حرمان المرأة السورية من التملك.. شرائح زادت الحرب من معاناتها

  • 2020/12/24
  • 9:22 ص

جلال الحمد

شكّلت الحرب السورية وتداعياتها من نزوح وتهجير قسري، وفقدان لفرص العمل، وقلّة الموارد المالية، وتعدد قوى السيطرة، عبئًا إضافيًا على المرأة، وحرمتها من أهم حقوقها، كما اكتسبت الأعراف المحلية مزيدًا من الدفع في ظل غياب القانون ومؤسسات الدولة.

ونتيجة لظروف الحرب، ظهرت خلال السنوات الثلاث الماضية مشكلات إضافية حرمت المرأة من حقها في التملّك، وفي هذا السياق، تعرضت عوائل عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، في الجزء الخاضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بمحافظة دير الزور، التي شهدت موجة نزوح كبيرة من مدنها وقراها خلال فترة سيطرة قوات النظام السوري عليها في النصف الثاني من العام 2017، لأعمال انتقامية سواء من السلطات المحلية أو من بعض الأهالي.

وأضافت الحرب السورية معاناة إضافية على فئة من النساء، تتمثل بزوجات وبنات وأمهات عناصر المجموعات المتطرفة، اللواتي لم يعد بإمكانهن حتى التفوه بمطالبهن خوفًا من أذى قد يطالهن بدوافع انتقامية.

وفي قرية تابعة لريف دير الزور الغربي، تعرضت سيدتان قُتِل زوجاهما، وهما عنصران في تنظيم “الدولة”، خلال المعارك ضد “قسد”، للطرد مع أبنائهما من قبل بعض أهالي القرية، إلى جانب إغلاق بيوتهما ومنعهما من العودة إليها، دون أي سبب مباشر سوى انتساب أفراد في العائلتين إلى التنظيم المتطرف.

تُكمل قوى الأمر الواقع سلسلة الانتهاكات بحق العوائل، وذلك بعدم منحهم تراخيص للأراضي، وهو ما يعني حرمانهم من المساعدات المُقدمة من قبل المنظمات المحلية والدولية، مثل السماد والبذار والوقود والأدوية الزراعية، في الوقت الذي تقدم فيه جمعيات مدنية دعمًا كبيرًا لقطاع الزراعة، إذ سجل في بداية العام الحالي وجود أكثر من 15 جمعية لدعم الزراعة في دير الزور، هذا الحرمان يلقي بظلاله على النساء خاصة الأرامل منهن، أو اللواتي لا يعرفن مصير أزواجهن ويتحملن مسؤوليات عائلية متزايدة.

ورغم المطالبات من ناشطين حقوقيين وإعلاميين بضرورة وضع حد للتمييز بين النساء والرجال عمومًا، وخاصة النساء اللواتي قُدّر لهن الارتباط بعناصر من التنظيم، فإن الإدارة المرتبطة بـ “قسد”، بما فيها المؤسسات المعنية بشؤون المرأة، ترفض الخوض في أي نقاش من هذا القبيل، وتحيل كل قضايا الميراث والتملك لما هو سائد من أعراف وتقاليد محلية.

يضاف هذا التمييز وتلك الممارسات إلى سنوات طويلة من الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة في دير الزور، إذ لم تكن حال حقوق المرأة قبل الحرب في أحسن أحوالها، وهو ما يشابه الكثير من المناطق السورية، وقد نستثني بعض مراكز المدن التي يعتبر فيها توريث المرأة وتملّكها أمرًا شائعًا.

إحدى النساء من مدينة دير الزور نزحت باتجاه القرى الواقعة شمال نهر “الفرات”، الخاضعة لإدارة المجالس المدنية التي شكلها “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) في المحافظة، وحاولت شراء منزل وتسجيله على اسمها بعد أن أنهكتها المصاريف الشهرية بما فيها إيجارات المنازل، جمعت كل ما تملكه هي وزوجها، لكنها فشلت تمامًا بالحصول على منزل في القرية التي نزحت إليها، إذ رفض الجميع بيعها بشكل حاسم فقط لكونها امرأة، واشترطوا أن يتم تسجيل المنزل باسم أحد أقاربها من الرجال، ومن بين الرافضين للبيع مختار القرية و”الكومين” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” وأصحاب الملك والمكاتب العقارية. اصطدمت برفض عام، وقيل لها إن جميع الأراضي في القرية والقرى المجاورة لا يملكها سوى الرجال. 

توريث المرأة وتملّكها وارد في المدينة التي نزحت منها السيدة، وإن كانت شريحة مهمة من أبناء المدينة تؤكد على الأعراف الرافضة لتوريث المرأة وحقها في التملك كما الرجل بقناعة حينًا ودونها أحيانًا أخرى.

تميز الأعراف المحلية بين النساء والرجال في الملكية بهدف منع خروج ملكية الأراضي إلى أشخاص من خارج العائلة، إذ يمنح امتلاك المزيد من الأراضي قوة اجتماعية ومادية لأصحاب الملك، ويعزز من حضورهم على المستوى المحلي، والمفارقة هي في إقرار نساء لهذه الأعراف رغم كل ما قد تخلّفه عليهن من ظلم وحرمان.

إن الحفاظ على الأمن المحلي ومحاربة “الإرهاب”، على أهميته، لا يعطي الحق بانتهاك حقوق الناس، وإن كانت بعض الظروف تسمح بتقييد حقوق معينة، كما أن الظروف المتغيرة والأعباء الإضافية على النساء، إضافة إلى إيماننا المطلق بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال، تدفعنا للمزيد من التفكير في السعي لوضع الأعراف المحلية السائدة موضع النقاش الصريح والشفاف والهادف، وإلى التأكيد على حقوق النساء، بما فيها حقها في أن ترث وتتملك وترفع عن كاهلها كل أشكال التمييز.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي