حمص – أمير الحمصي
ما تزال حمص تواجه بصمود أهلها أصعب التحديات في الثورة السورية، تحديات تتراوح بين الهجوم والتحرير، إلى الصمود في وجه الإجراءات التي يمكن أن تهدف إلى موت مدينة حمص وإفراغها من سكانها الثائرين. وهذه التحديات تتطلب من شباب حمص الثائرين العمل على العديد من الجبهات، الأمر الذي جعلهم يفقدون التركيز على بعض الجبهات الضرورية والتي لها تأثير على المدى البعيد، مقابل العمل على جبهات أخرى لها تأثيرها على المدى القصير.
ولأوضح للقارئ ما أعنيه بالضبط ، سأبدأ بالتذكير بنمط تفكير ساد خلال الفترة القريبة الماضية، وهو إعطاء الأولوية المطلقة للعمل المسلح لإسقاط النظام، وهذا طبعًا دُفع له ثوار حمص؛ بداية بسبب تصدرهم للحراك السلمي في سورية دون تلقيهم دعمًا سياسيًا يذكر من أي جهة، وبسبب إجرام النظام الهمجي… وهذا أدى للكثير من العمليات الشرسة التي دارت في أحياء حمص.. والتي دفعت بسكانها لمغادرتها لأحياء أخرى لا تتعرض للقصف، وبالتالي ستكون خاضعة لسيطرة كتائب بشار.
هذا الواقع الجديد لشباب حمص جعلنا نشهد أنواع مختلفة من تصرفات الشباب الثائر في هذه المدينة، فالكثير منهم وللأسف هاجر خارج المدينة بل وخارج سورية، وقسم منهم نزح مع العائلات للأحياء الأخرى، والباقي قرر البقاء مع الثوار في جبهات القتال والدفاع معهم.
إذا استثنينا الشباب المهاجر بسبب قرارهم بالتخلي عن المواجهة المباشرة والصلة المباشرة مع الأرض الحمصية، سنكون أمام شباب يقاتلون مع الجيش الحر، وهؤلاء لا يستطيعون التفكير إلا في التخطيط للعمليات الحربية و تنفيذها… وهذا شيء ضخم عليهم وجديد، وأمر طبيعي ألايجدوا الوقت أو الامكانية للتفكير خارج نطاق هذه المعارك واستراتيجياتها.
الصنف الآخر من الشباب الثائر هو الذي يقطن في الأحياء الخاضعة لسيطرة كتائب بشار، وهي بالطبع تحمل الهمّ الثوري، وكانت أمام حاجة ملحة ويومية، وهي العمل الإغاثي الموجه لمئات الألوف من السكان الذي هجروا أحياءهم، وهؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم أمام عمل مضنٍ وجديد عليهم أيضًا… وربما يشكل هذا مبررًا لعجزهم عن التفكير خارج متطلبات هذا العمل.
لقد سادت مقولة لدى الشباب الحمصي الثائر، أن العمل في هذه الأيام هو أحد إثنين، إما العمل المسلح، أو العمل الإغاثي، ولاثالث لهما… وكانت هذه المقولة ناقصة و سببت إغفال عاملٍ مهم جدًا قامت عليه الثورة وأعطت الزخم الكبير في حمص خاصة والذي أعطى للثورة حياتها، ولولاه لما استطاعت الثورة في سورية أن تستمر.
هذا العامل… هو العامل الفكري… العامل الذي وُجِد لدى المجتمع الحمصي، والذي خلق تلك الروح الأسطورية لصمود الثوار في الشوارع… العامل الذي خلق تلك الحاضنة الإجتماعية الواسعة لدعم الجيش الحر سواء في بداية عمله وتكونه، أو عندما قرر التوسع في عملياته.
ليس من المستغرب اليوم أن تسمع التضخيم الكبير من قبل بعض الحماصنة على عناصر يدّعون أنهم من الجيش الحر، فيدّعي هؤلاء أن الجيش الحر يقوم بسرقة البيوت والمكاتب والمحال التجارية، وهذا فيه إجحاف وتضخيم كبير، يكون أساسه قيام مجموعات منفلتة استطاعت حيازة أسلحة مدّعية أنها من الثوار، لتقوم بسرقة بيتين أو ثلاثة في حي يضم مئات البيوت، لكن بعض الأنفس المريضة التي لاتؤمن أساسًا بالثورة بل حتى لا تريدها وتضع بالتالي يدها في يد عناصر النظام، هي نفسها التي تطلق هذه الشائعات وتضخمها. وربما ستسمع ببعض الحماصنة الذين أصبحوا يلقون باللوم على الجيش الحر في تهدم أبنيتهم ومساكنهم وأماكن عملهم متناسين الصواريخ وقذائف الدبابات والمدفعية التي تدك أحياءهم. وستسمع على لسان البعض من أهل حمص عبارة: «والله لم نعد نعلم أين الصح وأين الخطأ»!!…. وهذه الأفكار والأقاويل أصبح لها بيئة مواتية تستغل تخبط أهالي حمص الفكري بعد أن واجهو هذا الكم الهائل من القتل والتدمير والتهجير، وبالتالي فلن يستطيعوا الدفاع عن عناصر الجيش الحر، لأنهم فقدوا البوصلة التي كانت موجودة سابقًا، والتي كانت تحركهم بحرارة للإضراب عن العمل، أو للحض على التظاهر، أو حتى لدعم الجيش الحر بشكل مهم جدًا وهو الدعم المعنوي. يضاف لذلك انكباب الكثير من أهالي حمص المهجّرين هذه الأيام على تحصيل الليرات السورية ليؤمّنوا طعامهم ومكانًا يأوون إليه، ليضعف لديهم نتيجة لذلك الهمّ والتفكير الثوريين.
لا خلاف على أن الشباب الحمصي الثائر هو الذي خلق ذلك الوعي الفكري سابقًا… وعليه أن ينتبه إلى الخاصرة اللينة التي يستغلها النظام وأتباعه ليصطادوا في الماء العكر… وترك هذه الخاصرة دون تصدٍ للمهاجمين من خلالها، سيكون له أثر قريب.. والأهم ذلك الأثر البعيد بُعيد سقوط النظام.