عنب بلدي – علي درويش
تزيد الموازنة السورية بمليارات الليرات السورية على العام السابق كحدث متكرر منذ 2011، إلا أن قيمتها بالدولار تظهر العكس، تزامنًا مع عجز متزايد من عام إلى آخر، وزيادة في التضخم، ومخاوف من انكماش في موازنة 2021.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أقر موازنة 2021 بمبلغ 8500 مليار ليرة، بزيادة 4500 مليار ليرة على عام 2020، لكن قيمة موازنة 2021 لا تتجاوز 2.9 مليار دولار، بسعر صرف 2850 ليرة مقابل الدولار الواحد، حسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات، أي ما يقارب نصف موازنة 2020 التي بلغت 5.7 مليار دولار، بسعر صرف 700 ليرة مقابل الدولار الواحد (وهو سعر صرف السوق في تشرين الثاني 2019 شهر وضع الموازنة)، الذي انخفض أواخر الشهر نفسه ليصل إلى 775 ليرة مقابل الدولار الواحد.
وأظهر رصد عنب بلدي لإحصائيات منشورة على موقع المصرف المركزي السوري، حول طبيعة الموازنات التي كانت تقر في سوريا منذ 2004 حتى 2020، أن ميزانية 2004 بلغت 8.64 مليار دولار، و2012 بلغت 22.48 مليار، وهي الأعلى خلال فترة الرصد.
وبلغ عجز الموازنة المالية في سوريا لعام 2020، 1455 مليار ليرة، ويقدر العجز في 2021 بنحو ثلاثة آلاف و484 مليار ليرة سورية، وهي نسبة تقدر بـ71%، حسب صحيفة “الوطن” المقربة من الحكومة.
موازنة 2021 تفرض مزيدًا من التقشف على الأهالي
أوضح الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، في حديث إلى عنب بلدي، أن موازنة 2021 ستفرض على السوريين في مناطق سيطرة النظام تقشفًا إضافيًا، وبحساب رياضي ومنطقي يمكن القول، “إن العبء المعيشي على السوريين سيزداد بنسبة لا تقل عن 65%، وذلك في حال ثبات سعر صرف الليرة وعدم تدهوره من جديد”، وفق المقارنة بين موازنة 2020 و2021، بالنسبة لقيمتهما بالدولار.
ومن المتوقع في ظل هذه الموازنة، بحسب الباحث يحيى السيد عمر، أن “تزداد الأزمة الاقتصادية للسوريين، لا سيما من ناحية صعوبة تأمين المستلزمات الرئيسة كالخبز والمحروقات والكهرباء وغيرها”.
إذ حددت الاعتمادات المرصودة للرواتب والأجور والتعويضات في موازنة 2021 بـ1018 مليار ليرة سورية، واعتمادات الدعم الاجتماعي بـ3500 مليار ليرة، والصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية بـ50 مليار ليرة.
بينما قدّرت الاعتمادات لصندوق دعم الإنتاج الزراعي بـ50مليار ليرة، والدقيق التمويني بـ700 مليار ليرة، والمشتقات النفطية بـ2700 مليار ليرة، والطاقة الكهربائية بـ1800 مليار ليرة.
وعلى الرغم من ضخامة هذه الأرقام فإن قيمتها منخفضة بالدولار، والمخصصات المالية السابقة لا تعكس الحاجة الفعلية للسوق، إذ تبلغ فاتورة حكومة النظام لناحية استيراد القمح 400 مليون دولار سنويًا، ما يعادل 1200 مليار ليرة، بينما الرقم المخصص في الموازنة يبلغ 700 مليار، وهذا ما يعني عجزًا في مخصصات الخبز بـ500 مليار ليرة، وبالتالي انخفاض في كمية الخبز وازدياد في عدد الطوابير، حسب الباحث.
وتصرف الموازنة في إطارين أساسيين، هما النفقات الجارية والنفقات الاستثمارية، والأولى تشمل التمويل المستمر لوزارات الدولة وقطاعاتها، كالرواتب والمعاشات التقاعدية والمصروفات الخاصة بكل وزارة والنفقات الإدارية والأجور، ونفقات تحويلية كصيانة ممتلكات الدولة.
أما النفقات الاستثمارية، فتشمل الخطط الاستثمارية لكل وزارة لتوسيع عملها، كإنشاء بنية تحتية ومرافق حيوية.
وتركز الموازنة السورية على جانب الإنفاق الجاري، بينما شهدت تراجعًا واضحًا في الإنفاق الاستثماري، فحصة الإنفاق الاستثماري لم تتجاوز 18%، مقابل 82% على الإنفاق الجاري، و”هذا ما يعكس عجز حكومة النظام عن تلبية الاحتياجات الرئيسة للسوريين في مناطق سيطرتها”، حسب السيد عمر.
الفقر يلاحق السوريين
شهدت الأسعار في مناطق سيطرة النظام ارتفاعًا متكررًا منذ بداية 2020، تزامنًا مع انخفاض قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية، وذلك نتيجة عدة عوامل، أبرزها العقوبات الاقتصادية، خاصة حزم عقوبات قانون “قيصر” الأمريكي، وتأثير الأزمة الاقتصادية في لبنان وانفجار بيروت على البنوك اللبنانية، التي كانت متنفسًا اقتصاديًا للنظام، وتأثير فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، بحسب آراء باحثين التقت بهم عنب بلدي في وقت سابق.
وقال القائم بأعمال الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية ونائب منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، راميش راجاسينغهام، إن نحو 9.3 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة 1.4 مليون على عام 2019، مرجحًا ارتفاع العدد، وذلك في كلمته أمام مجلس الأمن حول سوريا، في 25 من تشرين الثاني 2020.
وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، إذ يعيش تحت خط الفقر في سوريا 90% من السوريين، بحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا.
وحذرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، إليزابيث بايرز، التابع للأمم المتحدة، من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، بسبب تفشي فيروس “كورونا”.
الإنفاق يتراجع رغم انخفاض عدد المواطنين في مناطق النظام
يلاحظ تراجع الإنفاق على الأفراد بنسبة 70% بمقارنة موازنة 2021 بموازنة 2011، إلا أن مقدار التراجع يفوق هذه النسبة، حسب الباحث يحيى السيد عمر، وذلك لأن حكومة النظام لم تعد تنفق إلا على الأفراد المقيمين في مناطق سيطرتها، وهذا ما يعني أن نسبة التراجع في الإنفاق على الأفراد تقترب من 85%.
ويجب أن يكون إنفاق الحكومة على المواطنين في مناطق سيطرتها ثلاثة أضعاف ما أنفقته في 2010، علمًا أن نصف عدد سكان سوريا لا يقيمون في مناطق سيطرتها، إذ يعيش نحو 11.7 مليون شخص في مناطق سيطرة النظام في العام الحالي، مقارنة بـ21.4 مليون في 2010، حسب دراسة أعدها “المعهد الأطلسي“.
كما تشير الدراسة إلى أن سوريا ستشغل نفسها بضمان الحد الأدنى من مستويات المعيشة لسكانها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تحيط بالبلاد، وسيتعيّن على الحكومة أن تبذل جهودًا كبيرة لتغطية الاحتياجات الأساسية للسكان في مناطق سيطرتها.
ويخدم الإنفاق الحالي بشكل رئيس برامج الدعم الاجتماعي، كدعم الوقود والغذاء وأجور موظفي القطاع العام، الذين يشكلون حوالي ثلث القوة العاملة (1.6 مليون شخص).
وقدّر تقييم أجرته صحيفة “قاسيون” الاقتصادية المحلية، أن متوسط تكلفة معيشة الأسرة السورية ارتفع بنسبة 85% منذ بداية عام 2020 إلى أيلول من العام نفسه، ولتحقيق مستوى معيشي مريح، تحتاج الأسرة السورية إلى 660 ألف ليرة سورية (220 دولارًا تقريبًا) كل شهر.
الانكماش عنوان موازنة 2021
“الانكماش هو العنوان العريض لموازنة النظام الحالية”، فعلى الرغم من ضخامتها بالليرة فهي موازنة انكماشية (أي أن قيمتها بالدولار منخفضة)، بحسب الباحث يحيى السيد عمر، مبينًا سبب الانكماش بتراجع إيرادات الحكومة، إذ شهدت أغلبية القطاعات تراجعًا واضحًا.
وأبرزها قطاع النفط، إذ بلغ إنتاج النفط في سوريا 406 آلاف برميل يوميًا في 2008، وانخفض الإنتاج في 2018 إلى 24 ألف برميل يوميًا، حسب بيانات موقع “بريتش بتروليوم”.
وبحسب دراسة أعدها مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية“، بلغ الانخفاض في مؤشر الصناعة بين 2010 و2016 من 89 إلى سبعة في قطاعات الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية.
وتراجعت قدرة سوريا على إنتاج غذائها بشكل كبير وعلى رأسها المحصول الاستراتيجي، القمح، العنصر الأساسي في صناعة الخبز، وذلك على الرغم من الأمطار الجيدة في موسم 2019، وزراعة 1.26 مليون هكتار، وهي قرابة ثلاثة أرباع المساحات المزروعة في 2010، إذ بلغ الإنتاج 2170 مليون طن من القمح، وهو يمثل نصف إنتاج 2011، ووصل الإنتاج إلى القاع في 2018 بنحو 1199 مليون طن من 642 ألف هكتار تم حصدها فقط، وهو أدنى إنتاج منذ 29 عامًا، حسب الدراسة.
كما تراجعت الإيرادات السورية في مجال الصادرات، إذ تراجع إجمالي الصادرات من 8.7 مليار دولار عام 2011 إلى أقل من 700 مليون دولار، كما تراجع إسهام الزراعة في الإيرادات الحكومية من 20% إلى 5%، وتراجع الإنتاج الحيواني 35% والدواجن 40%، وتراجعت الإيرادات الضريبية من 9.6% إلى 3%، والسياحة من 8.21 مليار دولار إلى 14 مليون دولار.
وبحسب السيد عمر، فإن تراجع الإيرادات الحكومية انعكس بشكل مباشر على الموازنة، التي بدورها ستنعكس على الأفراد، فالإنفاق الحكومي لدى حكومة النظام يسجل تراجعًا حادًا، الأمر الذي يعني مزيدًا من التقشف على السوريين، لا سيما أنه في المدى المنظور من غير المتوقع ظهور أي تحسن في الإيرادات.
كما أن التضخم الحاد الذي يعاني منه اقتصاد النظام انعكس بشكل مباشر على الموازنة، التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بقيمتها بالليرة السورية وتدنيًا ملحوظًا أيضًا في قيمتها بالدولار، وهذا يدل على أن ارتفاع مستوى التضخم سيبقى سيد المشهد الاقتصادي، وبالتالي ستستمر قيمة الرواتب والأجور بالتدني، ما ينعكس سلبًا على معيشة السوريين، حسب السيد عمر.
ومن المتوقع أن تزداد وتيرة ارتفاع الأسعار في ظل الموازنة الجديدة، كونها انكماشية وتقل قيمتها بالدولار عن الاستحقاقات المالية اللازمة لتأمين المواد الأساسية.
الموازنة الحالية وعلى الرغم من انخفاض قيمتها بالدولار، فهي مرشحة لانخفاض جديد، وذلك انطلاقًا من عدم ثبات قيمة الليرة السورية، فمن المتوقع أن تشهد الليرة تدهورًا جديدًا في ظل العقوبات الجديدة، ما يعني انخفاضًا إضافيًا في القيمة الفعلية بالدولار، وبالتالي تراجع مستوى معيشة السوريين، حسب السيد عمر.