حياة السوريين أيضًا مهمة (مقتطفات من عام 2020)

  • 2021/01/03
  • 11:48 ص

إبراهيم العلوش

عام آخر مرّ على السوريين في العذاب والتهجير والتجويع، ولئن كان 2020 ثقيلًا على العالم، فإنه كان أثقل على السوريين وعلى حياتهم، ومثلما ارتفع شعار “حياة السود مهمة” في “الميديا”، فقد حاولت “الميديا السورية” الدفاع عن السوريين، ولفت نظر العالم إلى أن حياة السوريين أيضًا مهمة، في مختلف أماكنهم، سواء في المدن الجائعة في الداخل، أو في المخيمات، أو في المهاجر البعيدة، فكيف مرّ عام 2020 على السوريين.

نبدأ من نهاية 2020 بالحادث المأساوي الذي أصاب اللاجئين السوريين بمخيم “المنية” في لبنان، الذي أحرقته مجموعة من الشبان اللبنانيين المتنمرين على اللاجئين، والذين يعتبرونهم عبيدًا عندهم، لأنهم يشغّلونهم في الأعمال الزراعية مقابل أجرة أرض الخيمة، فهؤلاء المتنفذون فرضوا أنفسهم زعماء على لاجئين يفتقدون إلى الحماية وإلى الأوراق الثبوتية، بعد أن فروا من براميل نظام الأسد وصواريخ بوتين التي يجرب فعاليتها على السوريين.

“الميديا” تداولت ما حلّ في المخيم السوري المنكوب، ورغم تجاهل القيادات اللبنانية للحريق العنصري، وكذلك تجاهل القيادات الدينية اللبنانية المشغولة بالصراع على حصص طوائفها من الحكومة الجديدة، فإن كثيرًا من اللبنانيين فتحوا بيوتهم لإيواء اللاجئين المنكوبين، وقام السوريون بتنظيم حملات إعلامية وجمع تبرعات من أجل سكان المخيم الذين روّعهم حريق المخيم الهائل، وأخاف أطفالهم، وأحرق ما تبقى لهم من ثبوتيات، ومن أغراض كانوا يستخدمونها في هذا الشتاء القارس.

وفي العام الذي انقضى، استمر الروس بموجة من التهجير والقصف الذي أثار العالم  في إدلب وفي غيرها من المناطق السورية، وتم تنظيم حملات إعلامية سورية ودولية أجبرت كثيرًا من الدول على إطلاق نداءات بالحفاظ على حياة السوريين والكف عن تجريب الأسلحة الروسية عليهم، ما أجبر بوتين على توقيع اتفاق مع الأتراك على وقف القصف، وعقد ما يسمى اتفاق “آذار”، الذي لا يزال ساريًا رغم خرق الروس للهدنة بين الحين والآخر.

وفي 2020، اجتاح فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) العالم، وعانى السوريون في المخيمات وفي المدن الجائعة في الداخل السوري، وتم إغلاق المدارس، وانتشرت الكمامات التي صارت مع سائل التعقيم تضارعان الخبز والماء في أهميتهما.

ولم يستسلم المعلمون والمعلمات الشجعان لهذا الانقطاع عن التعليم، وصاروا يستخدمون تطبيق “واتساب” في نشر الدروس وشرح المسائل، وقامت في إدلب المدرّسة دانيال دبيس، مثلًا، بالذهاب إلى غرفة صفها الخالية من الطلاب لتصور دروس الجغرافيا التي تبثها عبر “واتساب” إلى طلابها، حيث تقوم إحدى زميلاتها بالتصوير، ولتتناقش معهم عن بُعد وهم يستخدمون جوالات آبائهم وأمهاتهم في خيم اللجوء، فتطبيق “زووم” يصعب استخدامه بسبب حاجته إلى بث الإنترنت القوي، وهذا ما لا يتوفر في المخيمات.

وفي 2020، استمرت أول محاكمة دولية لضابط المخابرات أنور رسلان ومساعده إياد الغريب في ألمانيا، وتم إطلاق حملات إعلامية كبيرة أخافت ضباط النظام الذين صارت محاكماتهم تأخذ صفة مشابهة لمحاكم النازيين في ألمانيا عند نهاية الحرب العالمية الثانية، وتمت ملاحقة طبيب كان يشارك في التعذيب، وأُلقي القبض عليه في ألمانيا، وفرّ ضابط مخابرات سوري من فرنسا، بالإضافة إلى تزايد حملات البحث عن أعوان النظام المؤيدين للقتل والتعذيب الذين اندسوا بين صفوف اللاجئين في أوروبا لتشكيل خلايا مؤيدة للنظام وللاحتلال الإيراني والروسي. وكان للمحامي أنور البني وفريقه دور كبير في الدعوة إلى هذه المحاكمات.

وفي 2020 أيضًا، انطلقت حملات ضد الدول التي تستخدم السوريين مرتزقة في ليبيا وأذربيجان، والتي يُتهم بها الروس والأتراك، وأثارت تلك الحملات الرأي العام ضد تسليع السوريين وضد جعلهم مجرد أدوات للحروب في المناطق الساخنة، ورغم أن الروس لا يزالون يجندون المرتزقة من الساحل السوري ومن درعا لمصلحة جيش حفتر الليبي، أو يستمرون بنشر الإعلانات في مناطق النظام لتجنيد مرتزقة للذهاب إلى فنزويلا لحماية الاستثمارات الروسية هناك، فإن حملات لحماية حياة السوريين لا تزال تثير انزعاج الروس والنظام السوري والتنظيمات الدينية التي تُسهل تحويل اللاجئين السوريين إلى مرتزقة مثلما فعلت إيران باللاجئين الأفغان لديها، وحوّلتهم إلى مجرمين وسفّاكي دماء في سوريا ضمن ما يعرف بـ”جيش الفاطميين”، الذي يحتل البوكمال قرب دير الزور وينتشر في أنحاء كثيرة من سوريا.

واحتفلت “الميديا” بمقتل أحد جلادي الشعب السوري في مطلع العام 2020، وهو قاسم سليماني، الذي كان قادمًا من دمشق حيث كان يتفقد المعتقلات والميليشيات الإيرانية. أما القصف الدائم الذي تتعرض له المنشآت الإيرانية وحلفائها من ضباط جيش البراميل، فيلاقي قبولًا من قبل السوريين مهما كان مصدره، وكان بود السوريين أن يكون القصف من قبل “الجيش الحر” ضد كل محتل للبلاد السورية.

وفي 2020، كان لقانون “قيصر” أثر بارز بالضغط على النظام، عبر محاصرة تجار الحرب وقادة ميليشياته وضباط التعذيب وكل داعمي النظام الذين يضيق عليهم الخناق يومًا بعد يوم، للخضوع ووقف الحرب ضد السوريين، ووقف تعذيبهم وتجويعهم، وتنفيذ بنود القرار الدولي “2254” الذي يقضي بانتقال سياسي يختاره السوريون بمعزل عن مجرمي الحرب وقادة البراميل المتفجرة. وكان للصراع بين آل مخلوف وأل الأسد دور كبير في انخفاض قيمة الليرة السورية المتسارع، فقد اختلفت العائلتان على اقتسام الأموال المنهوبة من السوريين خلال عشرات السنوات.

وفي أواخر أيام 2020، توفي المخرج حاتم علي الذي تأثر السوريون جميعًا بوفاته، مات وحيدًا رغم أن أعماله أمتعت الملايين من السوريين ومن العرب، وامتلأت “الميديا” بصوره وبذكر أعماله وبحياته المبدعة. إنها حياة أحد السوريين المهمة مثل حياة كل طفل في المدن الجائعة، أو في المخيمات، أو في المهاجر التي تعد بولادة مبدع أو مبدعة في العمل أو في العلم أو في الفن أو في مختلف نشاطات الحياة التي سيثريها السوريون بحياتهم المهمة بالنسبة لنا.

بالتعاون مع “الميديا العالمية” المؤيدة لحقوق السوريين، صارت “الميديا السورية” بكل أشكالها سلاحًا بيد الناس العاديين، وصار لها دور مؤثّر على الشعوب وعلى الدول، ويحاول جنودها المجهولون التخفيف من عذابات السوريين والدفاع عنهم مهما بدت مشاكلهم صغيرة بالنسبة للعالم. وأسوة بحياة السود، فإن حياة السوريين أيضًا مهمة.

كل عام وأنتم بخير.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع