ضرار عثمان الحسيني
«مَن لم يفقـه التاريخ، مكتوبٌ عليه أن يُعيـدَ مآسِـيَه»
في مطلع الخمسينيّات، كان يُنظَرُ إلى نهضة العالم العربي على أنها عملية سهلة، لا تقتضي أكثر من التحرّر من الاستعمار. وقد حصل أن تحرّرنا ولكن، لم تحصل النهضة المرجوّة.
ثمّ وقعت رِهاناتٌ جديدة على فكرة الوحدة العربية، ثمّ كان الرهان الكبير –بعد سقوط مشروع الوحدة– على فكرة الاشتراكية. وفيما بعد، تكشَّفت كل تلك الرهانات على خيبة أمل ومرارة كبيرة بحجم الوهم الذي كان الرهانُ عليه.
وآخر رهاناتنا اليوم هي على الديموقراطية، كبابٍ للخلاص والنجاة من الغرق والتخلّف. والخوف أن يكونَ بدوره رِهانًا خاسرًا، إذ لا يعني أنه بمجرّد حصول انتخابات –مهما كانت نزاهتها– نكون قد حقّقنا ديموقراطية.
وأمّا الرهان الموازي، على ما يُسمّى بـ «الإسلام السياسي»، فإنَّه وقبل كلّ شيء، مطلوب إصلاح ديني حقيقي من داخل المنظومة نفسها، بمعنى أنّه لا أحد يريد تكرار نموذج أفغانستان/طالبان، حيث قادت التجربة إلى كارثة عصرية، ارتدّت على الإسلام نفسه. والواقع أنّ ما نحتاج إليه، هو إسلام منفتح، إسلامٌ آخذٌ بمقاييس العصر، وقادر على نقد تجربته الماضية على ضوء حاجات المستقبل. تمامًا كما فعل الأسلاف من قبل، فقد سجّلوا أعلى درجات الانفتاح على علوم عصرهم وثقافاته من شتّى الشعوب والديانات والفِرق، حيث قامت حركة ترجمة للفكر اليوناني والفكر الهندي والفكر السرياني، هي الكبرى في تاريخ حضارات العالم، واستطاعوا بهذه التوليفة الرائدة تحقيق ما نُسمّيه اليوم: الحضارة العربية الإسلامية.
بالأمس كانت الحضارة آتية من اليونان ومن الهنـد ومن بلاد فارس، واليوم الحضارة آتية من الغرب، وهو بالنسبة إلينا، ما كانت عليه بلاد الشام عندما فكّر معاوية بنقل عاصمة الخلافة الأموية من المدينة المنوّرة إلى دمشق، التي كانت تمثّل في حينها نيويورك العصر أو باريس أو لندن… وفي فترة لاحقة، حصل ذات الشيء، عندما ذهب العرب إلى الأندلس.
وفي الآليّة النهضويّة وتحقيق الانفتاح على الغرب، هنا تكمن خطورة «المثقّف». فدوره أشبه ما يكون بـ «ذبابة سُـقراط»، دوره أن يُوقِظ، لا أن يُخدّر، أنْ يُحفّـز، لا أنْ يُثبّـط، وأن يعمل ولا يكتفي بسلبيّة المُنَظِّـر. فالنهضات لا تصنعها إلا النُخَـب، ونحن بحاجة إلى نهضة، فيما حال النخب العربية اليوم، تدعو –وبكلّ أسـف– إلى طلب العفـوِ والمغفـرة!
فإلى متى هذا النأيُ بالنفسِ؟!
وماذا تبقّى للشعوب العربية العالقة، من رِهانات لاحقة؟!