منصور العمري
ودّع كثيرون عام 2020 بلا أسف، بعد أن خيّمت جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) على أيامه، وغيرها من أحداث كبرى غير سعيدة. رغم ذلك، شهد هذا العام أحداثًا قانونية مهمة متعلقة بالسوريين وبجرائم نظام الأسد.
من أبرز هذه الأحداث، بدء المحاكمة الأولى من نوعها لموظفَين سابقَين في المخابرات العامة السورية متهمَين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واتخاذ هولندا خطوة دولية هي الأولى من نوعها أيضًا لمساءلة الحكومة السورية على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لا سيما التعذيب بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
أهم الأخبار حسب التسلسل الزمني:
في 29 من كانون الثاني/ يناير، ألقت السلطات الفرنسية القبض على مجدي نعمة الملقب بإسلام علوش، المتحدث السابق باسم الجماعة الإسلامية المعارضة المسلحة “جيش الإسلام” في مرسيليا الفرنسية، ووجهت له تهمًا بارتكاب جرائم حرب بما فيها التعذيب والإخفاء القسري. أتى الاعتقال إثر شكوى جنائية قدمها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير“، و”الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان” و”الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان“، في 26 من حزيران/ يونيو 2019.
في 23 من شباط/ فبراير، انتشر خبر عودة مازن حمادة، ضحية التعذيب الذي شارك في فعاليات مناصرة للمعتقلين، إلى سوريا باتفاق مع النظام السوري. آخر خبر كان اعتقال مازن في دمشق فور عودته، ولم ترد أخبار أخرى عنه بعد ذلك. ليس من الواضح إن فتحت السلطات الهولندية تحقيقًا بشأن مازن حمادة، وإن كانت عودته طوعية أم نتيجة لتلاعب وابتزاز من قبل النظام السوري.
في 23 من نيسان/ أبريل، بدأت محاكمة العقيد أنور رسلان في مدينة كوبلنز الألمانية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بما فيها التعذيب والقتل والاعتداء الجنسي، بالإضافة إلى العنصر إياد الغريب المتهم بالتواطؤ بارتكاب هذه الجرائم. اُعتقل المتهمان في ألمانيا، بالإضافة إلى متهم ثالث في فرنسا، أُطلق سراحه فيما بعد. حظيت هذه المحاكمة باهتمام لافت في أوساط السوريين والإعلام الدولي والأوساط الأكاديمية، لكن شاب هذه المحاكمة عدة منغصات. أولًا، لم توثق المحكمة المحاكمة بشكل كامل، أي أنه لا يوجد أرشيف حرفي لكل ما يدور في المحكمة، وهي فرصة ضائعة ويجب العمل لإصلاحها. مثل هذه الوثائق ستكون ذات قيمة عالية في أي عملية انتقالية بالنسبة للسوريين لفهم ومعالجة آلة إبادة الدولة. يمكن أيضًا استخدام هذه الوثائق الرسمية في الإجراءات القانونية بالمحاكم المحلية في سوريا بمجرد انتهاء الحرب، أو في المحاكم الدولية المستقبلية. مثل هذا الأرشيف له قيمة أكاديمية عالية ليس فقط بالنسبة للسوريين ولكن للدول الأخرى، لأنه يوفر مصدرًا فريدًا للمعلومات للعلماء والمؤرخين والباحثين الآخرين في ممارسات إبادة الدولة. هناك عديد من القضايا المماثلة الجارية الآن في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وفي ألمانيا نفسها. تعد قراءة سجلات المحاكمات السابقة وفهم السابقات القضائية أمرًا حيويًا للأنظمة القانونية. تلاشت جثث ضحايا التعذيب في سوريا في طي النسيان، والآن، لإضافة الملح إلى الجرح، تُحرم عائلاتهم من حقهم في السجلات الرسمية لكيفية حدوث ذلك. المنغص الآخر في المحاكمة كان لغتها، فالمحاكمة تجري باللغة الألمانية، والترجمة إلى العربية لم تكن متاحة للجمهور أو للصحفيين.
شارك في تحضير ودعم الدعوى المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والحقوق الدستورية، والمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية والأبحاث والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ومبادرة العدالة.
في 17 من حزيران/ يونيو، قدم “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان”، وبجهود من المحامية جمانة سيف العاملة في المركز، بالشراكة مع منظمة “أورنامو” و”شبكة المرأة السورية” السوريتين، شكوى للمدعي العام الألماني تطلب من السلطات الألمانية أن تلاحق العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في مراكز الاحتجاز السورية على اعتباره جريمة ضد الإنسانية.
في 19 من حزيران/ يونيو، ألقت السلطات الألمانية القبض على الطبيب علاء موسى، المتهم بتعذيب المعتقلين وحرق أعضائهم التناسلية في أثناء عمله طبيبًا لدى النظام السوري.
في 18 من آب/ أغسطس، وافقت المحكمة الدستورية الألمانية على منح الوصول إلى الترجمة العربية للصحفيين المعتمدين فقط لدى محكمة “كوبلنز”، ردًا على التماس قضائي لإتاحة الترجمة للجمهور وللصحفيين جميعًا، قدمه صحفيون سوريون ومنظمات حقوقية بدعم من “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” و”مبادرة العدالة“. يجب أيضًا متابعة هذا الأمر ومحاولة إتاحة الترجمة بالعربية للجمهور ولجميع الصحفيين وليس المعتمدين فقط، كما يمكن المطالبة بفتح اعتماد الصحفيين مرة أخرى في عام 2021.
في 6 من أيلول/ سبتمبر، رحل المحامي السوري محمود بكار، مدير العلاقات العامة والمنسق العام لـ”شبكة سوريا القانونية” في هولندا. محمود كان يعمل في ملاحقة مجرمي الحرب بهولندا.
في 5 من تشرين الأول/ أكتوبر، قدمت منظمات حقوقية شكوى للمدعي العام الألماني تطلب منه التحقيق في هجمات كيماوية في سوريا. قدم الشكوى الجنائية “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” و”الأرشيف السوري” و”مبادرة العدالة” عن عدد من ضحايا هذه الهجمات.
في 12 من تشرين الثاني/ نوفمبر، وجه المدعي العام الدنماركي للجرائم الاقتصادية والدولية الخطيرة تهمًا إلى شركة “دان بنكرنغ” ببيع وقود الطائرات إلى كيانات روسية زوّدت بها النظام السوري في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا. زوّدت الشركة الدنماركية هذا الوقود في الوقت الذي كان النظام السوري وروسيا يقصفان حلب بالطيران. قدّر ميكيل ستورم جينسين، وهو محلل عسكري في الكلية الملكية للدفاع الدنماركية، أن كمية الوقود التي باعتها الشركة الدنماركية كافية لتنفيذ حوالي ستة آلاف غارة جوية.
في 14 من تشرين الثاني/ نوفمبر، نشرت صحيفة “كورير” النمساوية تحقيقًا صحفيًا فضح عملية مخابراتية نمساوية- إسرائيلية هربت العميد خالد الحلبي وأخفته في النمسا، ولم تتعاون النمسا فيما بعد مع طلبات التحقيق ومذكرة “اليوروبول” الفرنسية. اعتبر كثير من السوريين هذه العملية تقويضًا للعدالة الدولية ولجهود السوريين وشركائهم الأوربيين في مكافحة الجرائم الدولية ومحاسبة الأسد.
في 19 من تشرين الثاني/ نوفمبر، أصدرت محكمة العدل الأوروبية تفسيرها بشأن إمكانية الاستناد إلى رفض الخدمة العسكرية في سوريا كأساس لمنح صفة اللجوء. أتى التفسير بعد طعن سوري فر من بلاده لتجنب الخدمة العسكرية أمام محكمة “هانوفر” الإدارية، بقرار المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين بمنحه حماية فرعية ورفض منحه وضع لاجئ. طلبت محكمة “هانوفر” من محكمة العدل الأوروبية تفسير “توجيهات الحماية الدولية” بما يتعلق بحق اللجوء على أساس رفض أداء الخدمة العسكرية الإجبارية. أتى تفسير المحكمة بأنه يُمكن أن يكون رفض الخدمة أساسًا لمنح صفة اللجوء، ولكن هذا يعود إلى تقدير السلطات المحلية المختصة (مكاتب اللجوء) في النهاية إن كان رفض الخدمة مرتبطًا بأسباب سياسية، أي أن رفض الخدمة العسكرية لا يوفر منح اللجوء بشكل آلي، بل يجب دراسة الملف وتحديد ما إذا كان رفض الخدمة العسكرية مرتبطًا بأحد أسباب الاضطهاد الخمسة التي قد تؤدي إلى الحق في منح صفة لاجئ، وهي العرق أو الدين أو الجنسية أو الرأي السياسي أو العضوية في فئة اجتماعية معينة.
في 11 من كانون الأول/ ديسمبر، تلقت كرواتيا رسميًا شكوى قدمها طالب لجوء سوري، بدعم من “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، لحثها على فحص ممارسات إبعاد طالبي اللجوء في كرواتيا. هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تقديم شكوى بشأن عمليات الإبعاد إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
في 16 من كانون الأول/ ديسمبر، أصدر قاضي التحقيق الألماني مذكرة تمدد توقيف المتهم علاء موسى وأمر مرة أخرى بحبسه الاحتياطي. يواجه علاء تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في أثناء عمله طبيبًا لدى حكومة الأسد، تشمل قتل شخص، وتعذيب 18 آخرين، بما فيه حرق الأعضاء التناسلية للمعتقلين.
في 18 من كانون الأول/ ديسمبر، أصدرت “مبادرة العدالة” و”المركز الدولي لإنفاذ حقوق الإنسان” النمساوي بيانًا حثت فيه السلطات النمساوية على تسريع الملاحقة القضائية لجرائم الحرب السورية، بما يتعلق بالتحقيق في اتهام العميد خالد الحلبي، رئيس فرع المخابرات العامة في الرقة سابقًا.
آخر أيام العام 2020 شهد خبر تقديم المواطن التركي حسام الدين كوسا دعوى إلى المدعي العام التركي في اسطنبول ضد بشار الأسد وجنرالاته لتسببهم في موت والده وعمه تحت التعذيب. كما صرح السيد حسام لعنب بلدي.
تعرف حسام على صورة جثة والده ضمن الصور التي سربها الموظف الحكومي السوري المنشق الملقب بـ”قيصر”. حسب قانون العقوبات التركي، ينطبق القانون التركي على الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في بلد أجنبي سواء ارتكبها مواطن تركي أو غير تركي. نظريًا، يمكن أن يتحرك السوريون في تركيا لبحث إمكانية رفع دعاوى متعلقة بجرائم ضد الإنسانية، مثل التعذيب، والقتل والاعتداء الجنسي.