ينظر إليه الإسرائيليون كأحد مؤسسي الدولة وأبطالها القوميين
وفاة إسحاق شوشان.. عراب “الموساد” الإسرائيلي سوري الأصل
توفي رجل المخابرات والجاسوس الإسرائيلي السوري الأصل إسحاق شوشان، عن عمر 96 عامًا، بعد مسيرة من العمليات في الأراضي العربية، وتدريبه أبرز الجواسيس في جهاز “الموساد”.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز“، الثلاثاء 5 من كانون الثاني، أن رجل المخابرات والجاسوس الإسرائيلي، المعروف بلقب “أبو ساحيق”، الذي عمل محققًا سريًا في لبنان وسوريا والأردن، توفي في 28 من كانون الأول 2020، بجلطة دماغية في مستشفى بإسرائيل، كما أكدت ابنته.
وبحسب ما ترجمته عنب بلدي، ولد شوشان، الذي كان اسمه زكي شاشو، في حلب عام 1924، لعائلة يهودية تتحدث اللغة العربية.
درس في مدرسة للغة الفرنسية، وتعلم اللغة العبرية في مدارس يهودية أرثوذكسية، والتحق بالكشافة العبرية عندما كان شابًا.
في سن الـ18، سافر إلى فلسطين حين كانت تخضع للحكم البريطاني (قبل الانسحاب البريطاني والتقسيم)، وفي غضون عامين جندته القوات اليهودية المقاتلة السرية “البالماخ” أو “جند العاصفة”، وهي منظمة صهيونية عسكرية، لعبت دورًا مهمًا في إقامة دولة إسرائيل، دمجها رئيس الوزراء الأسبق، دافيد بن غوريون، ضمن قوات الجيش الإسرائيلي.
وفي أثناء تدريبه، أرسلته قيادته إلى وحدة سرية تتكون من يهود أصولهم عربية.
تدرب أعضاء الوحدة، ومعظمهم من المهاجرين من الأراضي العربية، على جمع المعلومات الاستخباراتية والاتصالات السرية، وتكتيكات “الكوماندوز” واستخدام المتفجرات، وخضعوا لدراسة مكثفة للإسلام والعادات العربية حتى يتمكنوا من العيش كعرب دون إثارة الشكوك.
عمليات اغتيال وتفجير
بدأ شوشان بالمشاركة في عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية بعد أن صوّتت الأمم المتحدة عام 1947 على تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين يهودية وعربية، ما أدى إلى اشتباكات من شأنها أن تتحول إلى حرب.
في شباط 1948، طُلبت منه المساعدة في اغتيال الزعيم الفلسطيني الشيخ نمر الخطيب، الذي كان اليد اليمنى لمفتي القدس، الشيخ أمين الحسيني، خلال طريقه إلى فلسطين من لبنان.
كان على مسلحين إسرائيليين إطلاق النار على سيارة الشيخ، وعلى شوشان، بصفته عربيًا، التأكد من مقتل الشيخ خلال التجمع عند السيارة المستهدفة بعد إطلاق النار.
وقال شوشان في 2002 خلال حديثه عن المهمة، إنه بعد أن رش القتلة سيارة الشيخ، لم يستطع الوصول إليه لأن الجنود البريطانيين منعوا العامة من الوصول إلى السيارة، ثم غادر الشيخ فلسطين بجروح بالغة بعد مقتل مرافقه.
العملية كان اسمها عملية “زرزير”، حيث أطلق اثنان من المسلحين 32 رصاصة على سيارة أُجرة كان يستقلها نمر الخطيب شمال حيفا في أثناء عودته من دمشق محملًا بأسلحة.
بعد ذلك بوقت قصير، أُرسل شوشان وعضو آخر من الفصيلة العربية إلى مرآب في حيفا، لتفكيك سيارة مفخخة كانت تعد لاستهداف مصلحة إسرائيلية.
وقال شوشان، “لم يشك الملاك (ملاك المرآب) فينا على الإطلاق. بالطبع لم يرغبوا بالسماح لسيارتنا بالدخول، لكنهم وافقوا على السماح لنا بالدخول لاستخدام الحمام”.
كان ذلك كافيًا لتفعيل فتيل موقوت على عبوة ناسفة والفرار، وبعد دقائق هز انفجار ضخم المنطقة بأكملها، ودمر المرآب والعديد من المباني المجاورة، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل وإصابة كثيرين.
العملية الملغاة في بيروت
في عام 1948، بعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين وإعلان لبنان الاستقلال، أُرسل عملاء الفصيلة العربية إلى الدول العربية المجاورة، بهدف مزدوج هو جمع المعلومات وإحباط التهديدات المحتملة.
على مدار العامين 1949 و1950، عمل شوشان تحت اسم عبد الكريم محمد صدقي، جنبًا إلى جنب مع عناصر يهود سريين آخرين في لبنان وسوريا والأردن، وشارك في إنشاء بنية تحتية لجهاز المخابرات الإسرائيلي في الدول العربية، وعندما عاد إلى إسرائيل، جُند في صفوف الجيش الإسرائيلي.
وفي إحدى المرات، كُلفت الوحدة بزرع قنبلة في يخت فاخر يملكه لبناني ثري، قيل لأفرادها إن “أدولف هتلر قد استخدمه خلال الحرب العالمية الثانية”.
كان من المفترض أن ينفذ الفريق العملية الأهم، وهي مهمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، رياض السحل، في 1948.
وضع شوشان والآخرون خطة لقتل رئيس الوزراء بينما كانوا يتابعون تحركاته، لكن العملية أُلغيت في اللحظة الأخيرة من قبل كبار القادة الإسرائيليين.
خلال العامين اللذين قضاهما في بيروت قبل عودته إلى إسرائيل عام 1950، التقى شوشان بأقارب القتلى في تفجير مرآب حيفا، تحدثوا معه بحرية معتقدين أنه فلسطيني.
يقول شوشان في كتابه “رجال الأسرار، رجال الغموض” (1990)، الذي كتبه مع زميل له في المخابرات، “قبل ذلك لم أفكر قط في الأشخاص الذين قُتلوا هناك، وهناك، في بيروت، جلس عجوز عربي في مواجهتي يبكي على ولديه اللذين قُتلا في الانفجار الذي شاركتُ في تنفيذه”.
قال يعقوب، ابن شوشان، في وقت لاحق، إن هذا اللقاء كان سببًا في تحول تفكير والده، وأضاف، “كان أبي يعلم دائمًا أننا إذا استخدمنا القوة فقط، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من الحروب، وكان دائمًا يدعم حل: دولتين لشعبين”.
عراب كوهين في دمشق
أدى القبض على بعض المطلوبين لإسرائيل وإعدامهم في النهاية إلى تخلي إسرائيل عن استخدام الجواسيس اليهود الذين يندمجون مع العرب.
في عام 1966، انتُدب شوشان إلى “الموساد” (جهاز المخابرات الإسرائيلية)، وخدم في قسم العمليات الخاصة، وعمل فيها حتى تقاعده عام 1982 في مناصب مختلفة.
وتحول شوشان بعد ذلك إلى تجنيد العملاء العرب وإدارتهم.
وحث شوشان في وقت لاحق على استئناف برنامج يهدف لدمج الجواسيس مع العرب، والذي أدى إلى تشكيل وحدة تجسس للعمليات الخاصة العسكرية.
الوحدة أُسست بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية في “قلب الدول المعادية”، باستخدام مقاتلين مدربين على أن يكونوا عربًا.
وكان من بين أعضاء تلك الوحدة الاستخباراتية، بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الحالي، وسلفه إيهود باراك، الذي قاد الوحدة.
وكانت مهمة شوشان تدريب الأعضاء على التظاهر بأنهم عرب.
ولعب شوشان دورًا بارزًا في بناء قصة إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الذي اخترق الدوائر العليا للنظام السوري في الستينيات، والذي كُشف لاحقًا وأُعدم في ساحة المرجة وسط دمشق.
بطل إسرائيل القومي
تقاعد شوشان في عام 1982، واستفادت منه وكالة المخابرات الإسرائيلية (الموساد) بتدريبات للعملاء، وفي بعض الأحيان المشاركة في العمليات بنفسه.
قال رئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، عنه، “لقد تعلمت أجيال من المحاربين عملها تحت قدميه”، مضيفًا “أنا أيضًا. قمت بجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ عمليات التخريب والقتل المستهدف”.
وذُكرت قصة شوشان في كتاب “جواسيس بلا وطن” للكاتب ماتي فريدمان في 2019، ويروي قصة أربعة رجال يتحدثون العربية عملوا جواسيس إسرائيليين، وهم جمالائيل كوهين وإسحاق شوشان اللذان نشآ في سوريا، وحبقوق كوهين وياكوبا كوهين من فلسطين.
وذكرت الكاتبة الإسرائيلية ياعيل فريدسون، في صحيفة “يدعوت آحرنوت“، في 29 من كانون الأول 2020، أنه حتى اليوم بعد عقود طويلة معظم عمليات شوشان ممنوعة من النشر، رغم مسيرته الأمنية الاستخباراتية، وكونه من أوائل عناصر سرية هيئة الأركان العامة، ومقاتلًا في جهاز “الموساد”، لكن حتى الإسرائيليين لا يعرفون كل أعماله.
وأضافت في تقريرها أن “شوشان يعتبر في صفوف المجتمع الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي بأنه أسطورة حقيقية”.
شوشان هو أحد الآباء المؤسسين لفوج الاستطلاع في هيئة الأركان العامة، وقد نشأت أجيال من كوادرها على يديه، وقد نعاه جهاز “الموساد” بصورة رسمية في بيان صدر عنه معلنًا وفاته.
وجاء في البيان أن شوشان انتقل إلى صفوف جهاز “الموساد” في حقبة الستينيات، وانخرط في عمليات متنوعة تمت تحت رعايته، وقد تم ترشيحه هذا العام للحصول على جائزة “الأمن الإسرائيلي”.
وقالت الكاتبة ياعيل فريدسون، إن “العديد من المهام الأمنية السرية التي قام بها شوشان تركزت في تهجير اليهود من الدول العربية إلى إسرائيل، وإقامة وحدة المستعربين السرية في الموساد، والعمل كضابط اتصال بين الموساد ووكالة الهجرة اليهودية، بجانب إحباط عمليات التجسس العربية على إسرائيل”.
إيتي يودان ابنة شوشان قالت، “والدي كان قريبًا منا، لكن تبين لنا لاحقًا أنه كان من بناة الدولة، فقد كان رجلًا سريًا حتى معنا ونحن أطفال، لا نعرف كل أعماله حتى يومنا هذا، لأنها لا تزال سرية”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :