يسوّق أن ثمة عدالة ضريبية في سوريا، وأن هناك إعادة نظر بتكليف بالمطارح ونسب الضرائب”، حسب قوله.
من جهته، قال الدكتور في العلوم المصرفية والمالية فراس شعبو، لعنب بلدي، إن “حكومة النظام رفعت الدعم عن المواد الأساسية كالمحروقات والخبز، فهي تحاول أن تضغط نفقاتها وتخفف من أعبائها، والأمر أصبح لا يطاق بالنسبة للنظام السوري، فحجم النفقات كبير جدًا مقارنة مع الإيرادات التي أصبحت شبه معدومة كالنفط والغاز، وبالتالي لجأ النظام إلى إعادة توزيع الضريبة”.
ويعتبر النظام السوري اليوم أن قيمة الضريبة غير متساوية مع قيمة الليرة السورية المتدهورة، ولذلك ستقوم لجنة الإصلاح الضريبي بإعادة تسعير الضرائب من جديد، وعندما ترفع الضرائب على الشركات في سوريا سيحصل ضغط هائل على هذه الشركات، فإما تلجأ إلى التهرب، وهو ما سيحصل بسبب ارتفاع الضريبة، وإما سترفع الأسعار، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على المواطن، فعلى الرغم من أن إيرادات الدولة ستزداد نوعًا ما، فإنها على حساب فقر المواطن وجوعه، بحسب الدكتور فراس شعبو.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :