حمص – عروة المنذر
على باب “الجمعية الفلاحية”، في مدينة تلبيسة شمالي حمص بعشرة كيلومترات، يتجمع الفلاحون كل صباح، ما لا يقل عن 50 مزارعًا يقفون لتسلّم مخصصاتهم من الأسمدة أو المحروقات التي تقدمها الحكومة.
كميات أقل للأسمدة الموزعة في عام 2020، مع نقص في أنواعها، إلا أن ارتفاع الأسعار وصعوبة تأمين المواد التي تحتاج إليها المحاصيل، ألزم الفلاحين بالانتظار والتجمع للحصول على ما يستطيعون من الدعم الحكومي.
يجلس مزارع خمسيني على الرصيف المقابل لمركز التسلّم مع ثلاثة من جيرانه، ويقول لعنب بلدي، إن مسؤولي الحكومة يصرحون يوميًا عن دعم الزراعة والمزارعين، “ويوصي الوزير بزراعة الحدائق، وحين أتى موعد التوزيع بدأ التقنين”، صمت أبو مروان (المزارع) قبل أن يتابع مازحًا، “يمكن للناس التكيف مع التقنين، لكن إن قننا الأسمدة والمبيدات لن تتكيف المحاصيل”.
دعم متناقص محصور بالقمح
بدأت الجمعيات الزراعية التابعة لاتحاد الفلاحين بتوزيع الأسمدة بمعدل ربع الكمية الموزعة عام 2019، وحصرت الدعم بالأسمدة لمحصول القمح فقط، أما المازوت الزراعي المقدم للجرارات والآليات الزراعية فقلصت كميته بمعدل الثلث.
قبل عام 2011، كانت الجمعيات الزراعية تقدم البذور المعقمة مجانًا وتستردها عند الحصاد، “وتسمح للمزارعين باستجرار كمية غير محدودة من الأسمدة، أما في الوقت الحالي فيتم تقديم البذور بسعر 500 ليرة للكيلو الوحد، في حين تناقص دعم الأسمدة إلى أدنى مستوياته”، كما قال أحمد الخليل، أحد مزارعي مدينة الرستن.
جابر، مزارع آخر من مدينة الرستن قال لعنب بلدي، إنه تسلّم ستة كيلوغرامات من سماد “يوريا”، “لكل دونم أكتتبه لزراعة القمح”، في حين كانت الكمية المتسلّمة عام 2019، 25 كيلوغرامًا لكل دونم، “الكمية الموزعة لا تسد إلا جزءًا بسيطًا من احتياجات المحصول، فالدونم الواحد بحاجة إلى 25 كيلو من اليوريا، أما السوبر فوسفات (الشرش) فلم يتم توزيعه بشكل نهائي”.
تناقص الدعم خالف التصريحات الحكومية التي تزايدت وعودها، بعد تجدد أزمات الغلاء وفقدان الخبز في سوريا خلال عام 2020.
رئيس “اتحاد الفلاحين العام”، أحمد إبراهيم، أكد على “ضرورة توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي في الأوقات المناسبة، وتذليل الصعوبات التي تعترض الفلاحين”.
وخلال لقائه بالمكتب التنفيذي للاتحاد، في تشرين الأول الماضي، طالب وزير الزراعة، حسان قطنا، “الاتحاد العام للفلاحين” بالتعاون مع وزارة الزراعة بما يخدم القطاع الزراعي، خصوصًا بما يتعلق بتوزيع المستلزمات الزراعية على الفلاحين وفقًا للحاجة الفعلية.
بالنسبة للمزارعين فإن الوعود لم تحفزهم على زراعة المحاصيل “الاستراتيجية” التي تحتاج إلى نسب “عالية” من الأسمدة، حسبما قال جابر، الذي أشار إلى أن العديد اتجهوا لزراعة محاصيل كاليانسون وحبة البركة والكمون، فدونم اليانسون مثلاً يحتاج من عشرة إلى 15 كيلوغرامًا من “اليوريا” فقط.
السماد.. أسعار مضاعفة بجودة أقل
تحدد “الجمعية الفلاحية” سعر كيس سماد “اليوريا”، الذي يزن 50 كيلوغرامًا، بـ18 ألف ليرة سورية (أقل من ستة دولارات)، بينما يبلغ سعره في السوق الحرة 48 ألف ليرة (أكثر من 16 دولارًا)، أما “السوبر فوسفات” فيوزع بسعر تسعة آلاف ليرة، ويباع في المراكز الزراعية بـ24 ألفًا.
المهندس الزراعي عدنان اليوسف، الذي يملك مركزًا زراعيًا على أوتوستراد حمص- حماة، أكد أن الأسمدة الموزعة في “الجمعية الفلاحية” “أفضل” من الأسمدة المباعة في السوق الحرة، موضحًا أن الأسمدة المتوفرة في السوق هي من إنتاج معمل “الرافدين” في مدينة “حسياء الصناعية”، وهي بجودة “أقل” من جودة السماد المصنع في معمل سماد حمص الذي تستثمره شركة روسية.
وتختلف خواص التحلل بين السمادين، فسماد معمل “الرافدين” بطيء ويحتاج إلى عام كامل قبل تحلله في التربة وتحوله إلى عناصر يمتصها النبات، بينما يتحلل السماد المصنّع في معمل حمص بشكل مباشر.
وأشار اليوسف إلى أن تخفيض الكميات الموزعة تترجم إلى زيادة في مبيعات معمل “الرافدين”، في حين “لا مبرر” لتوقف معمل حمص عن إنتاج “السوبر فوسفات”، حسب رأيه.
المازوت يتراجع أيضًا
تقدّم “الجمعية الفلاحية” المازوت المدعوم بسعر 180 ليرة لليتر، لمالكي الجرارات والمولدات والآليات الزراعية شهريًا وبنسب متفاوتة بحسب حجم الآلية، وبغض النظر عن نوعية المحاصيل المزروعة.
وقال أحد أعضاء “الجمعية الفلاحية” في مدينة الرستن، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن الكميات الموزعة من الوقود مرتبطة بما يستطيع “اتحاد الفلاحين” تحصيله من الحكومة، إذ لا يوجد رصيد محدد بشكل شهري للاستهلاك الزراعي، ويُوزع بحسب عدد الآليات المسجلة لدى الجمعية وحجم استهلاكها.
لكن الكميات تراجعت، حسبما أوضح المزارع طه، الذي قال إنه تسلّم في تشرين الثاني الماضي 150 ليترًا، بينما تسلّم في كانون الأول الماضي 60 ليترًا فقط، وهو ما دفعه لشراء المازوت بأسعار مرتفعة، ورفع أُجور حراثة الأراضي من أربعة آلاف ليرة للدونم إلى خمسة آلاف ليرة.
دعم متناقص.. أسعار متصاعدة
يزيد تناقص الدعم بشكل دوري من تكاليف إنتاج المحاصيل، وهو ما يدفع الفلاحين إلى تحميل التكاليف الإضافية على سعر المنتج النهائي، باستثناء القمح الذي ينحصر تسويقه بالحكومة.
وقال المزارع جابر، إن المزارعين “مجبورون” على رفع الأسعار حين يتناقص الدعم المقدم للأسمدة والمازوت، إذ يضطر الفلاحون لشرائها بأسعار مضاعفة من السوق الحرة.
ولا يخضع تسعير المنتجات الزراعية “لأي ضوابط حكومية أو تموينية”، حسبما قال التاجر في “سوق هال” حمص عامر رجوب لعنب بلدي، مضيفًا أن “المعروض من المادة مع حجم الطلب هو ما يحدد سعرها”.
أما أسعار الحبوب فترتبط بالدولار وبشحنات التصدير، حسبما أشار عامر، إذ يبدأ التجار بشرائها من المزارعين، ويزداد السعر بهوامش “بسيطة” مع تناقص الكميات المخزنة.
وأشار مدير الزراعة في حمص، المهندس نزيه الرفاعي، في تصريح لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 9 من كانون الأول الماضي، إلى أن مديرية الزراعة تضع في خطتها زراعة 41 ألفًا و982 هكتارًا من القمح في المحافظة، بزيادة قدرها 1820 هكتارًا على المساحات المخططة للعام الماضي.
وحسب تقييم وكالة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)، الصادر في كانون الأول الماضي، فإن الشروط المناخية لعام 2020 ساعدت على نمو المحاصيل، وأدت إلى زيادة بخمسة أضعاف في محصول القمح، إلا أن ارتفاع التكاليف الإنتاجية يعوق النشاطات الزراعية، ويزيد من نقص الأمن الغذائي، الذي يعاني منه أكثر من 9.3 مليون شخص في سوريا.