لماذا تحمي النمسا عميد المخابرات المطلوب خالد الحلبي

  • 2020/12/20
  • 11:17 ص

خالد الحلبي

منصور العمري

كسوريين، اعتدنا على خيبة الأمل تجاه رد فعل المجتمع الدولي على مآسينا، لكن ما قرأته ذات صباح بارد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، نقلني إلى مستوى آخر من الفزع. صادفت تحقيقًا محكمًا أجرته صحيفة “كورير” النمساوية قال إن الحكومة النمساوية، بمساعدة “الموساد” الإسرائيلي، أخفت عميد مخابرات سوريًا مطلوبًا للتحقيق من قبل السلطات الفرنسية في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

في إطار عملية “الحليب الأبيض”، وهي عملية نمساوية- إسرائيلية مشتركة، تم إخفاء خالد الحلبي في النمسا وأعطي هوية واسمًا جديدين (إسكندر). خالد الحلبي كان رئيس فرع المخابرات العامة السورية (335) في الرقة. مديرية المخابرات العامة هي أحد الأركان الأساسية الأربعة لمؤسسة التعذيب السورية التي قامت بتعذيب وإخفاء وقتل أكثر من مليون سوري منذ آذار 2011، بينهم نساء وأطفال، وهي نفس المديرية التي كان يعمل فيها العقيد أنور رسلان الذي تجري محاكمته حاليًا في كوبلنز بألمانيا بتهمة تعذيب 4000 شخص بالإضافة إلى القتل والاعتداء الجنسي. مع ذلك، كان الحلبي أعلى رتبة من رسلان وكانت لديه معرفة واسعة ومشاركة في شبكة التعذيب التابعة لنظام الأسد.

أعطت المحاكمة في كوبلنز لكثيرين منا بعضًا من الأمل والتفاؤل، ولكن يبدو الآن أن السلطات النمساوية تحاول بنشاط مواجهة تلك الجهود السورية والدولية، وتقويض الكفاح العالمي ضد الإفلات من العقاب والفظائع الجماعية بحمايتها الغريبة والمثيرة للقلق لمجرم الحرب خالد الحلبي.

في عام 2018، تحدثتُ مع ضحايا الحلبي الذين وصفوا بالتفاصيل المؤلمة اعتقالهم وتعذيبهم، وصلتهم بالمركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان (ECCHR) لدعم شكوى في النمسا ضد 24 من كبار المسؤولين في نظام الأسد. تم تقديم الشكوى من قبل المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان والمحاميين السوريين أنور البني (المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية) ومازن درويش (المركز السوري للإعلام وحرية التعبير)، وكذلك مركز إنفاذ حقوق الإنسان الدولي في فيينا. تم تقديم الشكوى نيابة عن مجموعة من الناجين من التعذيب، من بينهم مواطن نمساوي والعديد من الأشخاص الذين تم احتجازهم وهم لا يزالون قاصرين، والذين عاشوا في النمسا وألمانيا لبعض الوقت.

حماية الحلبي وإخفاؤه عن العدالة فضيحة تسلّط الضوء على انتهاك صارخ لالتزامات النمسا بموجب القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب، والنمسا دولة طرف فيها. تدرك السلطات النمساوية جيدًا أن الدول الأطراف مطالبة بمقاضاة أو تسليم مرتكبي التعذيب المزعومين عندما يتم العثور عليهم في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية. كما تطالب المادة “14” من الاتفاقية الدول الأطراف بضمان حصول جميع ضحايا التعذيب وسوء المعاملة على سبل الانتصاف والحصول على الإنصاف. تظهر هذه الفضيحة أيضًا انتهاك النمسا حق مواطنيها الدستوري في العدالة، إذ إن أحد المدعين في القضية.

إلى جانب المسؤوليات القانونية وانتهاكات القوانين، تثير عملية “الحليب الأبيض” الخوف وانعدام الثقة بين اللاجئين السوريين في النمسا، وناشطي حقوق الإنسان والمحامين السوريين الذين يعملون من أجل العدالة والمساءلة في أوروبا. الشعور العام لدى العديد من السوريين الذين تحدثتُ إليهم هو أن النمسا ترتكب انتهاكات ضد حقوق الضحايا، وتدعم مجرمي الحرب الذين عذبوهم ودفعوهم إلى مغادرة بلادهم. إنهم يشعرون أن النمسا تتجاهل بوقاحة الشكوى من جرائم الحرب، ويبدو أنها أصبحت ملاذًا آمنًا لمجرمي الحرب. المدافعون السوريون عن حقوق الإنسان الذين تحدثتُ إليهم والذين يعملون ليل نهار للمساعدة في تحقيق العدالة لمواطنيهم، صُدموا من هذه الفضيحة النمساوية- الإسرائيلية الغامضة.

أصدر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” بقيادة المحامي السوري لحقوق الإنسان، محمد العبد الله، بيانًا انتقد فيه عملية “الحليب الأبيض”، التي تقوض العدالة.

قالت لي جمانة سيف، محامية سورية في مجال حقوق الإنسان، وزميلة باحثة في برنامج التقاضي الدولي والمحاسبة في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان:

مثل هذه الأخبار محزنة ومؤسفة. كنت أتساءل لماذا لا تتعاون النمسا مع الشكوى. لا نعرف إلى أين وصلت التحقيقات، ولم نرَ شيئًا. يجب أن يكون بلد مثل النمسا، الذي لديه التزامات دولية، أكثر جدية وحرصًا على سمعته الدولية والتزاماته بالقيم الإنسانية التي ينادي بها. النمسا تجرد السوريين من الأداة الوحيدة التي لديهم الآن: العدالة الدولية.

شاركني مازن درويش، محامي حقوق الإنسان منذ فترة طويلة، خيبة أمله من موقف النمسا وتقاعسها:

بينما كنا نتوقع أن تكون النمسا شريكًا قانونيًا وأخلاقيًا في ملاحقة المجرمين، فوجئنا بأن الاعتبارات السياسية والأمنية تضع النمسا في جانب حماية مجرمي الحرب.

عبّر لي أنور البني، محامي حقوق الإنسان السوري البارز عن خيبة أمله من تصرفات النمسا وقال:

يبدو أن هناك تباطؤًا مشبوهًا ومتعمدًا تجاه الشكوى. النمسا تخفق في الامتثال لقوانين حقوق الإنسان الدولية، وتلعب دور التواطؤ مع النظام السوري في التستر على جرائمه. نلاحق خالد الحلبي منذ عامين. فشلت النمسا في تنفيذ أوامر التحقيق الصادرة عن فرنسا ودولة أوروبية أخرى، ما أدى إلى هروبه عن الأنظار.

كما أوضح لي فضل عبد الغني، رئيس “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أسباب استيائه قائلًا:

يجب على منظمات حقوق الإنسان والعدالة الدولية والأوروبية اتخاذ إجراءات لفضح ممارسات النمسا. من المفترض أن تكون دول مثل النمسا مثالًا يحتذى به من خلال الامتثال للقانون الدولي، وبالتالي فإن عدم امتثالها يشجع البلدان الأخرى المعروفة بانتهاكاتها على المضي قدمًا في انتهاكاتها.

السوريون الذين يكافحون ضد الإفلات من العقاب، ويمهدون الطريق أمام عملية عدالة شاملة للسوريين، غاضبون ومحبطون من مقاومة النمسا لجهودهم. نريد أن تتخذ الدول إجراءات لمحاسبة النمسا، بما في عن طريق تحدي امتثالها لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والإبلاغ عن أفعالها إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، واستجوابها في المراجعات الدورية للأمم المتحدة. النمسا لديها كثير من الأسئلة للإجابة عنها، ولن نتوقف عن طرحها حتى نحصل على إجابات مرضية.

المقال مترجم بتصرف عن الأصل في موقع منظمة العفو الدولية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي