لماذا لا تُحل مشاكل السوريين إلا بعد وصولها إلى مواقع التواصل الاجتماعي
مؤسسات الدولة تتحرك تحت ضغط الفضيحة
عنب بلدي – نور الدين رمضان
“عقبال محافظ حلب”، عبارة كتبتها المعلمة في مدينة حلب ولاء اسكيف على منشور لصفحة “رئاسة الجمهورية العربية السورية”، في 8 من كانون الأول الحالي، عبر “فيس بوك”، يتضمن مرسوم إقالة محافظة ريف دمشق، علاء منير، أشعلت لاحقًا مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا.
كتبت المعلمة ولاء عبر “فيس بوك” منشورًا تعبر فيه عن حزنها واستيائها من قرار نسبته لمحافظ حلب، حسين دياب، يتضمن نقلها من مكان عملها إلى منطقة تبعد مسافة 90 كيلومترًا عن سكنها، لتشعل بعدها القضية مواقع التواصل الاجتماعي، ويتدخل فيها وزير التربية ومحافظة حلب.
وعلّق وزير التربية، دارم طباع، الذي اتصل بالمعلمة بعد ساعات، على قرار النقل بانتقاد محافظ حلب، نافيًا أن تكون للقرار علاقة بمطالبة المعلمة بإقالة محافظ حلب عبر تعليق لها على صفحة “رئاسة الجمهورية”، وقال إن الموضوع جرى حله وألغي قرار النقل، الذي “سببه تقاعس المعلمة بعملها ولا علاقة له بمحافظ حلب”.
ونُقلت المعلمة إلى مدرسة في المنطقة التي تقطن فيها بعد جدل واسع في قضيتها.
ولم تكن قضية المعلمة ولاء الوحيدة التي حُلّت بعد تحولها إلى قضية رأي عام، إذ شهدت مناطق سيطرة النظام السوري خمس قضايا أخرى أخذت صدى واسعًا بعد تداولها عبر “فيس بوك”.
أقفاص الأفران لتنظيم الدور
شهدت العاصمة السورية دمشق، أواخر تشرين الأول الماضي، انتشار أقفاص حديدية لتنظيم طوابير الحصول على الخبز بالتزامن مع أزمة حول توفير المادة، ما أثار غضب مواطنين وناشطين سوريين.
وتحدثت مديرية المخابز عن إزالتها بعد أيام من انتشار صورة أمام فرن “ابن العميد” بالعاصمة دمشق، وتركت القرار لمحافظة دمشق لإزالة بقية الأقفاص.
وقال مدير فرع “المؤسسة السورية للمخابز” بدمشق، نائل اسمندر، إن قرارًا صدر بإزالة الأقفاص الموضوعة لتنظيم الدور أمام أفران “ابن العميد”، مع “طرح حل بديل ومناسب”، وفقًا لما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية.
جاء قرار إزالة الأقفاص بعد إثارة الصورة المتداولة للأقفاص استياء السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي ومطالبتهم بإزالتها، رغم أنها موجودة منذ فترة طويلة.
ضرب مسنّ أمام الفرن
تداولت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا، في 30 من تشرين الأول الماضي، بشكل واسع، صورة لرجل مسنّ بمدينة حلب قيل إنه تعرض للضرب من قبل أحد الأشخاص على طابور الخبز من أجل ربطة خبز واحدة.
وبحسب وزارة الداخلية، اعتدى شخص على الرجل المسنّ بدفعه بطريقة عنيفة للخلف على طابور الخبز من أجل الحصول على ربطة خبز، ما تسبب بسقوط الرجل على رأسه.
ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية عن ذكي أليكسان، ابن الرجل المسنّ، أن شخصًا ضخمًا عمره نحو 55 عامًا ويرتدي زيًا مدنيًا دفع والده على الدور ليقع على الأرض، ثم أخذ الرجل الخبز دون أن يأبه بالناس وغادر المكان بسيارته.
في 31 من الشهر ذاته، تفاعلت وزارة الداخلية مع القضية بعد تداولها بشكل واسع، وقالت إن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تناولت صورة رجل مسنّ (مواليد 1937) والدماء تسيل من رأسه سقط على الأرض أمام فرن “محطة بغداد” بمدينة حلب، وأوضحت أنها تحقق في الحادثة.
ضابط كازية درعا
تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، في تشرين الأول الماضي، تسجيلًا مصوّرًا في مدينة درعا يُظهر شخصًا يهدد ضابطًا في قوات النظام، عند محطة وقود قائلًا، “نحنا عملنا تسوية مو مشان تعاملونا هيك، نحنا ما مننضرب”، مهددًا بـ”هدّ محطة الوقود على رأسه”.
وحاول الضابط تهدئته إلّا أن الرجل أكمل قائلاً “الشوارع بيناتنا، والله لنرجعها 2011″، في إشارة إلى تاريخ انطلاق الثورة.
وبعد تداول التسجيل على نطاق واسع، تفاعلت شرطة محافظة درعا مع الحادثة، وقالت إنها قبضت على شخص تهجم لفظيًا على ضباط وعناصر الشرطة في إحدى محطات حي درعا البلد، في أثناء محاولته دخول المحطة بطريقة مخالفة، وأشارت إلى أنه مطلوب للجهات الأمنية.
قيادة رعناء
تداول ناشطون تسجيلًا مصوّرًا لسائقي سيارات يقودونها بطريقة رعناء وسط مدينة دمشق، في تشرين الأول أيضًا، لتعلن بعدها وزارة الداخلية عن توقيف شخصين وحجز سيارتيهما، واعترفا بقيادتهما الخطرة خلال حفل زفاف صديقهما.
وأكدت وزارة الداخلية حينها أنها حريصة على تطبيق القانون على جميع المواطنين دون استثناء أو محاباة لأحد، بحسب تعبيرها، بعد حديث عن أن الموقوفين على صلة بشخصيات سورية نافذة.
المدام فاتن
بعد طول انتظار داخل طابور، وصل المواطنون إلى باب أحد مراكز التموين التابعة لمديرية المواصلات الطرقية في مدينة دمشق، من أجل الحصول على حصصهم من المواد الغذائية الحكومية، وقبل أن ينتهي الدوام الرسمي، شرع الموظفون بإقفال باب المركز لتناول وجباتهم، ليغضب المواطنون ويتطور الموقف إلى تلاسن بينهم وبين إحدى الموظفات العاملات في المديرية.
وثّق هذه الحادثة تسجيل مصوّر انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليتصاعد الحديث بين السوريين عن سوء معاملة الموظفة مع المراجعين، واستوجب ذلك رد الموظفة عبر إذاعة “شام إف إم” المحلية، إذ قالت إنها لم تقصد الإساءة التي وصلت إلى الناس.
بعد تداول القضية، قررت الجمعية الاستهلاكية السورية فصل الموظف الذي ظهر مع “مدام فاتن” في التسجيل المصوّر وكتبت بحقه ضبطًا عدليًا.
استجابة إجبارية لمواقع التواصل
قضية المعلمة ولاء التي حلتها وزارة التربية، بعد تحولها إلى قضية رأي عام، ومثلها القضايا الأربع الأخرى التي حلتها الجهات المسؤولة في سوريا بعد تداولها على مستوى واسع في مواقع التواصل، يطرح سؤالًا فحواه لماذا لا تُحل مشاكل السوريين إلا بعد وصولها إلى وسائل التواصل الاجتماعي؟
الصحفي السوري يحيى فارس، قال لعنب بلدي إن النظام السوري غير حريص على تقديم الخدمات للمواطنين، ومعظم المؤسسات لا تخدم المواطن بالشكل الأمثل، بل ساعد في تراجع مستوى الخدمات، فمثلًا قبل تسلم النظام السلطة كان خط “ترام واي” يعمل في سوريا.
وأضاف فارس أن مواقع التواصل الاجتماعي محارَبة من النظام السوري، فهو يخشاها كما يخشى أي وسيلة تعبير أخرى، لكنه يواجه مشكلة مع “فيس بوك” ومواقع التواصل الأخرى، بعدم قدرته على السيطرة عليها كما يريد، لذلك يضطر إلى الاستجابة للحوادث التي يتداولها السوريون على نطاق واسع، رغم أنه هو المسبب فيها، كأقفاص الأفران بدمشق مثلًا، ويريد عبر هذه الاستجابة تحسين صورته أمام المواطنين والمجتمع الدولي.
أداة ضبط سياسي واجتماعي جديدة
بدوره، يرى الباحث الاجتماعي طلال مصطفى، في حديث إلى عنب بلدي، أن دور وسائل التواصل الاجتماعي تطور إلى وسائل إعلامية جديدة، تتميز باستخدامها كمنابر حرة، دون ضوابط، خاصة في مجتمعات تعاني فرض قيود على الإعلام، كالمجتمع السوري، رغم أن الانتقاد مسموح لأي مسؤول حكومي دون الاقتراب من السلطة السياسية للنظام، كما أن الحديث عن قضية ما عبر مواقع التواصل أسهل، ولا يشعِر أصحابها بالخجل.
وأضاف مصطفى أن النظام السوري يلعب أدوارًا متبادلة عبر مواقع التواصل، إذ غالبًا ما ينشر أحد عن قضية ما لينشر هو أنه جرت الاستجابة، متهمًا الأجهزة الأمنية التابعة له بالوقوف وراء نشر بعض القضايا لإظهار أن الاستجابة ممكنة لأصوات المواطنين.
الباحث الاجتماعي يرى أن الجميع مسؤولون، وحكومات وأشخاص عاديون أصبحوا يحسبون حسابًا لمواقع التواصل، بسبب الأثر الكبير الذي تتركه في القضايا التي تتدخل فيها.
واعتبر أن “مواقع التواصل أصبحت أداة جديدة للضبط السياسي والاجتماعي دون قوننة، بسبب أخذها دور الضمير الجمعي للمجتمع”.
ومع مرور عشر سنوات على انطلاقة الربيع العربي، لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في نشر أخبار المحتجين بطرق سريعة، وأصبحت مصدرًا لوسائل الإعلام العربي، كما أسهمت بتسهيل تواصل المحتجين، وساعدت على تنظيم عملهم، ولعبت دورًا رقابيًا عبر توثيقها انتهاك السلطات ضد المحتجين، إذ وثق ناشطون سوريون انتهاكات لقوت النظام وروسيا عبر نقل مباشر بواسطة مواقع التواصل لغارات جوية أو اعتداءات على متظاهرين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :