عنب بلدي – سكينة مهدي
تمثل مدينة البوكمال، على بعد 130 كيلومترًا من مدينة دير الزور شرقي سوريا وثمانية كيلومترات من الحدود مع العراق، أهمية استراتيجية واقتصادية لكل من سوريا والعراق وإيران، وتتجه الأنظار إليها، وتكثر التساؤلات عن طريقة استغلال موقع معبرها الحدودي الذي يصلها بمدينة القائم على الطرف العراقي.
تسهل حكومة النظام السوري مؤخرًا حركة التجار عبر معبر “البوكمال”، خاصة بعد أن طلبت السعودية من الجانب العراقي تأمين طريق “ترانزيت” يربط سوريا بالسعودية عبر العراق، بحسب حديث عضو مجلس إدارة الاتحاد السوري لشركات شحن البضائع الدولي حسن عجم، لصحيفة “الوطن” المحلية.
وفي 30 من أيلول 2019، أعادت حكومة النظام فتح معبر “البوكمال” (القائم من الجهة العراقية)، بعد سنوات على إغلاقه جراء سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مساحات واسعة من البلدين.
وعبرت خمسة آلاف و463 شاحنة وبرادًا من منفذ “البوكمال” الحدودي مع العراق خلال العام الحالي، منها ثلاثة آلاف و845 برادًا لنقل البضائع باتجاه العراق، بحسب تصريح مدير مكتب نقل البضائع في دير الزور، عبد الخالق سليمان، لـ”الوطن”، في 3 من كانون الأول الحالي.
افتتاح المعبر محاولة لترميم واقع اقتصادي هش
أعلن العراق افتتاح معبر “القائم” في أيلول الماضي، ليكون أول معبر بري بين العراق وسوريا منذ عام 2014، بعد إغلاق المعابر الثلاثة (القائم والوليد وربيعة) بشكل متتالٍ، في ظل سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” حينها على مساحات كبيرة من مناطق شمال شرقي سوريا والمساحات التي تقابلها من الجانب العراقي.
التسهيلات التي يقدمها النظام السوري للتجار عبر معبر “البوكمال” الحدودي، هي تسهيلات غير مهمة بنظر المحلل الاقتصادي يونس الكريم، الذي أرجع ذلك، في حديث لعنب بلدي، إلى أن الدمار الذي أصاب مدينة البوكمال والطرق المؤدية إلى المعبر، بسبب الصراعات التي دارت في المنطقة كونها كانت أحد معاقل تنظيم “الدولة”، تحول دون وجود حركة تجارية حقيقية بين البلدين عبر المعبر، بسبب صعوبة التنقل والوصول، وغياب المراكز الخدمية كالاستراحات ومحطات الوقود.
كما أن معبر “البوكمال” بعيد عن مراكز الصناعة والتجارة في دمشق وحلب والساحل السوري، وبالتالي فهذه التسهيلات من الأساس وهمية، عدا عن أن السوق العراقية غنية ومتطلبة، مقابل السوق السورية التي تحتاج بدورها إلى الدعم بالسلع والخدمات.
ويتفق المحلل الاقتصادي خالد التركاوي مع المحلل يونس الكريم في هذه النقطة، إذ قال لعنب بلدي، إن مشاكل الاقتصاد السوري اليوم أعقد من مسألة معبر أو معابر، وتتعلق بالهيكل الإنتاجي الضعيف، فسوريا ليس لديها الكثير لتصديره من الأساس في الوقت الراهن.
وكان أمين عام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، مارك لوكوك، أحاط، في 27 من تشرين الأول الماضي، بنسبة ارتفاع الأسعار في سوريا قائلًا، إنه على الرغم من استقرار أسعار المواد في سوريا في شهري آب وأيلول الماضيين، لا تزال الأسعار أعلى بنسبة 90% عما كانت عليه قبل ستة أشهر.
وأشار لوكوك حينها إلى زيادة سنوية بالأسعار قدرها 236%، ما ترك العديد من العائلات غير قادرة على تحمل تكاليف السلع ماديًا، كما أدى انخفاض قيمة العملة وانخفاض تدفق السلع إلى سوء الوضع الاقتصادي، ما أسهم في رفع أسعار المواد الغذائية باستمرار.
عودة التجارة الفعلية بين سوريا والعراق تحتاج إلى وقت
تعتبر مدينة البوكمال ذات أهمية استراتيجية كبيرة، وفيها المعبر البري الوحيد الذي يربط بين ثلاث دول هي إيران وسوريا والعراق، وتحقق من خلال هذا الربط أهمية اقتصادية، إذ من الممكن أن ترفع التسهيلات المستمرة التي يقدمها النظام عبر معبرها نشاط التبادل التجاري بين تلك الدول الثلاث.
ولكن المحلل الاقتصادي يونس الكريم يرى أن المناطق على طرفي معبر “البوكمال” (السوري والعراقي)، تعاني من هشاشة اقتصادية، ولا يوجد ما يمكن تهريبه أو تصديره، ولا الاستفادة من موارد محددة في كلتا المنطقتين، بالإضافة إلى عدم وجود مراكز تجارية ومدنية يُعتمد عليها في تلك المناطق، بسبب النزاعات التي دارت فيها مؤخرًا قبل خروج “داعش” والفوضى التي خلفتها، وكل المؤشرات الاقتصادية تقول إنه لا حركة تجارية ولا تهريب بضائع وسلع عبر المعبر.
بينما يعتبر المحلل الاقتصادي خالد التركاوي أن هذه الخطوة مهمة للنظام السوري، كونه بحاجة إلى البقاء متصلًا تجاريًا واقتصاديًا مع العالم، لكنه توقع أن عودة التجارة الفعلية بين سوريا والعراق بكميات كبيرة كالسابق أمر يحتاج إلى وقت طويل.
كما أن برنامج الحكومة العراقية الحالية، يعتمد على مكافحة المعابر غير الشرعية، لمنع السلع المهربة وضبط الفصائل المسلحة ومكافحة تنظيم “الدولة”، وتسعى بدلًا من ذلك لتكون أعمال التجارة شرعية عبر معابر نظامية، لذلك يعتبر المعبر الشرعي بمثابة استجابة لمطالب الكتل البرلمانية العراقية التي اعترضت على إغلاق المعابر مع سوريا بحجة أنها تنفع المواطنين السوريين، بحسب التركاوي.
وبحسب تأكيد رئيس “اتحاد المصدّرين السوريين” الذي أُلغي في حزيران من عام 2019، محمد السواح، لموقع الاقتصادي في عام 2018، “لا تُسجل أغلبية الصادرات إلى العراق بشكل نظامي عبر المعابر الحدودية لأنها تكون بطرق كثيرة، وهي صادرات كبيرة لا تحتسب ضمن الأرقام التي تصدرها الجهات الحكومية”.
تحويل باب التجارة مع السعودية من الأردن إلى العراق
يأتي افتتاح معبر “عرعر” بين العراق والسعودية في إطار سعي العراق لتحقيق توازنات بين القوى الإقليمية، فالعراق يتعرض لانتقادات لأنه يضع نفسه تحت سيطرة إيران، وسط مطالب بعلاقات متوازنة مع جميع الدول.
كما تسعى الولايات المتحدة لتعزيز العلاقات العراقية مع الخليج كونها تعني عودة للمحيط العربي، لكن أثر المعبر سيكون ضعيفًا اقتصاديًا على سوريا لأن التكلفة ستكون مرتفعة لتجارة “الترانزيت” عبر العراق، بحسب التركاوي.
وعلى الرغم من أن افتتاح معبر “عرعر” وتسهيل وصول التجارة من سوريا إلى السعودية عبر البوكمال يمكن أن يوفر 1500 دولار كرسم عبور للشاحنات السورية المتجهة إلى دول الخليج، عبر السعودية، بدلًا من مروروها عبر الأردن، يجد التركاوي أن هذه الحسابات تبقى نظرية، لأن الطريق عبر العراق أطول وما سيوفَّر سيُدفَع كأجور نقل إضافية.
أحد أسباب توقف التجارة بين السعودية وسوريا، كان بفعل عدم وجود طرق تصلهما سابقًا، بسبب سيطرة فصائل “الجيش الحر” لفترة طويلة على معبر “نصيب” الأردني، وعندما افتُتح المعبر اتخذ الأردن مواقف منع من خلالها الشاحنات السورية من العبور دون دفع تعويض محروقات واستخدام بنية تحتية لعدم وجود علاقات تجارية بين سوريا والأردن يستفيد منها، بحسب المحلل الاقتصادي يونس الكريم.
ولا يعتقد الكريم أن العراق سيكون بديلًا للأردن بعبور الشاحنات السورية التجارية، لأن الفترة التي تحتاج إليها الشاحنات للعبور من سوريا إلى العراق فالسعودية طويلة، والطريق غير مخدم بمحطات تعبئة وقود أو مراكز خدمية، بالإضافة إلى سوء الوضع الأمني على طول الطريق من البوكمال حتى معبر “عرعر”، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تجارة بين السعودية وسوريا حاليًا، وما ينادي به النظام من علاقات تجارية مع السعودية ما هو إلا “بروباغندا” إعلامية لا أكثر.
وكانت العراق والسعودية افتتحتا معبر “عرعر” الحدودي بين الدولتين في 18 من تشرين الثاني الماضي، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) عن هيئة المنافذ الحدودية، بعد أن كان مغلقًا بسبب سيطرة “الدولة الإسلامية” على مدن غربي وشمالي العراق قبل ست سنوات.
المعبر بوابة أخرى لإيران إلى سوريا ولبنان
تتلخص أهمية البوكمال بالنسبة لإيران في كونها عقدة مواصلات برية مهمة تصل منها إلى سوريا ثم لبنان، حيث تُعتبر امتدادًا لصحراء الأنبار العراقية، كما ترتبط بصحراء السويداء ودرعا وتدمر ودير الزور، ما يكسب المدينة أهمية اقتصادية إضافية لإيران، بالإضافة إلى موقعها على خط الإمداد الفاصل بين العراق وسوريا، وباتت المنفذ الوحيد الرسمي لإيران، خاصة بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على معبر “اليعربية” الحدودي مع العراق أيضًا، وسيطرة أمريكا على معبر “التنف” في دير الزور.
كما قال المحلل يونس الكريم لعنب بلدي، إن هذا المعبر يخفف الضغط عن النظام الإيراني، إذ يعد نفسه افتتح معبرًا خاصًا به وتحت سيطرته في الأراضي السورية، ومن المحتمل أن تأمل إيران بتعويضات مالية تجاه ما تعتبر أنها قدمته من خلال هذا المعبر، لكنها فعليًا تحاول إعادة السيطرة على منطقة دير الزور من خلاله، وإيصال الدعم المادي لعناصرها المسلحين الموجودين هناك.
ويجاور معبر “البوكمال” معبرًا آخر غير نظامي يدخل منه مقاتلون إيرانيون وعراقيون، في فترات متقطعة، لدعم الميليشيات المساندة للنظام السوري.
وكان رئيس أركان الجيش الإيراني، محمد باقري، أكد، في آذار 2019، أن “فتح المعابر الحدودية بين سوريا والعراق بالنسبة لإيران أمر مهم، من ناحية المبادلات التجارية وتنقل الزوار والسياح الإيرانيين من إيران إلى العراق وسوريا”.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية اعتبرت، في آذار من عام 2019، أن افتتاح معبر “البوكمال” سيكون فرصة لإيران لتخفيف الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها نتيجة العقوبات الأمريكية.