حوار: أسامة آغي
يلعب المسرح دورًا مهمًا في حياة المجتمعات الإنسانية، إذ ترى شريحة من جمهوره أنه “مرآة تعكس واقع حياتهم وحياة الناس وهمومهم وآمالهم”.
لكن الحقيقة ربما تكون مختلفة، ويكون المسرح موازيًا للحياة، فهو عالم ندخله لنقيّم علاقة بيننا وبين شخصياته وحكايته، فنجد أنفسنا رهن علاقة تدعونا إلى إعادة إنتاج وعينا.
ويبرز اختلاف وجهات النظر بين محبي المسرح، حول أهمية الأخير في عملية صنع الوعي لدى المجتمع، وهو ما تعرفه جيدًا الأنظمة الديكتاتورية، التي تدرك دوره إلى جانب الفنون الأخرى، لذا نجد أنها تحاربه بشتى الطرق.
تختلف الطرق التي يتبعها الديكتاتور في مواجهة المسرح والفنون، فتارة يعتقل مبدعيه، وتارة يحاصرهم بالرقابة الشديدة على المنتج الفني الحرّ بالكامل، كما يصنع مسرحًا بديلًا يطلق يديه ليتحدث باسمه وحده ويفرض أفكاره السياسية أو الدينية أو الاجتماعية.
للوقوف حول دور المسرح السوري والعربي وموقعه الحالي، التقت عنب بلدي بالدكتور نمر سلمون، مدير المدرسة الدولية للحكاية وفنون الحكي في معهد “الشارقة للتراث”.
المسرح موازٍ للحياة
يعتبر الدكتور نمر سلمون، الحاصل على إجازة في الدكتوراه بالدراسات العربية والشرقية من إسبانيا، أن المسرح ليس تكثيفًا لحياة الناس، بل هو تكثيف لحياة شخصياته، والممكن أن تُستوحى من الناس، بحسب رأيه.
وبالتالي ينفي الدكتور سلمون النظرية التي تقول إن المسرح هو مرآة لواقع الناس والحياة والمجتمع.
وأضاف الدكتور سلمون، في حديثه إلى عنب بلدي، أن المسرح “ليس عالمًا يعكس الحياة، فلو كان كذلك، فإنه لن يعدو كونه فضاء تنفيسيًا مهما ارتقت أساليب تقديمه”.
وأوضح فكرته بأن للمسرح عالمًا موازيًا للحياة، له قوانينه ونواميسه وشروطه وأجواؤه.
ووصف سلمون جمهور المسرح بـ”المهاجرين لفترة مكثّفة بكثافة العرض الذين يحضرونه، وأنهم يهربون إليه طلبًا للجوء الإبداعي، وهو معادل للجوء الإنساني في الحياة العادية”.
وحول رأيه بالمسرحين السوري والعربي وموقعهما على صعيد دورهما في حياة الناس قال سلمون لعنب بلدي، إن “المسرح العربي عمومًا، والسوري خصوصًا، لم يستطيع فقط الوصول إلى تكثيف هموم وآمال الناس، بكونه قوّة أخلاقية وجمالية تغيّر وعي روادها، بل لم يصل ليكون مسرحًا بمعناه المطلق لغياب أهم شروطه وهو شرط الحرية، حرية التفكير وحرية التعبير والحرية الشخصية”.
كما يعتقد سلمون، وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية في العاصمة السورية دمشق، أن غياب شرط الحرية في الخارطة العربية، يؤدي إلى غياب ثاني شروط المسرح وهو الإنسان، والإنسان في العالم العربي مدجّن، والمسرح الذي يقدم فيه للدجاج لا للإنسان، بحسب رأيه.
أما على الصعيد الشخصي والخاص، فقد ظهرت تجارب فردية، ولا يزال بعضها قائمًا، لكن مع ذلك، كما يقول سلمون، يجب العمل على علاج جمهورها من التدجين العام، ثم منحه حريته في التفكير والتلقي.
المسرح السوري “انحلّت رُكبهُ”
مع السيطرة المطلقة للنظام السوري وأجهزته الأمنية على الحياة الثقافية في سوريا، لجأ عشرات الكتاب والمثقفين والفنانين السوريين، في المسرح والسينما، إلى الرمز لشرح أفكارهم وتمريرها من الرقابة.
ويرى الدكتور نمر سلمون أن النص المسرحي السوري “اختفى تمامًا” بعد محاولات الهروب من القمع، واصفًا المسرح في سوريا في الوقت الحالي بعبارة “انحلت رُكبهُ”، فاستسلم لمصير الاعتقال في “سجن أيديولوجية القتل السورية”.
ويرى سلمون أن “أولئك الذين لجؤوا إلى الرمز وإسقاط أفكارهم على الواقع السياسي، أضروا بالنص المسرحي، على اعتبار أن الرمز مهما كان هو حالة رومانسية، نظرًا إلى وجوده في فضاء آخر غير قضايانا”.
وأضاف، “شخصيًا أكره استخدام الرمز الواقي لصاحبه، الرمز الذي نلجأ إليه مضطرين، الرمز الذي يرينا واقعنا الفاسد الحالي من خلال مرآة تاريخية أو خيالية”.
ويعتقد الدكتور نمر سلمون أن الرمز لا يملك قوة سوى قوة “التنفيس”.
ويرتبط مصطلح “تنفيس” في العامية السورية على الصعيد الفني، بمجموعة من الأعمال الفنية التلفزيونية والمسرحية التي حملت مساحة نقد واسعة لأجهزة الأمن والاستخبارات السورية، مع اتهامات للأخيرة بالسماح بمرور هذه الأعمال “للتنفيس عن غضب الشارع من الأوضاع السيئة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا”.
وتابع سلمون فكرته بأن الكاتب الهارب إلى الرمز ليحكي عن واقعه، يساعد السلطة في تفكيك قوة الجماهير عامة، وليس الجمهور المسرحي فحسب، وهو ما يراه سلمون بأنه فعل محبط لأي ثورة.
“الكتابة كما أراها فعل واعٍ، حتى لو تدخل اللاوعي فيها كثيرًا وهي فعل شجاع وثوري، سواء على صعيد الذات، أو على صعيد المجتمع والسياسة والأخلاق”. |
وأضاف سلمون “لجوؤنا مضطرين إلى الرمز للتعبير عن شجاعتنا سخرية ما بعدها سخرية، من الكتابة ومنّا”، لهذا فإن الرمز الواقي لصاحبه لا يخلق سوى ثورة رمزية، و”هذا ما لا نحتاج إليه اليوم من أجل التغيير”.
ويرى أنه لا يوجد مسرح جيد ومسرح سيئ، لأن إضافة الصفة الأخيرة إلى المسرح يعني أن عناصره غير مكتملة وبالتالي هو ليس مسرحًا بحسب رأيه، إذ إن كلمة مسرح بحد ذاتها شهادة جودة لمن يقوم به وعليه.
المبدع المسرحي كاتب ثانٍ للنص
واعتبر سلمون “أن النص في النهاية هو حكاية واقعية، ينطبق ذلك على جميع الأشكال والأساليب المسرحية”، لكنه رفض فكرة أن الحكاية هي واحدة في كل الفصول والأجناس، وربما تكون هذه النظرية صحيحة من حيث المضمون العام، لكن الفرق ليس في درجة التطور الفكري والمجتمعي فقط، بل في كيفية تناول هذه الحكاية أو تلك.
وأوضح سلمون بأن الأمر نفسه ينطبق على المسرحية، “فهي ثابتة كنص كما نشرها كاتبها، فهل هذا يعني أن جميع المخرجين الذين تناولوا مسرحية (بيت برناردا ألبا) للكاتب الإسباني لوركا، قدموها بشكل واحد نسخة طبق الأصل؟ بالطبع لا، فالمبدع المسرحي هو كاتب ثانٍ للنص، يضع فيه رؤيته، والممثل راسم ثالث لشخصيته بعد الكاتب والمخرج”.
الحكاية تؤسس الوعي
وعن دور الحكاية في تأسيس الوعي لدى المتلقي قال الدكتور نمر سلمون لعنب بلدي، “للأسف من جهة، ولحسن الحظ من جهة أخرى، ما زالت الحكاية هي ما يؤسس الوعي الإنساني منذ طفولته بسبب الحكايات الخرافية، التي بسببها أرست الديكتاتوريات دعائمها في العالم أجمع، ثم تحرّرت تلك المجتمعات التي قرّرت أن تستمع بالحكاية”.
ويرى سلمون أن “ذلك أدى إلى استخدامها في مسائل تربوية، تخدمها، فأنسنت الضباع والغيلان والسحرة الشرّيرين، وذلك بأن أزالت منهم بعض قواهم، فأصبحوا قابلين للهزيمة، ومن هنا بدأت الديمقراطيات في العالم، من رحم الحكاية الشعبية الواعية بدورها الإنساني ككل”.
–