ريم الحمصي
تحت ألسنة اللهيب والنار وفي ظروف أجبرتهم على الرحيل، انتشر السوريون ليطرقوا أبواب دول العالم بحثًا عن الأمن والأمان وسبل العيش الكريم؛ دولٌ دخلوها بغير فيزا وأخرى فرضت عليهم ذلك بينما أغلقت أغلب الدول أبوابها في وجوههم.
حال السعودية كحال باقي دول الخليج العربي، فلا وجود لمخيمات اللاجئين على أراضيها لكن السوري القادم إليها لا يدخل إلا بتأشيرة زيارة تُقدم من المقيم بموافقة الكفيل.
تأشيرات زيارة لا إقامات
بداية الحرب كانت المملكة توافق على الطلبات دون شروط، ولكنها سرعان ما أغلقت الباب لتصبح للأقارب من الدرجة الأولى فقط (أب، أم، أم الزوجة، أطفال تحت سن 18).
ولا تعطى تصاريح العمل سوى لفئات محددة كالأطباء والمهندسين، ومن لا يملك إقامة فإنه يواجه صعوبات عديدة، ابتداءً من فتح حساب مصرفي إلى الحصول على رخصة قيادة السيارة.
حسين (30 عامًا)، يعمل فني أشعة وقدّم إلى المملكة منذ حوالي 4 سنوات بتأشيرة «زيارة» إثر اعتقاله في سوريا؛ بحث كثيرًا عن عمل بمستوصف أو مركز طبي، لكن الإقامة كانت شرطًا أساسيًا للحصول عليه، ولم يجد من يقبل بهذه التأشيرة سوى بعض المطاعم والمحلات التجارية التي يملكها معارفه.
حلمه بالحصول على الإقامة لا يقل عن حلم سوري يهاجر إلى أوروبا، ويقول «نشكر الله أننا نحنا وصلنا إلى هنا دون مخاطرة، أهلنا يموتون قصفًا وجوعًا وغرقًا، بالنا وروحنا معهم»، مردفًا «أتمنى الحصول على الإقامة في السعودية، لأتمكن من العمل بمرتب جيد يؤمّن حياة أولادي ويساعد أهلي في سوريا».
قصص مؤلمة يسودها العجز وصلتنا، ونحن نعد التقرير، كعائلة قدمت المملكة بطلب زيارة من ابنتهم، وإثر مشكلة مع الزوج طردهم خارج المنزل منتصف الليل، تاركًا خيارًا لزوجته، إما الصمت أو الخروج معهم، فسكتت خوفًا من الابتعاد عن أطفالها.
العائلة بقيت بلا حول ولا قوة، الأب مريض والوضع المادي متعب، قلة الحيلة هي التي دفعتهم أساسًا إلى السفر نحو ابنتهم، فأنقذتهم من نيران الحرب إلى نيران الذل.
أوروبا حاضرة
ينقسم السوريون بين فئة تأقلمت مع شروط وقوانين السعودية وترفض الخروج منها لأسباب وميزات، أولها أنها «بلد إسلامي محافظ»، وفئة لا ترى فيها سوى الانغلاق وغلاء المعيشة وضيق فرص العمل ومستقبلًا لا يحمي أطفالهم من زحمة الحياة ومتطلباتها.
السيدة أم وسيم، التي قدمت بتأشيرة زيارة هي وزوجها وولديها منذ 4 سنوات، تقول «زوجي يعمل في معرض وراتبه 4000 ريال، طبعًا لا يكفي المبلغ لشيء في الرياض، عندنا أجرة البيت والمدارس ومصروف الحياة والأولاد، كنت أعزي نفسي بأننا سنأخذ الإقامة ونربي أولادنا في بلدٍ عربي، لكن يأسنا من الحصول عليها جعلتنا نقرر السفر نحو أوروبا».
وتوضح «زوجي سيسافر ونحن ننتظر هنا لم الشمل، أعرف أن الحياة في مجتمع غربي صعبة لكنني أضمن مستقبل أولادي»، وتؤكد مرة أخرى «لو معنا إقامة ما فكرنا بالخروج».
هل مازال شعارنا الموت ولا المذلة؟
فرص العمل متباينة، فمن السوريين من وجد عملًا، وإن كان لا يتناسب مع مستواه العلمي والوظيفي إلا أنه بحاجته لاستمرار حياته وحياة أبنائه، ومنهم من لم يجد ولا يريد أن يجهد نفسه، فقرر إرسال زوجته أو ابنته لتأتي بقوت يومه العائلة، بمساعدة اللباس الشرعي المفروض عليها متخذين من ظاهرة التسول عملًا وموردًا، جملة واحدة باتوا يرددونها أينما ذهبوا «ساعدونا نحنا سوريين».
حاولنا الحديث إليهم ومساعدتهم بإيجاد فرص عمل أو تأمين ما يلزمهم في حال كانوا غير قادرين على العمل، لكنهم رفضوا مكتفين بكلام مفاده «بدكن تعطونا ريال وتصرعونا».
وسواء كانوا سوريين أو استخدموا الجنسية ليستعطفوا قلوبًا عليهم فالظاهرة انتشرت بكثرة، ويرى معظم السوريين الذين تحدثنا إليهم ضرورة في الحد منها، لما لها من آثار سلبية من النواحي الاجتماعية والأخلاقية، واتخاذ الاجراءات اللازمة بحق المتسولين.
نحو مليوني سوري يقيمون في بلاد الحرمين سواء دخلوا بتأشيرة زيارة أو قدموا من اليمن، وقد أطلقت حملات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي مطالبة بتسوية أوضاعهم القانونية، أبرزها « #تصحيح _أوضاع _السوريين _الزائرين _يا _سلمان _ال _الخير»، عبر تويتر، والتي لم تلقَ نتيجة إلى الآن سوى التعاطف.
يشكر السوريون الموجودون هنا المملكة على دعمها وتسهيل وصول المساعدات لأبناء الوطن الأم النازحين والمهجرين في دول الجوار، لكنهم ينتظرون أيضًا حلولًا لتسوية إقاماتهم ليطمئنوا بأمان بعيدًا عن طرق الموت التي تنتظرهم.