يتطلع المجتمع الدولي لتنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، رسميًا في 20 من كانون الثاني المقبل، مغيّرًا السياسة الأمريكية الخارجية للرئيس، دونالد ترامب.
وعلى صعيد الملف الإيراني، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم في آذار 2015، كما فرض ترامب عقوبات أممية على إيران عن طريق تفعيل “آلية سناب باك”، في 20 من آب الماضي.
و”سناب باك” هي آلية تتيح فرض كل العقوبات الأممية على إيران، إلا أن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (أعضاء مجموعة دول “5+1”) رفضت العقوبات، معتبرة أنها تفتقد إلى السند القانوني، فضلًا عن فرض أمريكا عقوبات اقتصادية شملت القطاع المالي والنفطي، في 8 من تشرين الأول الماضي.
ووصل الصراع إلى أشده بالنسبة لإيران التي قالت إنها لن تستسلم لـ”بلطجة” الولايات المتحدة، على لسان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي أبدى استعداد بلاده للعودة إلى الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة للاتفاق النووي، مشترطًا التزام الأعضاء الآخرين بتعهداتهم.
ماذا بالنسبة للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن؟
ذكر تقرير لوكالة “رويترز” حول العلاقات الأمريكية- الإيرانية بعد عهد ترامب، أن الاتفاق النووي الذي وافقت عليه واشنطن عندما كان بايدن نائبًا للرئيس السابق، باراك أوباما، لن يحدث الآن بين “عشية وضحاها”، رغم تعهد بايدن بالعودة إليه إذا امتثلت إيران للاتفاق، حسب رأي الدبلوماسيين والمحللين الذين قابلتهم الوكالة.
وعللوا عدم عودة الاتفاق بسهولة بأن الطرفين المتخاصمين لا يثقان ببعضهما، وكلاهما سيفرض شروطًا إضافية للاتفاق، حسب التقرير.
وقال بايدن، عبر مقال نشره في “CNN“، في أيلول الماضي، إن “دونالد ترامب وعد الأمريكيين عندما ترشح للرئاسة بـ(صفقة أفضل) مع إيران لكبح جماح برنامجها النووي وسلوكها العدواني في الشرق الأوسط”.
لكن ترامب تخلى عن البرنامج النووي وفرض العقوبات، وهذا ما وصفه بايدن بـ”تخلص متهور من سياسة كانت تعمل على الحفاظ على أمن أمريكا، واعتماد سياسة أدت إلى تفاقم التهديد”.
ويرى بايدن أن صفقة الاتفاق النووي التي جرت في عهد أوباما “كانت ذكية”، ووضعت أعين وآذان العالم داخل برنامج إيران النووي.
وذكر بايدن في المقال الخطوات التي سيتبعها مع الملف الإيراني عند تسلّمه الرئاسة، منها:
- منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
- عودة المسار الدبلوماسي مع طهران، فإذا امتثلت الأخيرة بصرامة للاتفاق النووي ستنضم الولايات المتحدة لمتابعة المفاوضات مع الحلفاء من الدول الأوروبية.
- العمل على ملف المعتقلين الأجانب والسياسيين في إيران، بالإضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان.
- العمل مع الشركاء في المنطقة لتقليل التوترات، والمساعدة في إنهاء النزاعات الإقليمية.
- اتخاذ خطوات للتأكد من أن العقوبات الأمريكية لا تعرقل مكافحة إيران فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
ويرى بايدن وفريقه للأمن القومي أنه بمجرد عودة الاتفاق من كلا الجانبين، يجب أن تكون هناك جولة من المفاوضات للسعي لإطالة مدة القيود المفروضة على إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب.
كما يجب التعامل مع أنشطة إيران الإقليمية “الخبيثة”، من خلال وكلائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن، بحسب مقال نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز” في 2 من كانون الأول الحالي، ترجمته عنب بلدي.
وأشار المقال إلى أن فريق بايدن يود للاتفاق النووي أن يشمل أيضًا “جيران إيران العرب، ولا سيما الإمارات والسعودية”، وفق الصحيفة.
هل تتنفس إيران الصعداء؟
وصف وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، سياسة ترامب الخارجية بأنها “كانت من بين أكثر السياسات غير الناجحة في تاريخ الولايات المتحدة”، وأفاد أن “الاقتصاد المحلي عانى من خسائر في ظل عقوبات ترامب”.
أما بعد فوز بايدن فأظهرت إيران استعدادها للعودة إلى الاتفاق النووي، وقال ظريف، في 10 من كانون الأول الحالي، إن “بايدن يعلم أنه مضطر للعودة إلى الاتفاق النووي”، مؤكدًا أنه “ليس بإمكانه التطرق إلى بعض القضايا في سياق العودة، بما في ذلك القضايا الصاروخية الإيرانية”.
وذكر ظريف أن على واشنطن تنفيذ تعهداتها وإلغاء العقوبات، إضافة إلى إنهاء إجراءات ترامب التي انتهكت القرار “2231“، مشيرًا إلى أن تنفيذه وعودة طهران إلى التزاماتها أمر ممكن وليس بحاجة إلى مفاوضات أو فرض شروط.
الأمر الذي أكده المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي الربيعي، في 8 من كانون الأول الحالي، بأنه ليس من الممكن لأمريكا أن تفكر في مفاوضات جديدة قبل عودتها إلى النقطة ذاتها التي تملصت فيها من التزاماتها.
وأفادت تقارير أن إيران مستمرة بشكل مكثّف في توسيع برنامجها النووي، ردًا على العقوبات الأمريكية، إذ عزمت على تركيب أجهزة طرد مركزي إضافية ومتطورة لتخصيب اليورانيوم في منشأة “نطنز”.
وذلك بالتزامن مع تصديق البرلمان الإيراني في 1 من الشهر الحالي على قانون يقضي برفع تخصيب اليورانيوم إلى 20%.
وصرّح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، لـ”رويترز“، في 17 من كانون الأول الحالي، أن “هناك خروقات كثيرة من طهران بحيث يتعذر العودة إلى ما كان عليه الاتفاق بمجرد تولي الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، منصبه الشهر المقبل”.
كيف سيصل الطرفان إلى نقطة الاتفاق؟
حول موضوع إتمام الاتفاق بين الجانبين الأمريكي والإيراني، قال المختص بالشأن الأمريكي محمد غانم، في حديث إلى عنب بلدي، “كانت هناك آراء لبعض الأشخاص ضمن فريق بايدن حول إعادة صياغة بعض البنود والشروط مع إيران قبل إتمام الصفقة، لكن هذا الأمر لا يتفق بايدن شخصيًا معه، وكذلك وزير خارجيته أنتوني بلينكن”.
وأشار غانم إلى أنه يجب على إدارة بايدن إعادة المفاوضات قبل الانضمام إلى الاتفاقية وليس بعد، “وإلّا ما الحافز الذي سيكون لدى إيران للتفاوض من أجله إذا كانت بالفعل قد حصلت على ما تريده”، حسب غانم.
وأضاف أنه “بغض النظر عن الرقص الدبلوماسي، فإن الأمور مرشحة جدًا لعودة المياه إلى مجاريها كما كانت في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، إذ أعرب النظام الإيراني بكل صراحة عن سعادته لخروج ترامب من السلطة”.
وحول تصريحات كبار الشخصيات في إيران، كتصريحات خامنئي ووزير الخارجية، جواد ظريف، المتعنتة بخصوص الاتفاق النووي، قال غانم، “هذه التصريحات تبقى فقط مصممة للاستهلاك المحلي الشعبي الداخلي، إضافة إلى إرسال بعض الرسائل الخارجية”.
ويتفق أيضًا مع هذا الأمر خبير الشأن الإيراني ومدير مركز “سلمان زايد للدراسات”، هشام البقلي، إذ قال لعنب بلدي، إن “التصريحات الإيرانية دائمًا تخالف الواقع”.
وأوضح البقلي أنه رغم المماطلة التي من الممكن أن تحصل من الجانب الإيراني، سيتم الاتفاق كما حدث في عام 2015.
كما يتوقع البقلي تنازلات من الجانب الأمريكي لشروط الاتفاق، نظرًا إلى أهميته بالنسبة للحزب “الديمقراطي” الذي عبّر عن رفضه الشديد لسياسة ترامب السابقة.
ونوّه إلى أن الاستراتيجية الخاصة بالديمقراطيين في التعامل مع الشرق الأوسط تحتم عليهم وجودًا إيرانيًا قويًا في المنطقة، كالذي كان في عهد أوباما.
انعكاسات الاتفاق على الشرق الأوسط
قال المختص بالشأن الأمريكي محمد غانم، في تقريره لـ”معهد هوفر البحثي“، إنه يجب على إدارة بايدن إعادة التفاوض على شروط الاتفاق مع إيران لمعالجة “عدوان” الأخيرة في أنحاء الشرق الأوسط.
إذ ينبغي الحد من النفوذ الإيراني الذي يشكل تهديدات في المنطقة من خلال الأسلحة الفتاكة والشبكة الواسعة من الميليشيات المنتشرة في المنطقة.
وأوضح غانم، في حديثه لعنب بلدي، أن إيران متأزمة ماليًا، وإن رفعت العقوبات عنها ستشهد تحسنًا في الوضع الاقتصادي، وسيكون باستطاعتها تصدير النفط مرّة أخرى.
والانتعاش الاقتصادي لإيران خطير برأي غانم، إذ يمثل عودة نشاط التمويل الرئيس لمناطق نفوذها.
وفي المقابل، قال هشام البقلي، إن حالة الارتعاش والرعونة الدولية في التعامل مع الطرف الإيراني تجعله يتغلغل اقتصاديًا وعسكريًا، فالولايات المتحدة عندما تفرض العقوبات على إيران لا تلتزم بعض الدول بها.
ومن المتوقع أن يكون هناك غض للطرف من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة عن بعض العقوبات، ما سيقوي نفوذ إيران أكثر في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
–