اعترفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن قصة كندي زعم أنه عمل سيافًا في تنظيم “الدولة الإسلامية” كانت مزورة وغير صحيحة.
ونشرت الصحيفة، الجمعة 18 من كانون الأول، تقريرين منفصلين أوضحت في الأول تفاصيل التحقيق الذي بحثت فيه صحة ادعاء السياف المزعوم، واعترفت في الثاني بأن بودكاست “الخلافة” فشل في تلبية معايير التحرير الخاصة بالمؤسسة.
وبحسب ما ترجمته عنب بلدي، جاء في تقرير مشترك لثلاثة من مراسليها، أن السياف المزعوم، الذي كان العنصر الرئيس في بودكاست “الخلافة” الذي بث عام 2018، وصف بالتفصيل كيف أطلق النار على رأس رجل وطعن آخر في قلبه قبل أن يعلّق الجثتين على صليب، وتحدث عن انضمامه للشرطة الدينية ضمن تنظيم “الدولة” في سوريا، وكيف نُقل إلى جلسات تدريب لمهاجمة الغرب بما في ذلك أمريكا الشمالية.
واستعاد كيف استعرض قادة التنظيم خرائط وتعليمات مشفرة حول كيفية ضرب أهداف مهمة في الغرب، والدخول إلى مناطق محظورة، وقتل الناس على “أمل تحقيق الشهادة”.
وقال السياف، “لقد تخيلوا أمرًا كبيرًا كأحداث 11 من أيلول (2001)، وكانوا يريدون التفوق على القاعدة وترك بصمتهم”.
وتبين أن رواية السياف شيروز تشاودري، وهو باكستاني الأصل يحمل الجنسية الكندية، الذي لقب نفسه بـ”أبو حذيفة الكندي”، عبارة عن خرافات ونسج قصص “جهادية”.
ولم يكن تشاودري إرهابيًا، وبالتأكيد لم يصل أبدًا إلى سوريا، ولفّق الحكايات حول عمله سيافًا عند تنظيم “الدولة” ليهرب من حياته الروتينية في مدينتي تورنتو الكندية ولاهور الباكستانية.
وأثارت القصة التي تحدث عنها لـ”نيويورك تايمز” وغيرها من وسائل الإعلام حالة من الغضب في كندا، إذ احتوت السلسلة المسجلة “الخلافة” لملايين المستمعين على مغامراته مع تنظيم “الدولة”، ما أثار الغضب حول سماح الحكومة الكندية للسفاح المزعوم بالعيش حرًا طليقًا في تورنتو بعد اعترافه علنًا بجرائمه التي ارتكبها في سوريا.
ووضعت القصص المفبركة صاحبها أمام مخاطر قانونية، إذ أعلنت السلطات الكندية، في أيلول الماضي، عن اتهامات له باقتراف “خدعة إرهابية”، وهي جريمة يمكن أن يحكم عليه بالسجن لمدة خمسة أعوام إذا أدين بها.
ما قصة “البودكاست”؟
نشرت الصحيفة التدوينات الصوتية المكونة من 12 حلقة عام 2018، بهدف الدخول إلى قلب تنظيم “الدولة”، مرتكزة بصورة أساسية على شهادة كندي ادعى أنه انضم إلى التنظيم عام 2016.
وعرضت التدوينات شهادات ويوميات مقاتلين سابقين في التنظيم، وكانت الشهادة الأبرز للمقاتل الكندي من أصول باكستانية “أبو حذيفة الكندي”، الذي روى في البرنامج تفاصيل الجرائم التي ارتكبها، وإعدامه عددًا كبيرًا من الأشخاص في أثناء وجوده في سوريا إلى جانب التنظيم.
وفاز “البودكاست” بجائزتين بسبب المادة الصحفية المتميزة، وحقق عدد استماعات كبيرًا.
لكن يوم أمس الجمعة، انهار كل هذا النجاح، بعدما كشفت الصحيفة الأمريكية أنّ شهادة “أبو حذيفة الكندي” كانت خيالية ولا تمتّ للواقع بصلة.
وسُحبت جائزة “بيبودي” المرموقة التي حصل عليها البرنامج المسموع، كما قال “نادي الصحافة في الخارج” إن جائزة “لويل توماس” التي مُنحت لمنتجي العرض سُحبت أيضًا.
وبدأت الصحيفة بتحقيقاتها حول إمكانية أن تكون هذه الشهادة مزيفة ومن خيال تشاودري، في أيلول الماضي، بعدما ألقت الشرطة الكندية القبض على الشاب بتهمة اختلاق كذبة انضمامه إلى تنظيم “الدولة”.
وأمس الجمعة، سحبت “نيويورك تايمز” ملف الإرهاب من مذيعة البرنامج روكميني كاليماتشي الذي تتابعه منذ سنوات.
واعتذرت الصحفية الشهيرة عبر حسابها عن الخطأ الذي حصل، وكتبت أنها فخورة بكل ما كتبته عن هزيمة تنظيم “الدولة”، “لكن كما نطالب بالشفافية من مصادرنا، نطلب ذلك من أنفسنا”، ونشرت بيان الاعتذار في التغريدة.
I am fiercely proud of the stories I have broken on the ISIS beat. But as journalists, we demand transparency from our sources, so we should expect it from ourselves. Please see my full statement below regarding our Caliphate podcast: pic.twitter.com/FBUFsrnbsa
— Rukmini Callimachi (@rcallimachi) December 18, 2020
ونشر مدير تحرير الصحيفة، دين باكيه، تدوينة صوتية أمس، الجمعة، قال فيها إن “هذا الإخفاق لا يمس مراسلًا أو محررًا واحدًا، بل هو فشل مؤسساتي”.
واعترف خلال التدوينة عدة مرات بالخطأ، وقال، “عندما تقدم صحيفتنا مادة صحفية عميقة وكبيرة وطموحة بأي شكل أو قالب، فإننا ندقق بشكل هائل في المعلومات على كل المستويات، لكن للأسف لم نفعل ذلك هذه المرة”.
وأضاف، “كان عليّ أنا أو أي شخص آخر التدقيق في الطريقة نفسها، لأن هذا البودكاست كان عملًا صحفيًا كبيرًا وطموحًا. لم أفعل ذلك ولم يفعل ذلك زملائي الآخرون من أصحاب الخبرة الكبيرة في التدقيق في التقارير الاستقصائية”.
السلطات الأمنية الكندية والأمريكية تنفي سفره
أشارت السلطات الكندية، التي استمرت في التحقيق مدة أربعة أعوام درست فيها رحلات الشاب إلى الخارج وتعاملاته المالية وحساباته على منصات التواصل الاجتماعي وشهاداته للشرطة، إلى تأكيد أنه لم يدخل سوريا أبدًا ولم ينضم إلى تنظيم “الدولة” ليرتكب الجرائم التي تحدث عنها.
وأكد المسؤولون الأمريكيون الذين قابلتهم الصحيفة أنهم يدعمون الاستنتاج الكندي، مع أنه من الصعب التأكد من عدم سفره إلى سوريا.
وحتى لو سافر إلى سوريا فستكون زيارة لفترة قصيرة، بعدما زعم في البرنامج أنه انضم إلى التنظيم، ودخل معسكرات تدريب لضرب الغرب، وانضم إلى الشرطة الدينية، وفرض العقوبات وأعدم وشارك في نقاشات سرية للتخطيط من أجل عمليات ضخمة.
وقال رئيس وحدة الأمن القومي التي حققت في القضية، كريستوفر ديغيل، “المزاعم المزيفة تولد الخوف داخل المجتمع، وتخلق وهمًا عن تهديد محتمل ضد الكنديين، مع أننا كنا نفكر بطريقة مختلفة”.
كيف توصلت الصحيفة إلى الحقيقة؟
عادت الصحيفة إلى السلسلة “الخلافة” وفحصتها من جديد، بعد أن أثارت أسئلة حول مزاعم تشاودري وقررت الصحيفة تخصيص حلقة لمناقشتها، بعد توجيه الشرطة الكندية الاتهامات إليه.
وأعادت النظر في حساباته على منصات التواصل الاجتماعي وصوره وسفرياته، وغير ذلك من الأدلة المحتملة التي توضح طبيعة حياته ودوافع الانضمام إلى التنظيم.
ووضعت الصحيفة جدولًا زمنيًا لتحركاته بطريقة لم تستبعد سفره إلى سوريا وبقاءه هناك مدة أسبوعين، لكن التحقيق الجديد كشف عن تاريخ في تشويه الحقائق، مثل استخدامه صورًا للمقاتلين في التنظيم متوفرة على الإنترنت ونشرها على أنها صوره.
وكشفت المراجعة غياب أي مصدر يؤكد صحة مزاعم تشاودري حول مشاركته في جرائم التنظيم، التي قال إنه ارتكبها خلال روايته في سلسلة “الخلافة”.
وكشف التحقيق أن تشاودري عاش حياة مملة وقرر إضفاء إثارة عليها، إذ يقضي اليوم معظم وقته في محل الكباب و”الشاورما” الذي تملكه عائلته “بيغ غريل” في حي أوكفيل خارج تورنتو.
ورفض تشاودري التعليق، ولكنه قال عبر محاميه نادر حسن، إنه يرفض مزاعم التزوير، وبناء على القانون يجب على المحققين إثبات أن تشاودري كذب، وأنه كان يقصد تخويف الرأي العام وجعله يفكر أن تنظيم “الدولة” سيضرب، وردًا على سؤال الصحيفة قال المحامي، “تم اتهام تشاودري بجناية خطيرة هو بريء منها”.
كيف كذب السياف المزعوم؟
قالت الصحيفة، إن واحدة من الصور التي نشرها كانت متوفرة عبر مواقع إخبارية، وبعد فحصها اتضح أنها من مصور تابع لوكالة أنباء “تاس” الروسية، ووفرتها وكالة “غيتي” للصور.
وتبين أن بقية الصور التقطت واحدة منها قبل سنوات على شاطئ البحر لرجال مسلحين قال إنهم “رفاقه في السلاح”، مع أنها تشبه صورًا نشرت في “تويتر” قبل سنوات، نشرها معارضون لما يحدث في سوريا.
ونقل مسؤول كندي لا علاقة له بالتحقيق فحوى تقرير أمني، يعود إلى 2017، تحدث عن سفر تشاودري الملقب بـ”أبو حذيفة” إلى سوريا ولكنه لم يفعل، وغادر سريعًا بعد وصوله.
وهناك تقارير عراقية ذكرت أن تشاودري كان مقاتلًا وسجن في سوريا، ومع ذلك يرى المسؤولون الكنديون أنه لم يذهب أبدًا إلى سوريا، ولا يتوقعون منه الجدال في المحكمة أن جزءًا من قصته حول انضمامه إلى تنظيم “الدولة” صحيح.
من هو السياف؟
وصل تشاودري إلى كندا مع عائلته الباكستانية وعمره لم يتجاوز سنتين، وبعد الدراسة الثانوية سافر إلى جنوب إفريقيا حيث سجل بمدرسة دينية، لكنه لم يبقَ طويلًا وسافر للعيش مع جده وجدته لأمه في باكستان.
وقال تشاودري، إن الحرب في سوريا جعلته يستفيق على معاناة المسلمين حول العالم، “لا يمكنك الجلوس متفرجًا وتراقب العالم وهو يحترق”.
وأخبر الصحيفة أنه سافر من باكستان إلى تركيا ودخل سوريا مشيًا على الأقدام عام 2014.
ووصف طبيعة عمله في تنظيم “الدولة” بحراسة الطرق وفرض التعاليم التي تبناها التنظيم ومعاقبة السكان المحليين.
وقال إنه كان يعيش في سوريا عندما أعلن “أبو بكر البغدادي” عن “الخلافة”، ولكنه غادرها بعد شعوره بالإحباط، وما طلب منه القيام به حيث فر عبر الحدود التركية وعاد إلى باكستان.
وزادت الشكوك عندما لم تكن هناك أختام تركية على جوازه الكندي، وعندها اعتقدت الصحيفة أن جواز سفره الباكستاني انتهى.
وبحسب الصحيفة، في الحقيقة سافر تشاودري إلى تورنتو الكندية في شباط 2014 وعاد إلى لاهور الباكستانية ومن ثم عاد إلى كندا في نفس الفترة التي قال إنه كان في سوريا.
وعندما وجهت الصحيفة له التناقضات الموجودة في روايته بدّل كلامه السابق، وزعم أنه سافر إلى سوريا بعد إعلان “الخلافة” في أيلول 2014، وحتى هذه الرواية متناقضة، لأن سفره يتصادف مع بداية العام الجامعي ولا مجال له للذهاب إلى سوريا في هذه الفترة، بحسب “نيويورك تايمز”.
وتشير الصحيفة إلى أن التناقض في رواية تشاودري لا يقف عند تحركاته وزمن ذهابه إلى سوريا بل وحول دوره أيضًا، إذ قال إنه قابل أميرًا وعمل تحت قيادته، واكتشفت أنه بالكاد يعرفه.
–