في ليلة 9 من كانون الأول 2013، وتزامنًا مع “اليوم العالمي لحقوق الإنسان”، اقتحمت مجموعة مسلحة مجهولة في مدينة دوما الخارجة عن سيطرة قوات النظام السوري، حينها، في الغوطة الشرقية، مكتب “توثيق الانتهاكات” الذي تديره المحامية والناشطة الحقوقية رزان زيتونة، واختطفت جميع أعضائه، وهم بالإضافة إلى رزان، زوجها الناشط وائل حمادة، والناشطة سميرة الخليل، والناشط ناظم حمّادي، واقتيدوا جميعًا إلى مكان مجهول.
رزان وزملاؤها لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم، وفي عام 2018، أعد المشارك في مرصد “حرمون” وفي برنامج “المبادرات المدنية” التابعين لمركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، فادي كحلوس، كتابًا ضمن سلسلة “شخصيات سورية”، حمل اسم “رزان زيتونة.. الحضور والغياب”، استعرض تفاصيل كثيرة في مسيرة “المناضلة الحاضرة الغائبة”، وفق تعبير صفحات الكتاب الأولى، كما عرض المقالات والشهادات التي كُتبت عنها.
وتتهم الشهادات التي تضمنها الكتاب “جيش الإسلام”، الفصيل المسيطر على دوما حينها، بالاختطاف، والذي أنكر باستمرار علاقته بالأمر، وامتنع عن فتح أي تحقيق، ما يشير، وفق الكتاب، إلى سكوته عن الانتهاكات في مناطق سيطرته، “هذا إن لم تكن الحادثة بتخطيط وإيعاز منه”.
قال الكاتب السوري ياسين الحاج صالح (زوج الناشطة سميرة الخليل) ضمن شهادته في رزان زيتونة، إنها ليست فريدة عصرها، لكنها قريبة من أن تكون كذلك، كانت تظهر يومًا بعد آخر، في عشر سنوات من العمل، شجاعة وصلابة معدن استثنائية، وقدرة مميزة على تنشيط مَن حولها.
تحدث الكتاب عن سنوات عمل رزان زيتونة قبل بدء الثورة السورية في مجال حقوق الإنسان، إذ لم تأتِ رزان إلى العمل في مجال حقوق الإنسان من صفوف المنظمات السياسية المعارضة، ولم تمر بمرحلة تنشئة يسارية، لكنها عاشت في بيئة ناشطين ومعتقلين سياسيين، يساريين وغير يساريين سابقين، وأرادت دومًا، بحسب شهادة الحاج صالح، أن تتعلم منهم، خصوصًا أنها عاشت موسم “ربيع دمشق” القصير.
كانت رزان ضمن فريق محامي الدفاع عن معتقلي “ربيع دمشق”، وطُردت من محكمة “أمن الدولة” عام 2002، وصارت خلال سنوات قليلة ناشطة حقوقية معروفة.
“ثوَّرت” رزان زيتونة، بحسب شهادة الحاج صالح، فكرة حقوق الإنسان في سوريا، تلك الفكرة التي وُلدت في التسعينيات على هوامش بيئات يسارية معارضة تعرضت لـ”هزيمة سياسية على يد النظام”.
كانت دعوة حقوق الإنسان مشدودة إلى بيئات من الطبقة الوسطى المتعلمة، وإلى عالم المعتقلين السابقين والناشطين السياسيين، لكن رزان كسرت هذه “القوقعة”، ونقلت فكرة حقوق الإنسان إلى الشعب بأكمله، ودافعت عن حق العدالة للجميع، وفق الكتاب.
يعد الكتاب وثيقة أرشفة عمل المحامية رزان زيتونة منذ تخرجها في الجامعة وتدربها في مكتب الأستاذ هيثم المالح، حتى تاريخ اختطافها، وضمن ذلك كامل المقالات التي كتبتها رزان.
وفي مقالها الذي حمل عنوان “الشعب يريد إسقاط السجون”، المنشور في 13 من آذار 2011، والذي ضمته صفحات الكتاب، قالت رزان:
“الاعتقال التعسفي جريمة تُرتكب كل يوم في سوريا بحق السوريين، صمتنا عنها أو اكتفاؤنا بالتنديد والمناشدة والمطالبة، أصبح فوق ما نحتمل، خسارة شبابنا وتدمير أسرهم، لا يمكن أن يستمر موضوعًا للمناشدة والمطالبة، كفى، وانتهى. الأجدى أن ننضم إلى قوائم المعتقلين من أن نسير في جنازات المعتقلين السابقين وأفراد أسرهم”.
وهذا الجزء نفسه كان بداية بيان عائلة رزان زيتونة حول عملية الاختطاف.