جميع الأطراف تستخدم تنظيم “الدولة” في البادية.. لكنها لا تحاربه

  • 2021/01/03
  • 8:27 ص

جندي سوري يحرس الطريق الرئيسي في وسط محافظة حمص بعد استعادته من تنظيم الدولة الإسلامية في 2018 (AFP)

عنب بلدي – نور الدين رمضان

ضباط وأفراد، قادة وعناصر، قوات سورية وروسية وإيرانية، لا تستثني هجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” في البادية السورية أحدًا، بينما “يتجاهل” الجميع شن عمليات عسكرية تحد من تحركاته أو تقضي على آخر معاقله في المنطقة المكشوفة للطيران الحربي، التي تصعب فيها المواجهات على الأرض، لأن التنظيم اكتسب خبرة جغرافية فيها، ويعتمد بهجماته على تكتيكات خاصة تصعّب التعامل معه.

ويطرح هذا “التجاهل” تساؤلات حول الأسباب، وما إذا كان ذلك لأهداف استراتيجية للأطراف القوية في سوريا، التي تتقاذف الاتهامات فيما بينها حيال نشاط التنظيم، أم أن جميع هذه الأطراف لا تريد خوض معركة على الجغرافيا المعقدة التي قد تكون الحرب فيها ضد تنظيم من هذا النوع خاسرة.

عمليات مكثفة

خلال الأشهر القليلة الماضية، كثّف التنظيم من عملياته انطلاقًا من البادية السورية، وآخر هذه العمليات هجومه بعبوات ناسفة على حافلة تقل عناصر من قوات النظام السوري على طريق دير الزور- تدمر، قتل فيه نحو 40 عنصرًا، بحسب التنظيم.

وهذا الكمين هو الثاني الذي يتبناه التنظيم ضد حافلة تنقل عناصر من “الفرقة الرابعة” في الأسبوع الماضي، إذ قُتل وجُرح عشرة عناصر من قوات “الفرقة الرابعة” أيضًا في ريف دير الزور الغربي، في 27 من كانون الأول 2020.

تأتي العملية ضمن نحو 50 عملية تبناها التنظيم خلال كانون الأول 2020 في سوريا، معظمها ضد قوات النظام، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وشملت قياديين وضباطًا، بحسب ما رصدته عنب بلدي من إعلانات التنظيم عن تبني عمليات في المنطقة.

كما لم تستثنِ هجمات التنظيم الروس، إذ قُتل جنرال روسي برتبة لواء وأُصيب عسكريون آخرون بانفجار، في آب 2020، بريف دير الزور الشرقي.

وتتشابه العمليات جميعها بطرق الاستهداف، وتم معظمها بتفجير عبوات ناسفة أو خطف ثم تصفية أو عمليات خاطفة بمهاجمة حواجز والعودة إلى أماكن التمركز بسرعة، كما حصل خلال أيلول وتشرين الأول 2020، عندما هاجم التنظيم من البادية حواجز لقوات النظام السوري في ريف الرقة، ما أسفر عن مقتل العشرات.

ويلاحَظ من هجمات تنظيم “الدولة” الأخيرة تمدده إلى عمق مناطق سيطرة “قسد” في شمال شرقي سوريا، واستهدافه قياديين في “قسد” وقوات النظام، إذ تبنى عدة عمليات في ريف دير الزور الشمالي، بعد أن كانت عملياته تتركز في ريف المحافظة الشرقي المتصل بالبادية السورية.

واستغل التنظيم انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) لتكثيف هجماته على عدة جبهات، وإعادة ترتيب صفوفه، بحسب دراسة بحثية أصدرها مركز “عمران للدراسات”، وينظر التنظيم إلى آثار الفيروس كظروف ملائمة لاتخاذ تكتيكات أمنية تتناسب مع مصالحه.

لماذا لا تُشن عمليات عسكرية ضد التنظيم؟

المحلل السياسي السوري المتخصص بالشأن الروسي محمود الحمزة، أرجع في حديث إلى عنب بلدي عدم شن روسيا وقوات النظام عمليات عسكرية واسعة ضد التنظيم إلى عدم قدرتهما على محاربته في البادية التي يتمتع بخبرة قتالية فيها، مستبعدًا أن يكون هناك هدف استراتيجي روسي من هذا التجاهل.

بينما يرى المحلل العسكري اللواء محمود علي، في حديث إلى عنب بلدي، أن الأطراف الدولية لن تسمح للنظام السوري بشن عملية عسكرية واسعة ضد التنظيم إذا أراد، لأن ذلك لا يتفق مع الأهداف الاستراتيجية لتلك الدول.

تكتيك لأصعب أنواع الحروب

من جانبه، قال المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، لعنب بلدي، إن التنظيم بعد خسارته شرق الفرات وخروجه منها، انتقل إلى العمل السري أو الخلايا العنقودية النائمة، وتكيّف بمجموعات صغيرة مع أعمال الاستنزاف والكر والفر، وحرب العصابات والكمائن والإغارات الخاطفة، وأعمال التلغيم والاغتيالات ضد خصومه في البادية أو في الجزيرة السورية، التي أصبحت عمليات شبه يومية تؤرق أعداءه وتكلفهم خسائر فادحة بالأرواح والمعدات كما في “كمين البادية” على طريق تدمر- دير الزور.

تكتيكيًا، يرى العقيد فايز الأسمر أن قوات النظام السوري وروسيا في البادية، و”قسد” في الجزيرة، مدعومة بالتحالف من جهة أخرى، تخوض أحد أصعب أنواع الحروب، لأن التنظيم غير مرئي ولا يملك منطقة جعرافية محددة، فهو مستعد لهذا النوع من الحروب في البادية السورية، التي يعرف مداخلها ومخارجها وتضاريسها وما تقدمه له وأفضل الطرق للتقرب من أهدافه، علمًا أن البادية متسعة، ويستخدم التنظيم المغارات والكهوف والملاجئ، ويعرف كيف يخفي ويموّه فيها آلياته وتحركاته وكيف ينقل عناصره.

وبحسب الأسمر، فلا تنهي الضربات الجوية التنظيم بهذه السهولة، مشيرًا إلى أن عملًا عسكريًا ضد التنظيم في البادية يحتاج إلى تمشيط دقيق وقوات بأعداد كبيرة مدربة، وهو ما لا تملكه قوات النظام المنهكة عسكريًا.

تمتد البادية السورية من ريفي حماة وحمص الشرقيين إلى الحدود العراقية، ومن ريفي دير الزور والرقة شمالي سوريا إلى الحدود الأردنية- السورية، وتبلغ مساحتها أكثر من 75 ألف كيلومتر مربع من مساحة سوريا البالغة نحو 185 ألف كيلومتر مربع، ما يجعلها بيئة مناسبة لانطلاق هجمات التنظيم.

هكذا تحوّل التنظيم إلى لغز

ماجد العلوش

باحث وكاتب سياسي

الحديث عن تنظيم “الدولة” أقرب إلى التنجيم منه إلى القراءة الموضوعية المستندة إلى وثائق ووقائع، وتفكيك لوحة سريالية أسهل من الخوض في الوضع السوري، وفي ضوء ذلك يصبح الحديث مجرد محاولة لتفكيك طلاسم، لكن في العموم التنظيم عريق، على الأقل تمتد جذوره إلى نهايات سبعينيات القرن الماضي عندما أسس التحالف الأمريكي- السعودي- الباكستاني مجموعات “الجهاديين المقاتلين من أجل الحرية”، لإنهاك الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وإحداث “صدى” شعبي في العالم الإسلامي يواجه الصدى الشيوعي الزاحف إلى ذاك العالم.

وخلال 40 عامًا وأكثر، امتلك التنظيم كل خبرات حرب العصابات، وزاد من قدرته عقائديته وجبال الذهب التي تأتيه من كل حدب وصوب، فهو أمل العديد من الدول الإقليمية العقائدية لإحداث اختراقات تفتيتية في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة خاصة العربية، بهدف تدميرها أولًا ثم السيطرة عليها.

خارج قضية التنظيم، الكل اقتنع في ظل السياسة الأمريكية القائمة على قاعدة “دع الجميع يتصارعون في سوريا وينهكون بعضهم فالجميع سيئون”، أصبح هدف القوى المتدخلة في الوضع السوري تحسين نصيبها من الكعكة السورية وليس مساعدة الشعب السوري على تجاوز الكارثة، وبالتالي فدمج بنية التنظيم الفكرية بأحلام وأوهام القوى المتدخلة تقودنا ربما إلى فهم الوضع.

التنظيم يمتلك بنية تنظيمية قادرة على الاستمرار بسبب مرونتها، ومصادر “رزق” تساعده على تجديد شبابه، لكنه، في سوريا، يقاتل في أرض سهلية مكشوفة لا تصلح مسرحًا لحرب العصابات التي تتطلب بيئة جغرافية وبشرية ذات مواصفات غير متوفرة، وهذا يثير الأسئلة والشكوك معًا.

افتقاد التنظيم إلى المشروع السياسي الواضح يجعله أداة سهلة الاستخدام من الجميع وضد الجميع، واضمحلاله خسارة للجميع، وبالتالي، التنظيم لغز فعلًا، فالجميع يعاديه ويستخدمه، ليس بسبب ارتباطاته أو عمالته كما يُروج، بل بسبب غياب خارطة طريق واعية لديه تحقق هدفًا عقلانيًا، فهو يقاتل من أجل بناء سلطة مستجلبة من خارج التاريخ، تبطش بالبشر والحجر والشجر وتعادي الجميع، لذلك يسهل على الجميع تطبيق الحيلة التي يطبقونها على الأطفال: “انظر إلى الحمامة فوق” ليخفوا عنهم ما يريدون إخفاءه.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا