تقرير يوضح أثر العقوبات على الشركات الصغيرة والمتوسطة والمصارف في سوريا
نشر مركز “كارتر” للأبحاث تقريرًا لرئيس “منتدى الاقتصاديين العرب”، سمير العيطة، عن آثار “التدابير الأحادية الجانب غير المقصودة”، أي العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية على النظام السوري.
ويتضمن التقرير عواقب تطبيق العقوبات على الزراعة والشركات الصغيرة والمتوسطة في سوريا والقطاع المصرفي، ولا يتناول العقوبات المفروضة على الأفراد، إنما فقط المفروضة على مؤسسات الدولة وعلى شبكات القطاعات الاقتصادية السورية الخاصة.
وأدى تطبيق العقوبات منذ 2011 إلى آثار غير مباشرة على الاقتصاد السوري، تمثلت بتحويل قسم كبير من الاقتصاد إلى القطاعات غير الرسمية، ما زاد من “تكاليف المعاملات” على الأهالي، بينما استفادت منها الفصائل العسكرية من مختلف أطراف الصراع.
واعتمد الاقتصاد السوري بشكل كبير على الاقتصاد اللبناني، وازداد تأثير أزمة لبنان الاقتصادية، خاصة بعد المظاهرات الشعبية التي طالبت برحيل الطبقة السياسية الفاسدة وإجراء إصلاحات اقتصادية في البلاد، والتي انطلقت في 17 من تشرين الأول 2019.
إذ عمّق فرض قانون “قيصر” على النظام وبدء تطبيقه في حزيران الماضي، الأزمتين الاقتصاديتين في سوريا ولبنان.
ولم تضع حكومة النظام السوري نظامًا فعليًا للتعامل مع تبعات ممارسات تجنب المخاطر والإفراط في امتثال المصارف والشركات الأجنبية على السلع الإنسانية، وحتى ما يتعلق بوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، ما أدى إلى صعوبات كبيرة في توفير المنتجات غير المشمولة بالعقوبات.
وارتفعت نسبة الواردات السورية “غير محددة بلد المنشأ” من 1% في 2010 إلى 40% في 2018، كما اعتمدت سوريا إلى حد بعيد على الواردات من تركيا، التي مثلت ربع الواردات السورية الإجمالية خلال سنوات الحرب.
وكان المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، أكد أن الهدف من قانون “قيصر” ليس هدم الاقتصاد السوري.
واستبقت المستشارة السياسية والإعلامية لرئيس النظام السوري، بثينة شعبان، تطبيق “قيصر” بتصريحها لقناة “الميادين” اللبنانية، المقربة من إيران، في كانون الأول 2019، قائلة إن القانون لن يؤثر على الاقتصاد السوري، لأن الحكومة تعمل على أن يكون لديها اكتفاء ذاتي في كل المجالات.
وأضافت شعبان أنه لا يوجد شيء جديد في القانون، فكل العقوبات التي يتحدثون عنها، سواء على البنك المركزي أو الطيران أو المسؤولين، فُرضت سابقًا.
إلا أن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فرشينين، اعتبر خلال مؤتمر “بروكسل 4″، نهاية حزيران الماضي، أن عقوبات “قيصر” تشل الاقتصاد السوري.
خطر على الأمن الغذائي
انخفض إنتاج الأراضي الزراعية باعتمادها على الهطولات المطرية المتفاوتة وعدم استخدام الأسمدة الزراعية، نتيجة شح الوقود وارتفاع أسعاره وتوقيف شبه كامل لاستيراد الأسمدة إلى سوريا.
إذ انخفض إنتاج القمح إلى دون المستوى المطلوب، أي المستوى اللازم لتأمين الاحتياجات الخاصة بتوفير الخبز والأمن الغذائي، خاصة أن المخزون الاستراتيجي قد نفد، وبالمقابل اعتمد النظام على واردات القمح من خطوط الائتمان الإيرانية والروسية، التي غطت جزءًا من احتياجاته.
كما تراجع إنتاج اللحم واستهلاكه، الأمر الذي خفض إيرادات أصحاب القطعان، وكان مصدرًا مهمًا للصادرات السورية.
ولم تسلم محاصيل القطن والخضار والفواكه من الآثار، إذ تعطلت سلسلة القيمة الخاصة بالقطن، وانخفضت قيمة الخضار والفواكه بتعذر التصدير وتدني الاستهلاك، وأصبح المزارعون يعتمدون أكثر على شبكات التصدير غير الرسمية.
ودخلت في بعض الأحيان محاصيل زراعية كالقمح والكمون بجزء من اقتصاد الحرب وورقة للتفاوض السياسي.
تباطؤ في إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة
سببت العقوبات تكريس أنشطة تجارية غير مشروعة، وكذلك أنشطة متعلقة بتكرير النفط وتهريبه، فهي مسؤولة عن تضاؤل فرص العمل، والتراجع في نمو الشركات المتناهية الصغر، والتباطؤ الكبير في إنشاء شركات صناعية جديدة متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة في سوريا.
وأدى ذلك إلى تركز المشاريع الجديدة بشكل رئيس على الإنتاج الغذائي بعد الصعوبات التي واجهتها السلسلة الغذائية.
إضافة إلى مشاكل نمو الشركات، برزت مشاكل في تأمين مياه الشرب بسبب النقص في الوقود المستخدم لضخ المياه، وبالمضخات وقطع الغيار والمعدات اللازمة لتصليح المحطات المتضررة.
كما فقدت سوريا قدرتها على إنتاج الأدوية الأساسية، وتضرر قطاع التصدير المرتبط بها، في ظل انقطاع الأدوية المستوردة.
وأشار أستاذ الاقتصاد والعلوم المصرفية في جامعة “دمشق” علي كنعان، في آذار الماضي، خلال إحدى محاضرات عن قانون “قيصر”، إلى أنه في عام 1986 استطاعت سوريا تجاوز العقوبات، بالاعتماد على الشركات الصغيرة والمتناهية الصغر وعلى صغار التجار في تأمين السلع والخدمات.
إضافة إلى الاعتماد على الدول المجاورة، وقدرة صغار التجار على استيراد السلع منها، بفاعلية أكبر من الشركات والتجار الكبار، وقدرتهم على عملية تحويل الأموال دون عمولات، حين يدفعون الأموال نقدًا.
لكن حلول الثمانينيات، بحسب ما تحدث به وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، لعنب بلدي حينها، لن تجدي نفعًا على النحو الذي يحلم به النظام اليوم.
فاعتماد النظام على الدول المجاورة أصبح أقل فاعلية، إذ أثرت أزمة لبنان بشكل كبير على الاقتصاد السوري، بسبب عدم إمكانية حصول التجار أو السوريين الذين يودعون أموالهم في المصارف اللبنانية على العملة الصعبة من حساباتهم، وبالتالي عدم استطاعة تأمين مستوردات سوريا من أي دولة كانت، أو استقبال قيمة الصادرات.
كما أن الحدود مع العراق تحت الرقابة الأمريكية حاليًا، وبأي لحظة تستطيع قطع الطرقات وإغلاق الحدود السورية- العراقية.
بنوك تقليدية وإسلامية نشأت في القطاع المصرفي
اعتمد اقتصاد النظام في ظل العقوبات على المعاملات المالية غير الرسمية عبر البلدان المجاورة بشكل رئيس لا سيما لبنان وتركيا، ولم يعد مصرف سوريا المركزي يملك إلا وسائل قليلة ليتدخل مباشرة في سعر صرف الليرة السورية.
وانتشرت المصارف التقليدية الإسلامية التابعة للخليج العربي في السوق المصرفية السورية، بعد انخفاض دور المصرف التجاري السوري، وتراجع نمو المصارف الخاصة.
وتمكنت مصارف الخليج بشكل رئيس من المحافظة على بعض العلاقات مع المصارف المعنية بعمليات التجارة الأجنبية، وأن تتعامل مع المشتريات الأجنبية العامة والمنظمات غير الحكومية الدولية.
ونُقلت معظم المعاملات المالية الأجنبية خارج النظام المصرفي السوري إلى نظام “الحوالة” غير الرسمي، وغيره من الوسائل غير الرسمية المماثلة لتحويل الأموال، وهو ما انطبق أيضًا على عمليات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية.
ومع تطبيق قانون “قيصر”، عطل أي فرصة يملكها اقتصاد النظام للتعافي، كما أنه يضيف بعدًا نفسيًا كبيرًا على العواقب “المأساوية الشديدة للأزمة المالية اللبنانية”، وأزمة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وبالتالي “له آثار وقيمة من حيث توقيته”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :