د. أكرم خولاني
اكتشف العلماء في أيلول الماضي سلالة جديدة من فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) لدى أحد المرضى في بريطانيا، وتبين أن هذه السلالة قد نتجت عن طفرة جديدة طرأت على الفيروس، وصرح أكبر مسؤول طبي في إنجلترا بأن “هيئة الصحة العامة اكتشفت السلالة الجديدة، وتأكد أنها تنتشر بسهولة أكبر من السلالة الأصلية للفيروس”، وهذا ما سبب القلق للعلماء وللحكومات وللناس جميعًا حول العالم.
لكن مدير عام منظمة الصحة العالمية صرح، في 21 من كانون الأول 2020، بأن “ما نفهمه حتى الآن من البيانات التي أبلغت عنها بريطانيا هو أن هناك زيادة بانتقال العدوى في هذه السلالة، لكن لا يوجد دليل حتى الآن على أنه من المرجح أن تتسبب السلالة الجديدة بمرض خطير أو وفيات أكثر”.
ومع أن السلالة الجديدة للفيروس ظهرت في بريطانيا، فإنه تم تسجيل بضع إصابات في الدنمارك وهولندا وأستراليا، ثم بدأ تسجيل إصابات بالسلالة الجديدة للفيروس في دول متعددة حول العالم، منها الأردن ولبنان، ولكن أظهرت البيانات الواردة أن تلك الحالات هي لأشخاص قادمين من المملكة المتحدة.
كيف تخلّقت السلالة الجديدة
التفسير الأكثر ترجيحًا هو أن الطفرة ظهرت لدى مريض يعاني من ضعف في جهاز المناعة غير قادر على التغلب على الفيروس، وبدلًا من ذلك صار جسمه أرضًا خصبة لتحوّر الفيروس، ومع أنه يُعتقَد أن السلالة الجديدة تخلّقت في رئة مصاب في لندن فإنها قد تكون تخلّقت في بلد آخر ذي قدرة أقل على رصد الطفرات الجينية التي يطورها الفيروس.
وتحتوي السلالة الجديدة على 23 تغيرًا مختلفًا حدث نتيجة الطفرة، والعديد من هذه التغيرات في الفيروس مرتبط بتغيرات في البروتين الشوكي “سبايك” أو مستقبلات الفيروس التي يستخدمها كسلاح أساسي في الارتباط بمستقبلات الخلايا البشرية قبل أن يخترقها.
هل طرأ على فيروس “كورونا المستجد” طفرات من قبل؟
نعم، فهذه ليست المرة الأولى التي يتحوّر فيها فيروس “كورونا المستجد” منذ بداية ظهوره في أواخر عام 2019، والفيروس الذي اكتُشف أول مرة في مدينة ووهان الصينية ليس هو الفيروس ذاته المستشري الآن في أنحاء العالم، فما يميز فيروسات “كورونا” قدرتها على التحوّر، ويحدث ذلك عندما تلتصق هذه الفيروسات بالخلايا وتدخل داخلها، وتقوم بعمل نسخ من الحمض النووي الريبي الخاص بها، ما يساعدها على التكاثر والانتشار، ولكن إذا كان هناك خطأ في النسخ يتم تغيير الحمض النووي الريبي، ويطلق العلماء على هذه التغيرات “طفرات”.
وهناك حتى الآن ما لا يقل عن سبع سلالات رئيسة من “كورونا المستجد”، إضافة إلى طفرات نادرة تشكل أقل من 1% من الحالات.
كانت السلالة الأصلية هي المكتشفة في ووهان الصينية في كانون الأول من عام 2019، وأطلق عليها العلماء السلالة “L”، ثم طرأت عليها الطفرة الأولى فتحوّرت للسلالة “S” بداية 2020، قبل أن تتغير لسلالتي “V” و”G” في الشهر ذاته، ثم تحورت”G” إلى السلالات “GR” و”GH” و “GV” في نهاية شباط 2020، وخلال الشهر ذاته أعلن العلماء اكتشاف سلالة جديدة أكثر قدرة على العدوى بعشر مرات من النسخ المتعارف عليها لفيروس “كورونا المستجد”، وأطلقوا على الطفرة الجديدة اسم “D614G”، وفي غضون ذلك، ظهرت سلالة جديدة على درجة عالية من الخطورة أُطلق عليها اسم “A222V”، اجتاحت أوروبا في الصيف الماضي قادمة من إسبانيا وتسببت في 80% من الإصابات في دول أوروبا.
تعد السلالات “G” و”GR” و”GH” هي الأكثر انتشارًا حول العالم، بينما بدأت سلالات “L” و”G” تختفي تدريجيًا، فالسلالات “G” و”GR” هي الأكثر شيوعًا في جميع أنحاء أوروبا وإيطاليا، بينما سلالة “GH” غير موجودة في إيطاليا لكنها تنتشر في فرنسا وألمانيا، وفي أمريكا الشمالية، فالسلالة الأكثر انتشارًا هي “”GH، أما في أمريكا الجنوبية فهناك سلالة “GR”، ويمكن العثور على السلالة “S” في بعض المناطق المحظورة في الولايات المتحدة وإسبانيا، وفي آسيا، حيث ظهرت سلالة “L” في البداية، تزايد انتشار السلالات “G” و”GH” و”GR” خاصة منذ بداية آذار 2020، أي بعد شهر من انتشارها في أوروبا، وقد استمرت السلالة “L” لفترة أطول في آسيا نظرًا إلى إسراع الكثير من البلدان في هذه القارة إلى إغلاق حدودها ووقف الحركة.
أما بالنسبة للسلالة “D614G” فقد انتشرت في أوروبا والأمريكيتين، ومن ضمن الدول الآسيوية التي أعلنت غزو تلك السلالة المتحورة لمدنها ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة.
هل السلالة الجديدة أكثر خطورة؟
لا يوجد أي دليل واضح على أن هذه السلالة تجعل من “كوفيد- 19” أكثر فتكًا، ولكن يعتقد العلماء أنها تنتقل أسرع بنسبة 70% من السلالات السابقة، وهذا يعني أن العدوى ستكون أكثر انتشارًا، وبالتالي فإن أشخاصًا أكثر سيحتاجون إلى العناية الطبية في المستشفيات، وهذا يضع القطاع الصحي تحت ضغط كبير.
هل اللقاحات التي جرى البدء باستعمالها لفيروس “كورونا المستجد” فعالة ضد هذه السلالة الجديدة؟
بشكل مؤكد ما زالت اللقاحات فعالة حتى الوقت الحالي، فهي تدرب الجهاز المناعي على مهاجمة عدة أجزاء مختلفة من الفيروس، لذا على الرغم من أن النتوءات قد تحورت، فإن اللقاح يجب أن يستمر في العمل.
ولكن مع استمرار تفشي فيروس “كوفيد- 19” حول العالم، فإنه غالبًا سيستمر في التحور وتطوير سلالات جديدة مع الوقت، لذا من المستحيل التنبؤ بالطفرات التي سيصل إليها أو ماهية تلك التغيرات، فقد يكوّن سلالات تستطيع الهروب من مفعول اللقاحات الحالية، وهذا سيضعنا في موقف مشابه للإنفلونزا، إذ يحتاج لقاح الإنفلونزا إلى التطوير بشكل دوري، ولحسن الحظ فإن لقاحات “كوفيد- 19” الحالية قابلة للتطوير بسهولة.