تعا تفرج
ميرو أبو الـ500
خطيب بدلة
لا شك أن رئيس الوزراء السوري السابق، محمد مصطفى ميرو، رجل قليل الحظ، فقد صادفت وفاته في عز موجة “كورونا” الثانية، وارتفاع معدل الوفيات الناجمة عن هذه الجائحة، ونزول “موديل” جديد من الفيروس إلى الأسواق، وتضارُب الأقاويل حول فاعلية اللقاحات، والحملة الروسية على لقاح “أوكسفورد”، والزعم بأنه يحول الإنسان إلى قرد.
إذن، في 22 من كانون الأول الحالي، مات الرجل. دايم الله، كلنا على هذا الطريق، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. ولكن، يجب ألا ننسى أن الوفاة مناسبة للتذكر، وأنا واثق أن هذا الميرو ما كان ليخطر على بال إنسان سوري واحد لو عاش عشر سنوات أخرى، فهو نائم، منذ سنة 2003، في معارج النسيان، وهذا ليس شأنًا خاصًا به، فكل الوزراء الذين عيّنهم حافظ الأسد ووريثه من بعده، ورؤساء الوزراء، وأعضاء القيادتين القومية والقطرية، وأعضاء مجلس الشعب، يعانون من مشكلة انعدام الأهمية، وأنا أعتقد أن محمود الزعبي علق في ذهن الناس (فقط) لأنه انتحر، أو نُحر، وقد يتذكر بعض الناس عبد الرؤوف الكسم، بسبب نقص (بل انعدام) نصيبه من الوسامة.
القصص التي طلعت، في تلك الأيام الغابرة، على ميرو، والعهدة فيها على الرواة، تتركز كلها حول فساد ذمته عندما كان محافظًا في درعا والحسكة وحلب، وعجرفة شخصيته، وكونه معروفًا بلقب “أبو الـ500 ليرة”، وأن حافظ الأسد أحضر إضبارته السميكة الملأى بالتقارير، ثم طلب مقابلته، وقال له ما معناه “منعرف كل شي عنك، روح استلم الحكومة”، فتسلّمها، وأطلقت الشعب الأمنية، اعتبارًا من اليوم التالي، حملة دعائية جبارة ملخصُها أن حافظًا عيّنه رئيسًا للحكومة بعدما سمع بلقبه “ذو اليد النظيفة”، وهذا الأمر لا يصب في مصلحة ميرو، بل يظهر حافظًا على أنه من كبار محاربي الفساد.
لا يوجد أحد في العالم يعرف حلًا للمعادلة القائلة بأن رئيسًا يقيم نظامه على الفساد، ثم يحارب الفساد! ولكن هذا حصل مرارًا، ففي الثمانينيات، في أوج تغوّل المخابرات على الشعب، وإشاعة مبدأ القمع، والسحق، والاستخفاف بالقوانين والأنظمة، وظهور الطبقة الطفيلية المؤلفة من شعبتين، إحداهما الشعبة العائلية (آل الأسد) والثانية هي شعبة الأقارب والمقربين، خطر لحافظ الأسد أن يشكل لجنة ذات صلاحيات واسعة، مهمتها ترتيب وتنسيق وتصنيف الفاسدين في سوريا، وصناعة إضبارة لكل منهم، استعدادًا للمرحلة التالية، وهي مرحلة المحاسبة ومواجهة الفاسدين بالسؤال العريض “من أين لكم هذا؟”، فانطلقت اللجنة تعمل على طريقة الحاصود الغشيم، وبدأت تمسك برؤوس الخيطان، وتكد في تتبعها حتى تصل إلى الفاسد الذي فوق، دواليك حتى وصلت إلى نتائج مرعبة، ملخصها أن الفاسدين الحقيقيين هم الذين يقيم عليهم حافظ أسس حكمه ونظامه، وبقليل من التفكير، وجد حافظ أن من الغباء أن يخرب الإنسان بيته بيده، ومن يومها أعطى توجيهاته لمختلف مفتشي الدولة، والشرطة، والأمن، والمخابرات، بأن يلعنوا سنسفيل أي حرامي صغير يقع تحت أيديهم، وأما الكبار، فلا شك أن الله تعالى الذي لا يضيع عنده شيء، سيحاسبهم، ويقتص منهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :