داريا، سريبرينيتشا الشام
أحمد الشامي
في تموز من العام 1995 قامت قوات الصرب الأرثوذوكس بإعدام ما بين 6000 إلى 8000 من مسلمي البوسنة، تحت سمع وبصر القوات الهولندية العاملة في إطار قوات اﻷمم المتحدة. الجنرال «راتكو ملاديش» الذي فاخر بالمجزرة كان مصدومًا بعد تلقيه نبأ انتحار ابنته «انا» التي لم تحتمل أخبار المجازر التي قام بها والدها وفضلت الموت، باستعمال مسدس أبيها، على أن تحمل اسم الجنرال الجزار.
من حسن حظ هذه الفتاة أنها لم تعش لترى مدى وحشية والدها والتي بلغت أوجها في سريبرينيتشا، قبل أن ينتهى به اﻷمر إلى المحكمة الدولية في «لاهاي» بعد أن اختبأ لسنوات طوال.
لا أدري من سيطالب «بأبوة» مجزرة داريا في آب الماضي من زبانية اﻷسد، وأستبعد كثيرًا أن يقوم ابن أو ابنة هذا الجزار بالانتحار خجلاً من أفعال والدهم، «بطل» مجزرة «داريا» التي لا يعرف أحد بالضبط كم هو عدد ضحاياها اﻷبرياء. البعض يذكر أنهم مئتان وعشرون، وأرقام أخرى أكثر مصداقية تعتبر أن العدد يفوق اﻷلف شهيد.
هناك نقاط مشتركة بين مذبحتي «سريبرينيتشا» و ‹داريا» إضافة إلى البعد الطائفي الواضح، ففي المجزرتين تمتع القتلة بدعم غير محدود من معسكر الشر الروسي الصيني ذاته، تغير القتلة ولم يتغير داعمو القتل. في البوسنة جرت المجزرة تحت سمع وبصر الشهود الهولنديين، في داريا، تطوع السيد «روبرت فيسك» بدور «شاهد ما شافش حاجة» ووضع سمعته «كصديق للعرب» على المحك. تبين لنا في النهاية أنه صديق فقط للقتلة والطغاة.
مع ذلك، هناك اختلاف بين ما جرى في البوسنة وما جرى في ضاحية دمشق الشهيدة. التاريخ سيذكر «داريا» على أنها كانت حلقة من سلسلة مجازر، في حين كانت «سريبرينيتشا» منطلقًا ﻹنهاء المجازر في البوسنة. فارق آخر بين المجزرتين هو أن التلفزيون الصربي لم يجر مقابلات مع الضحايا وهم ينزفون، في هذا تفوق جلاوزة اﻷسد على كل سابقيهم وحتى على «هولاكو» ذاته. يبدو أن «ميشلين عازر» كانت طفلة حينها ولم تكن مواهبها التلفزيونية قد تفتحت بعد، وإلا لكانت «مذيعة الشيطان» قد عرضت خدماتها على جزاري البوسنة.
قبل «داريا» كان لدى السوريين، وحتى لدى بعض مناصري نظام الشبيحة، انطباع خاطئ أن «العالم لن يتحمل مجزرة كبيرة في سوريا وسيتدخل حين تتفاقم اﻷمور». هذه الفكرة ثبت أنها لا تمت إلى الواقع بصلة وأن ما كان صحيحًا حين كان سيد البيت اﻷبيض هو «بيل كلينتون» والذي تمتع بما يكفي من اﻷخلاق والحس اﻹنساني، لم يعد كذلك في وجود «الرئيس اﻷسمر» على رأس القوة اﻷعظم.
سيذكر التاريخ، يومًا، أن مجزرة «داريا» كانت نقطة فاصلة، دخل بعدها الضمير اﻹنساني عموماً والأمريكي خصوصاً في غيبوبة.
أحمد الشامي
خاص بـ «عنب بلدي»
إلى ذكرى شهداء داريا وإلى داريا التي مافتئت تقدم الشهداء على مذبح حريتنا جميعًا
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :