حمل عام 2020، تصريحات عدة مثيرة للجدل، وأخرى تطيل من عمر الأزمة السورية، صدرت عن رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وشملت هذه التصريحات قضايا سورية سياسية وميدانية ودينية، وأخرى تتعلق بصحته.
“في أحلامهم”
استخدم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في سير أعمال اللجنة الدستورية في جنيف، أكثر من مرة مصطلح “لن يكون سوى في أحلامهم”، لإيصال رسالة إلى معارضيه برفضه أي عملية سياسية مستقبلية.
وأكد الأسد في 12 من آب الماضي، خلال كلمة له أمام أعضاء مجلس الشعب في “القصر الجمهوري” رفضه لأي خطوة أو حل سياسي مستقبلي في سوريا، لا يكون طرفًا فيه أو لا يتوافق مع وجهة نظره ويحافظ على نظامه.
ووصف الأسد المبادرات السياسية التي تجري بهدف التوصل إلى حل للملف السوري، بأنها “خزعبلات سياسية”، قائلًا إن “المبادرات السياسية (…) بفضل الولايات المتحدة ووكيلتها تركيا وممثليهما في الحوار، قد تحولت من مبادرات إلى خزعبلات سياسية”.
واعتبر الأسد أن “استخدام المبادرات السياسية هدفه إيقاعنا بأفخاخ نصبوها، ليحققوا عبرها ما فشلوا به عبر الإرهاب، وهذا لن يكون سوى في أحلامهم، ولكننا سنسير معهم تطبيقًا للمثل الشعبي (إلحق الكذاب لورا الباب)”.
هبوط ضغط.. الأسد “جوعان”
في 12 من آب أيضًا، أوقف رئيس النظام السوري، كلمته أمام أعضاء “مجلس الشعب” لعدة دقائق، بسبب إصابته بـ”حالة هبوط ضغط طفيفة”، وفق حديثه، قبل أن يعود لاستئنافها.
وقال الأسد حينما عاد لإكمال الخطاب، “لم أتناول الطعام من بعد ظهر أمس، فحصل هبوط في الضغط”، وأضاف، “تناولت القليل من السكر والملح حتى ارتفع الضغط. حالة طبيعية تحصل”.
وقالت منصة “رئاسة الجمهورية” في منشور حينها، إن كلمة الأسد أمام أعضاء “مجلس الشعب”، تخللها توقف لبضع دقائق، “ناتج عن حالة هبوط ضغط طفيفة أصابت الرئيس قبل أن يعود ليستأنف الكلمة بشكل طبيعي”.
وتعد هذه الحادثة الأولى من نوعها، منذ أن تولى الأسد الحكم في سوريا، فوسائل إعلام النظام الرسمية قلما تتحدث عن صحة الأسد (55 عامًا).
وانتقد رئيس النظام عقوبات “قيصر” الأمريكية إذ قال إن العقوبات الأميركية التي تعرف باسم قانون قيصر تضاف إلى جهود سابقة “لخنق” الشعب السوري والإضرار بمستويات المعيشة.
مزايدات في العروبة والإسلام يقابلها غضب
في 7 من كانون الأول الحالي، قال الأسد في اجتماع دوري لوزارة الأوقاف، عُقد داخل مسجد “العثمان” في العاصمة دمشق، إن هناك موضوعًا خطيرًا يثار يرتبط بالليبرالية الحديثة، يمس صلب المجتمع ويأتي في ثلاثة مواضيع منفصلة، منها ما يشكك بعروبة سوريا وبلاد الشام، ويهدف لضرب العروبة بالإسلام.
وأضاف، “أن نقبل التنوع الثقافي العرقي لا يعني أن نقبل التنوع الحضاري، فهي حضارة واحدة”.
وتابع، “إن كثيرًا من المسلمين لا يفهمون الدين بشكل صحيح ويطبقونه بشكل خاطئ”، مردفًا أن “العدو الحقيقي للإسلام ليس من الخارج (…) وإنما من أبناء الدين الإسلامي أنفسهم الذين يطبقون الدين بشكل غير صحيح، ويجهلون سبب ممارستهم للشعائر الدينية”.
وركز الأسد في خطابه على تصدير تفسير وآليات دينية تخدم سرديته وروايته الرسمية للأحداث في سوريا.
كما ألقى وزير الأوقاف، في 4 من ذات الشهر، خطبة في جامع “خديجة الكبرى” في طرطوس، عنوانها “الرد على طروحات ما يسمى الأمة السورية”.
وجاء في الخطبة، “في دول منطقتنا توجد عقيدتان أساسيتان هما الإسلام والعروبة، وكل ما عداهما متفرق أو ضئيل”.
وقال السيد، “شو هي الأمة السورية؟ هل سمع أحدكم بالأمة السورية؟ نحن نعرف الأمة العربية، ولا يمكن الفصل بين العروبة والإسلام أبدًا”.
وأضاف السيد أن “الغزو الثقافي الذي نراه في بلادنا الآن يتم على الإسلام بكل شيء، إضافة إلى اللغة العربية والعروبة وإلى الأصل”.
هذا الخطاب لاقى رفض كل من “المنظمة الآثورية السريانية” وحزب “الاتحاد السرياني”، اللذين يشكلان القوى السياسية الأبرز للمكون السرياني الآشوري في سوريا، كما أن هذا الخطاب لم يسر “الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا، إذ أعربت هي أيضًا عن رفضها لما جاء في الكلمة.
وقالت “المنظمة الآثورية الديمقراطية” في بيان، الأحد 13 من كانون الأول، “نرفض وندين هذا النهج الذي يرمي إلى التحريض ومواصلة إثارة الفتن بين المكونات السورية الأصيلة، بقصد القضاء على حالة التنوع واستمرار التحكم بالمجتمع”.
وفي حديث سابق إلى عنب بلدي، اعتبر ممثل “المنظمة الآثورية” في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، عبد الأحد اسطيفو، أن خطاب الأسد ووزير الأوقاف، محمد عبد الستار السيد، فيه تهديد وجود للسريان الآشوريين، والقضية خطيرة جدًا على النسيج المجتمعي في سوريا.
وقال، “الخطاب فيه تفخيخ وتلغيم استباقي للجولة الخامسة من محادثات اللجنة الدستورية”، مشيرًا إلى وجوب الانتباه من قبل المعارضة نتيجة الخطاب الجديد.
ظهور غير مسبوق
في شباط من 2020، ظهر الأسد، في خطاب متلفز، معلنًا “انتصار” قواته بعد السيطرة على مساحات واسعة من ريف حلب، وأشار حينها إلى أنه بذلك أصبح مركز المدينة آمنًا من هجمات فصائل المعارضة لأول مرة منذ 2011.
الطريقة التي ظهر فيها الأسد آنذاك كانت الأولى من نوعها منذ استلامه الحكم من أبيه حافظ 2000، إذ اعتيد في السنوات الماضية أن يظهر عبر طريقتين، إما إلقاء خطابات موجهة إلى جمهور يجلس أمامه، مثل خطاباته في مجلس الشعب أو لقاءات مسؤولين في الحكومة، أو في حوارات صحفية محلية ودولية.
وحاول الأسد في ذلك الخطاب إيصال عدة رسائل، الأولى كانت لتركيا ورئيسها، رجب طيب أردوغان، الذي هدد مرارًا بشن عملية عسكرية في إدلب بهدف إعادة قوات النظام السوري إلى المناطق المتفق عليها في سوتشي مع روسيا.
الرسالة الثانية كانت حول أهمية مدينة حلب بالسيطرة عليها وتأمينها بشكل كامل من هجمات الفصائل، إضافة إلى وعود بإعادة الإعمار فيها وخاصة على الجانب الاقتصادي كونها تعتبر عاصمة سوريا الاقتصادية.
وكانت قوات النظام بدعم الطيران الروسي سيطرت على كامل الأحياء الشرقية من مدينة حلب أواخر 2016، إلا أنه منذ ذلك الوقت لم تشهد أي اهتمام من جانب حكومة النظام بمختلف الأصعدة وخاصة الاقتصادية.
إضافة إلى أن الأسد لم يقم بزيارة المدينة الآن على خلاف ما كان متوقعًا، رغم زيارته مناطق سابقة سيطرت عليها قوات النظام مثل داريا والغوطة الشرقية وريف إدلب والقلمون الغربي.