عنب بلدي – روزنة
تقول الأمم المتحدة إن حقوق الإنسان هي حقوق متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم، أو نوع جنسهم، أو أصلهم الوطني أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر.
ولجميع الناس جميع الحق في الحصول على حقوقهم الإنسانية على قدم المساواة ومن دون تمييز، وجميع هذه الحقوق مترابطة ومتآزرة وغير قابلة للتجزئة، وتبدأ بالحق في الحياة والحق في الغذاء والتعليم والصحة.
ومع اندلاع الحرب في سوريا، صار موضوع حقوق الإنسان وانتهاكاتها مثار حديث بين السوريين.
برنامج “صدى الشارع” المذاع عبر راديو “روزنة” طرح تساؤلًا عما إذا كان السوريون سيحصلون يومًا ما على حقوقهم، واستضاف عددًا من الاختصاصيين والخبراء للإحاطة بالموضوع.
كما استطلع البرنامج آراء السوريين حول ما الذي يعنيه لهم مصطلح حقوق الإنسان.
حقوق الإنسان في سوريا
تعد سوريا من الدول التي تعرضت فيها حقوق الإنسان للانتهاك، ففي كل شهر يسجل مقتل حوالي 200 مدني سوري، في حصيلة لا تزال في ازدياد، بحسب ما قاله مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني.
وأضاف عبد الغني أن حالات القتل وإزهاق الأرواح تجري على يد قوات النظام السوري، وأن عمليات التعذيب والاختطاف هي الأعلى في سوريا.
وأكد عبد الغني أن حقوق الإنسان الأساسية في سوريا مسلوبة بالكامل، ومنها حق الحياة والعيش بأمان، لافتًا إلى أن السوري قبل الحرب في سنة 2011 لم يتمتع بحقوقه، وقبل عام 2011 لم يكن مسموحًا له انتقاد الرئيس أو الأجهزة الأمنية في سوريا.
الحقوقي ومدير منظمة “العدالة من أجل الحياة”، جلال الحمد، أوضح أن ما حصل في سوريا هو غياب لحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مضيفًا أن الانتهاكات الواسعة التي تعرضت لها حقوق الناس في سوريا دفعتهم للبحث عن كيفية تحصيلها.
وترحّب دول أوروبية بأي ملاحقات جنائية تؤدي إلى المحاسبة على الجرائم المرتكبة في أثناء النزاع السوري، وفقًا لتقرير منظمات أممية تعنى بحقوق الإنسان مثل منظمة “هيومن رايتس ووتش“.
دور منظمات المجتمع المدني
“صار الناس اليوم أكثر إدراكًا لآليات حقوق الإنسان المتوفرة، يأتي الرجال والنساء والأطفال إلى المركز من دون خوف، كما شكّل بناء الثقة ضمن المجتمع عامل نجاح للمركز”، قال الحقوقي جلال الحمد، في مقال منشور على صفحة المفوضية السامية للأمم المتحدة.
وأوضح الحمد أن وعي السوريين بحقوقهم كان نتيجة صدمة الحرب، التي دفعتهم للتساؤل عن الحقوق الواجب توفرها لهم، معتبرًا أن لمؤسسات المجتمع المدني دورًا كبيرًا في تعريف السوري بحقوقه.
وأكد الحمد أن دور منظمات المجتمع المدني ينتفي مع عدم توفر وعي لدى الناس بحقوقهم، مشيرًا إلى أن ما حققته المنظمات هو جهد عظيم، خصوصًا مع شح الموارد المتوفرة لدى المنظمات.
وعملت منظمات المجتمع المدني وما زالت تعمل في توعية السوري بحقوقه والمطالبة بها والدفاع عنها، ولولا جهود هذه المنظمات لما صدرت التقارير الحقوقية لإيصال معاناة السوريين للخارج، بحسب ما قاله الحمد.
النظام يتحمل المسؤولية
وكانت منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” حمّلت النظام السوري مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيماوية على مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي.
وبحسب التقرير الأول الصادر عن فريق التحقيق التابع للمنظمة، في 8 من نيسان الماضي، فإن النظام السوري مسؤول عن ثلاث هجمات كيماوية استهدفت مدينة اللطامنة في 24 و25 و30 من آذار 2017.
وجاء في التقرير أن طائرة عسكرية من طراز SU-22″” تابعة لـ”اللواء 50” من الفرقة الجوية “22” في قوات النظام، أقلعت الساعة السادسة من صباح 24 من آذار 2017، من قاعدة “الشعيرات” الجوية جنوبي حمص.
وأوضحت المنظمة، حينها، أن الطائرة قصفت جنوبي اللطامنة بقنبلة “M-4000″ تحتوي على غاز السارين، ما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 16 شخصًا.
أما الهجوم الثاني فكان بعد يوم واحد فقط، إذ غادرت طائرة مروحية قاعدة “حماة” الجوية في الساعة الثالثة ظهرًا، وقصفت مستشفى “اللطامنة” بأسطوانة تحوي الكلور، ما أدى إلى إصابة 30 شخصًا على الأقل.
وفي 30 من آذار 2017، أقلعت طائرة من مطار “الشعيرات” من طراز “SU-2″ تابعة لـ”اللواء 50” من الفرقة الجوية “22” التابعة لقوات النظام، وقصفت جنوبي اللطامنة بقنبلة “M-4000” تحتوي على غاز السارين، ما أثر على 60 شخصًا على الأقل.
وأكدت المنظمة، حينها، أن جميع الدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة الكيماوية، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اطلعوا على التقرير الأول لفريق التحقيق.
وصدرت عدة تقارير دولية سابقة تحمّل النظام السوري مسؤولية الهجمات الكيماوية ضد مناطق المعارضة السورية، إلا أنها بقيت دون رد فعل من قبل المجتمع الدولي.
واعتبر النظام السوري التقرير الصادر عن منظمة الأسلحة الكيماوية “مضللًا ومزيفًا ومفبركًا”، وأعدّه “مفبركون إرهابيون”.
وقال النظام إن التقرير يهدف إلى تزوير الحقائق واتهام “الحكومة السورية”، مؤكدًا على إدانته ما جاء فيه، ونافيًا استخدام الغازات السامة في بلدة اللطامنة أو أي قرية أخرى.
كما رفضت موسكو نتائج التقرير، واعتبرته “غير جدير بالثقة”، بحسب ما قاله المكتب الصحفي لممثلية روسيا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
واعتبرت موسكو أن “التقرير يستند إلى تحقيقات جرت عن بُعد، دون زيارة أماكن الأحداث المفترضة، ويستند إلى إفادات ممثلي تنظيمات إرهابية في سوريا، وما تسمى منظمة (الخوذ البيضاء) الإرهابية”.
خذلان المجتمع الدولي
الحقوقي فضل عبد الغني أوضح أن الأنظمة الشمولية، ومنها روسيا والنظام السوري، أوصلت السوريين إلى مرحلة متأخرة من تردي حقوق الإنسان، مضيفًا أن المجتمع الدولي خذل السوريين.
واعتبر أن النظام أوصل السوريين إلى مرحلة اليأس حول الحصول على حقوقهم، كما دفعهم للقبول بها بأبسط مستوياتها، فلم يعودوا يأبهون بالحصول على حقوقهم الكاملة، وصار سقف طموحات السوري في الداخل الحفاظ على الطعام وعلى أمن أسرته.
كما استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية وارتكب جرائم حرب، في حين ما زال محميًا دوليًا.
وأضاف أن المنظمات السورية إمكاناتها محدودة، فهي لا تمتلك قدرة على فرض حظر جوي لمنع الانتهاكات، وسلاحها الوحيد الكلمة وسط تخاذل مجلس الأمن الدولي.
تراخٍ في المطالبة بحقوق الإنسان
وتساءل عبد الغني عن سبب عدم وجود إرادة دولية تضغط على النظام السوري، معتبرًا أن الأمم المتحدة “جهاز ديكتاتوري وليست جهازًا ديمقراطيًا”، وأن الصلاحيات تتركز في مجلس الأمن الدولي.
ولفت إلى أنه مع كل فظائع النظام، لم تفرض عليه عقوبات عسكرية، وروسيا تقول إنها تورد أسلحة عسكرية للنظام ولا تخترق العقوبات، رغم أن النظام يستخدمها لارتكاب جرائم.
وأشار الحقوقي جلال الحمد إلى أن روسيا عضو في مجلس حقوق الإنسان، ورغم ذلك لا تدين ارتكاب النظام السوري للمجازر، نافيًا وجود ربط بين حقوق الإنسان وتصرفات الهيئات الدولية وعدم سعيها لتحصيل حقوق الإنسان الأساسية، مؤكدًا وجود تقصير دولي تجاه الدفاع عن حقوق السوريين.
ويرى الحمد أن على السوريين عدم الاستسلام، والمطالبة بحقوقهم والنضال لتحصيلها كما حصل بالنسبة للعبودية وحق تقرير المصير.
وتعمل المنظمات الحقوقية، بحسب ما قاله عبد الغني، على رصد الانتهاكات وعكسها ضمن تقاريرها المنشورة، وتسهم بعدة أهداف، منها تسليط الضوء عليها من قبل وسائل الإعلام وتشكيل رأي عام موحد، وبالتالي تنشر الوعي في صفوف المجتمع.
كما تعتمد التقارير على منهجيات صارمة للوصول إلى نتائج وخلاصة ترسل إلى الهيئات الحقوقية في الأمم المتحدة والهيئات السياسية، للتأكيد على استمرارية الانتهاكات بوجود النظام السوري.
أُعدت هذه المادة ضمن اتفاقية التعاون بين صحيفة عنب بلدي وراديو روزنة.
–