الآثار السورية بين النظام والتنظيم .. تدمير للمواقع الأثرية وهدم للأديرة

  • 2015/09/06
  • 9:49 م

 

منذ تصاعد الأعمال القتالية بين الثوار وقوات الأسد لجأ الأخير إلى استهداف المواقع الأثرية كأسلوب في الانتقام من الشعب وحضارته العريقة، وزاد الطين بلة إقدام تنظيم “الدولة الإسلامية” على تدمير المعابد، وهدم الأديرة، وقتل العلماء والآثاريين، تحت ذرائع واهية لا تنطلي على أحد، في ظل عجز الجهات المعنية عن اتخاذ التدابير اللازمة لمنع النزيف الكبير للتراث الحضاري السوري.

عدنان كدم عنب بلدي

تفجير المعابد

فجر تنظيم الدولة في 23 آب الحالي معبد «بعل شمين» الشهير في مدينة تدمر الأثرية، الواقعة في وسط سوريا والمدرجة على لائحة التراث العالمي، وكان مقاتلو التنظيم قد استولوا على مدينة تدمر في وسط سوريا من قوات النظام في أيارالماضي.

ويعتبر «الإله» بعل شمين «سيد السماوات وإله الخصب والمطر» في تدمر، ويعتبر معبده الوحيد من نوعه الذي بقي محافظًا على شكله الأصلي كما بُني في بداية القرن الأول الميلادي.

يقع المعبد في الحي الشمالي لمدينة تدمر القديمة، فوق أنقاض معبد أقدم منه، ويتألف بناء المعبد من الحرم وساحتين، شمالية وجنوبية، تحيط بهما الأروقة، وأمام الحرم عتبة تحمل ستة أعمدة وجبهة مثلثية.

ودخلته بعض العناصر المعمارية الإغريقية والرومانية، إضافة إلى تصميم المعبد الذي يشبه إلى حد كبير تصميم المعابد الرومانية، من خلال اقتصاره على صالة مقدسة مركزية واحدة. وبدأ بناء المعبد عام 23 م ولم يكتمل حتى عام 67 م، ثم حوّل المعبد في القرن الخامس الميلادي إلى كنيسة.

الكاتب الصحفي علي عيد أوضح لعنب بلدي أن ما يقوم به تنظيم الدولة من تدمير ممنهج للأوابد الأثرية ومحاربة السمات الحضارية التاريخية له تفسيران؛ الأول أن التنظيم بطبيعة الحال يقوم على فكر التشدد وتطبيق المفاهيم الحادة للشريعة، وهو يماثل في تدميره للأوابد التاريخية ما فعلته طالبان في أفغانستان عندما هدمت تماثيل بوذا، والتفسير الثاني هو أن هناك عملية سلب ونهب تجري تحت غطاء التدمير، ولا يستبعد أن تكون هناك عصابات مترابطة تحاول طمس معالم الجرائم التي يتم ارتكابها، مثل عمليات التهريب للآثار والأيقونات التي تحتوي عليها بعض الكنائس والأديرة القديمة التي يتم استهدافها، وفي الجانب الثاني يبدو نظام الأسد شريكًا في هذه العقلية على الأقل، ومثال ذلك ظهور واحدة من الأيقونات النادرة بيد الرئيس الروسي في إحدى المناسبات الدينية، ليتبين أنها قطعة نادرة نهبها النظام من إحدى الكنائس السورية وتم إهداؤها إلى بوتين.

هدم لدور العبادة

كما هدم التنظيم في 21 آب دير «مار إليان» التابع للسريان الكاثوليك في مدينة القريتين التابعة لمحافظة حمص، والذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الخامس الميلادي، وجاء قرار الهدم بتهم الكفر وفق ما أكده المرصد الآشوري لحقوق الإنسان، ولم يعرف مصير الرهبان العاملين في الدير.

وأكد العيد قائلًا «إن هدم وتفجير الأوابد التاريخية هي جريمة كباقي الجرائم التي يرتكبها التنظيم، ولكنها تحمل أيضًا رسالة استعداء تشوه صورة الإسلام، لكنها جريمة أكثر إيلامًا من سابقاتها فيما يخص تدمير الأوابد، إذ استهدفت أعرق ما أنتجت بلاد الشام من حضارة متمثلة بمملكة تدمر، وهذه الجريمة تستحق التفكير في عقلية هذا التنظيم العدمية، ومحاولته إثبات ما هو مثبت من همجية وجهل، فالتنظيم أجرم بحق التاريخ وبحق الحضارة».

وأضاف «لا أنسى التذكير بأن قوات الأسد وميليشياته استهدفت دور العبادة ومنها الكنائس والمساجد في مختلف أنحاء سوريا، ودمرت الجامع الأموي الكبير في حلب، وكنيسة أم الزنار في حمص، وسرير بنت الملك في بصرى الشام، وهدمت مئذنة الجامع العمري في درعا، وهناك مئات الأمثلة على استهداف هذه الأوابد بشكل ممنهج من قبل النظام».

لماذاالأسعد..؟

أقدم مقاتلو تنظيم «الدولة الإسلامية» على ذبح خالد الأسعد، عالم الآثار في تدمر الأثرية، وعلقوا جثته على عامود في ميدان عام بالمدينة التاريخية.

وعمل الأسعد في العقود القليلة الماضية مع بعثات آثار أمريكية وفرنسية وألمانية في أعمال حفريات وبحوث في آثار المدينة.

أكد أبو عمر التدمري، أحد المصادر المطلعة، لعنب بلدي أن ذبح تنظيم الدولة للأسعد يرجح أن يكون بسبب «كنز من ذهب» مخبأ في المدينة التاريخية، رفض الكشف عن مكانه لمن حققوا معه من مقاتلي التنظيم الذين اعتقلوه قبل شهر، ولما أصر الأسعد على عدم الاعتراف وفقد مقاتلو التنظيم الأمل من الإقرار بمكان الكنز، ذبحوه بتهم لفقوها له بصفته ممثل عن سوريا في «المؤتمرات الكفرية»، ومديرًا «لأصنام تدمر الأثرية» وزيارته إلى إيران وتواصله مع أخيه العميد عيسى رئيس فرع فلسطين.

وأضاف التدمري أنه لا يوجد في أي من الافتراءات السالفة ما يستحق ولو المساءلة البسيطة، فهذه الأسباب العلنية وراء مقتله، لأن الأسعد كان موظف دولة في شأن ثقافي لا علاقة له بالسياسة ويمثلها في مؤتمرات عن الآثار في الخارج.

وقال التدمري إن ثمة أسباب حقيقية تكمن وراء مقتل الأسعد، فهناك ما يمكن العثور فيه على الأغلى من الذهب في تدمر، وهو أن تنظيم الدولة يعمد إلى تحطيم تماثيل مزيفة علنًا أمام الناس، ليوهمهم بأنها أصلية، فيما يقوم بنقل تماثيل وآثار أصلية من تدمر لبيعها لتجار الآثار في دول مجاورة لسوريا، وقد يكون الأسعد ملمًا بكل هذه التفاصيل ويملك عليها الدليل، إضافة لعلمه بالمكان الذي نقلوا إليه آثارًا أصليةً مهمةً لإنقاذها ورفضه البوح بها، لذلك قرر التنظيم التخلص منه قبل أن يعلم أحدًا بسرهم الخطير.

وأشار الكاتب عيد أن تنظيم الدولة بالأساس هو تنظيم تدور حوله تساؤلات، ويبدو أن بعض الخيوط بدأت تظهر عن ارتباطات لقيادات فيه بقوى استخبارات إقليمية ودولية، وليس مستبعدًا أن تكون تحركاته على الأرض مرتبطة بمخطط كبير، لكن من جهة ثانية نلاحظ أن حقول النفط والغاز هي هدف آخر للتنظيم، ما يعني أنه يمول عملياته من تهريب النفط وكذلك الآثار، ويشترك في تجارة النفط مع النظام ما يعطي دلالات على احتمالية تصل حد اليقين بأن يكون شريكًا له أيضًا في تجارة الآثار وتهريبها.

وقال الكاتب عيد هناك تساؤلات حول عملية القتل المروعة للأسعد، خاصة وأنه تجاوز الثمانين من العمر، والتهم الموجهة له ليست بمثابة حقائق طالما أن التنظيم ينفذ عمليات إعدام دون محاكمة، لذلك سيبقى هناك ما هو خفي في هذه الجريمة ربما تتضح المعالم لاحقًا“.

سرقة للمقتنيات

أصدرت منظمة اليونسكو بالتعاون مع المجلس الدولي للمتاحف القائمة الحمراء العاجلة الخاصة بالممتلكات الثقافية السورية المعرضة للخطر، أدرجت فيها 33 قطعة أثرية تعود لمواقع وفترات تاريخية مختلفة في سوريا.

بلغ حجم الخسائر والأضرار التي طالت الآثار في سوريا، حسب إحصائية المديرية العامة للآثار، حتى منتصف العام الحالي حوالي 750 مبنى وموقعًا، منها 140 مبنى تاريخيًا، إضافة إلى أكثر من 1000 محل في سوق حلب القديم، ومئات من البيوت السكنية التقليدية بأضرار متفاوتة، تمثل حلب أكثر من ثلث مجمل الأضرار الناجمة عن الاستهداف الممنهج للثقافة السورية.

ويوجد 48 متحفًا وموقعًا معدًا للزيارة تعرض قسم كبير منها للضرر جراء الحرب، أهمها متحف الرقة، إذ تمت سرقة حوالي ألف قطعة أثرية، إضافة إلى سرقة مستودعات «هرقلة»، الموجودة بجانب المدينة، وهي مستودعات كانت تحفظ فيها نتائج تنقيبات البعثات الأثرية التي تعمل في المحافظة، كذلك تعرض متحف دير عطية للضرر أثناء تصاعد الأعمال القتالية في المدينة، حيث سرقت مجموعة من قطع الأسلحة تعود إلى الفترة العثمانية والفارسية، إضافة إلى مجموعة من قطع التقاليد الشعبية تصل إلى 1400 قطعة، وهناك حالات متفرقة من سرقة تماثيل مع بداية الأحداث من متحف حماة الوطني، وسرقة عدد من الجرار الفخارية كانت مصادرة من متحف معرة النعمان، أيضا سرقة 17 قطعة من متحف قلعة جعبر.

عراقيل تعيق العمل

تعاني وزارة الثقافة في الحكومة السورية المؤقتة من مجموعة من العراقيل تعيق العمل في مجال ترميم واستعادة المسروقات للآثار، فقد كشفت الدكتورة سماح هدايا، وزيرة الثقافة وشؤون الأسرة في الحكومة السورية المؤقتة، لعنب بلدي، أن الوزارة أصدرت بيانات عديدة تطالب فيه المنظمات الدولية بالحفاظ على الممتلكات الأثرية من النهب والسرقة والتدمير، إلا أن هذه المطالبات لم تلق آذانًا صاغية، كون الوزارة لم يعترف بها من قبل المنظمات والهيئات وحتى من قبل المجتمع الدولي، خاصة أن كافة الدول، ولاسيما الغربية صاحبة القرار، لم تعترف حاليًا بالحكومة السورية المؤقتة كممثل شرعي للشعب السوري، وهذا ما يجعل بقاء الحكومة المؤقتة مرهونًا بقرار حكومات الدول الغربية، التي يمكن أن تنهي عمل الحكومة المؤقتة في أي وقت، في المقابل لا يزال نظام الأسد يتمتع بشرعية من حلفائه، ويحظى بتأييد دولي من الدول العظمى سواء بالخفاء أو العلن.  

ونوهت الوزيرة أن بعض المنظمات تواصلت مع الوزارة وقدمت بعض المساعدات والدعم المالي، إلا أن الدعم لا يزال ضعيفًا ويحتاج إلى زيادة أكبر، كون الوزارة تعاني من نقص كبير في المخصصات المالية، فمثلًا يعاني العاملون في الوزارة من انقطاع الرواتب عنهم، فمنذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر آب لم يصرف لهم سوى راتبين، عن شهري كانون الثاني وشباط، بينما لم تصرف رواتب الأشهر الستة الباقية.

وأضافت الدكتورة هدايا «قمنا في الأشهر الماضية بترميم الجامع الأموي في حلب ومتحف معرة النعمان في إدلب، في ظل تقديم الدعم من بعض المنظمات الدولية التي تعنى بشؤون الآثار، إلا أن انقطاع الدعم أجبر الوزارة بحصر عملها على التوثيق والتنسيق مع المنظمات المعنية، حيث تم التنسيق مع منظمة اليونسكو لتوثيق كافة انتهاكات النظام الأسدي وتنظيم الدولة، وأرسلنا بيانات توثق ما تعرضت له القلعة الأثرية والسوق القديم في حلب ومتحف إدلب من قصف طائرات الأسد».

وحول ممارسات تنظيم الدولة أكدت هدايا أن التنظيم لا يقل خطورة عن النظام، باعتباره فكرًا ظلاميًا يحارب الثقافة، وما تفجير معبد بعل شمين في تدمر وهدم دير مار إليان وقتل عالم الآثار خالد الأسعد، إلا دليل أن التنظيم والنظام وجهان لعملة واحدة، حيث إن كلًا منهما يسعى لاستهداف المواقع الأثرية لطمس المعالم الحضارية السوريا، وما إقدام النظام على قصف المواقع الأثرية في خطوة منه لاستعادة الأجزاء التي خسرها في حلب وإدلب وتدمر، إلا دليل على مخططه التخريبي في الانتقام من الشعب السوري وتدمير حضارته التي أنارت البشرية عبر العصور.

تعاني الحضارة السورية وأوابدها الأثرية من نزيف كبير في ظل قصف طائرات الأسد للمواقع الأثرية، وهدم وتدمير تنظيم الدولة للمعابد والأديرة، وقتل العلماء والآثاريين، فالشعب السوري وحضارته العريقة بين فكي كماشة لنظام ظالم وتنظيم ظلامي.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع