ما “العدالة التصالحية” التي ذكرها بيدرسون واعترض أعضاء اللجنة الدستورية عليها
نفى بيان أعضاء قائمة “المجتمع المدني” في اللجنة الدستورية السورية، استخدام مصطلح “العدالة التصالحية” في أي من مداخلاتهم خلال تقديمها في إحاطة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون.
وفي سياق مناقشة موضوع عودة اللاجئين، الأربعاء 16 من كانون الأول، استخدم ستة من أعضاء “المجتمع المدني” مصطلح “العدالة التعويضية” للتأكيد على حق اللاجئين باسترداد ممتلكاتهم العقارية التي حُرموا منها بطرق تعسفية وغير قانونية.
وأوضح البيان أن ذكر هذا المصطلح جاء في السياق التالي: “(…) وضمان حقوقهم (حقوق اللاجئين) في أن يستعيدوا أي مساكن أو أراضٍ أو ممتلكات حُرموا منها بطريقة تعسفية أو غير قانونية. وأن يعتبر الرد سبيل الانتصاف المفضل وعنصرًا أساسيًا من عناصر العدالة التعويضية”.
وطالب الأعضاء الأمم المتحدة بتوخي الدقة في المصطلحات المستخدمة على لسان أعضاء قائمة “المجتمع المدني”، وألا تقدم مداخلاتهم على أنها هامشية.
وقال بيدرسون خلال مناقشة عودة اللاجئين، إن أعضاء من قائمة “المجتمع المدني” قدموا نقاطًا تتعلق بعودة اللاجئين الطوعية والكريمة والقضايا المتعلقة بها، ومنها “إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، والآليات الدستورية المستقلة والحيادية ذات الصلة”، وفي هذه النقطة أثار مصطلح “العدالة التصالحية” كثيرًا من الجدل والتساؤلات، خصوصًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ما “العدالة التصالحية”
يقصد بتعبير “العدالة التصالحية” (restorative justice) العملية التي يشارك فيها الضحية والجاني، وعند الاقتضاء أي من الأفراد أو أعضاء المجتمع المحلي الآخرين المتضررين من الجريمة، مشاركة نشطة لتسوية المسائل الناشئة عن الجريمة، بمساعدة من طرف ثالث وهو “ميسّر” تلك العملية.
ويقصد بتعبير “ميسّر” الشخص الذي يتمثل دوره في أن ييسّر، بطريقة منصفة ونزيهة، مشاركة الأطراف في “العملية التصالحية”.
والطرف الميسّر يكون مؤسسات الدولة، إذ تُشرف الدولة على هذه العملية، ويمكن أن تكون طريقة تنفيذ نتائجها عن طريق الدولة أو منظمات غير حكومية.
تمنح هذه العملية الفرصة للضحية للحديث عن الجريمة، ويمكن للأطراف شرح كيفية تأثيرها عليهم، والبحث عن تأكيدات كي لا تتكرر مرة أخرى، والاتفاق على كيفية إصلاح الضرر الناجم عن الجريمة.
واستمرار تطوير عمليات “العدالة التصالحية” وتطبيقها يعني أنه من المستحيل منح تعريف شامل وحيد لهذا المصطلح، وفقًا للأمم المتحدة، وقد تختلف العمليات التي تعرّف بأنها عمليات “تصالحية” في جوانب مهمة من قبيل ضرورة أو استصواب القصاص والعقاب، ومدى ضرورة مشاركة الأطراف المتأثرة وتفاعلها، ودرجة التركيز على الضحايا.
وعلى الرغم من هذه الاختلافات، ترتبط عدة سمات بصورة عامة بعمليات “العدالة التصالحية”، ومن بين هذه السمات توفير فرصة لتشاطر التجارب، والتركيز على إصلاح العلاقات، وشرط الاعتذار والتعويض، ومشاركة الأطراف بنشاط في التفاوض على تسوية عادلة، والتشديد على إقامة الحوار بين الأطراف.
وتوضع “العدالة التصالحية” بسياق، وتحت مظلة، “العدالة الانتقالية” كجزء أساسي منها.
و”العدالة الانتقالية” ليست منهجًا في العدالة بتسميتها القانونية، ومفردة “العدالة” في التسمية رمزية عامة وليست أحد المناهج القانونية في أنظمة العدالة، وفق ما ذكره الناشط الحقوقي السوري منصور العمري عبر صفحته في “فيس بوك”.
وذلك بخلاف “العدالة التصالحية” التي هي منهج قانوني، فـ”العدالة الانتقالية” هي عملية سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وقانونية، والشق القانوني فيها متعلق بالعدالة الجنائية والمحاكمات، والعدالة الجنائية فيها عدة مدارس ومناهج أحدها اسمه “التصالحية”، وفق العمري.
وهذا المنهج في العدالة الجنائية يميل لإشراك الضحايا بعملية محاسبة الجناة بطرق غير العقوبات، ولا يطبق إلا بموافقة الضحايا وتكون نتيجته مشروطة.
وتستخدم بلدان مثل السويد وهولندا وكندا “العدالة التصالحية” في جزء من عدالتها الجنائية، ولكن ليست بديلًا كاملًا بل بالترافق مع العدالة الجنائية القائمة على العقوبة (المحاكمات)، وفق العمري.
وفي سياق “العدالة الانتقالية” يمكن استخدام مبدأ “العدالة التصالحية” بالترافق مع مبادئ أخرى، مثل “عدالة تصالحية” على المستوى المجتمعي، مترافقة بعدالة جزائية تشمل محاكمة مرتكبي “جرائم الحرب” في سوريا، بحسب العمري.
وعلى الرغم من أن المتخصصين في القانون قد تكون لهم أدوار ثانوية في تسهيل عملية “العدالة التصالحية”، فإن المواطنين في المجتمع المحلي هم الذين يجب أن يتحملوا أغلبية المسؤولية في معالجة الأضرار التي تسببت بها الجريمة.
وبدأ الاهتمام بفكرة “العدالة التصالحية” على المستوى الدولي لأول مرة بصفة رسمية عام 1990 في مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، وذلك من خلال مناقشات ومداخلات المنظمات غير الحكومية في الجلسات الجانبية المنظمة على هامش المؤتمر.
ويقصد بتعبير “ناتج تصالحي”، الاتفاق الذي يتوصل إليه نتيجة للعملية التصالحية، وفق “المبادئ الأساسية لاستخدام برامج العدالة التصالحية في المسائل الجنائية“، وتشمل “النواتج التصالحية” ردودًا وبرامج، مثل التعويض ورد الحقوق والخدمة المجتمعية، بهدف تلبية الاحتياجات والمسؤوليات الفردية والجماعية للأطراف، وتحقيق إعادة اندماج الضحية والجاني في المجتمع نفسه.
وتعتبر “العدالة التصالحية” صيغة مجتمعية لرد الحقوق لأصحابها، وتسوية النزاعات الناشئة عن الجريمة وإنهائها.
وقال الحقوقي منصور العمري، في منشوره، إن المشكلة لا تكمن في “العدالة التصالحية”، إنما “جزء من الجدل الحالي يحاول فهم لماذا ذكر بيدرسون مصطلح العدالة التصالحية، بينما ينكر أعضاء في اللجنة الدستورية أنهم ذكروا هذا المصطلح. هذا الجدل للوصول إلى الحقيقة، المفترض أن نكون بغنى عنه، لو احترم بيدرسون حق المعرفة للسوريين، وسمح بتغطية صحفية للجلسات، ولو احترم أعضاء اللجنة حق السوريين بمعرفة مصيرية من هذا النوع”.
وقالت “هيئة القانونيين السوريين”، في بيان نشرته عبر صفحتها في “فيس بوك” اليوم، الخميس 17 من كانون الأول، إن إدراج مصطلح “العدالة التصالحية” يأتي في سياق عمليات السلام التي تسعى إلى إنهاء النزاعات المسلحة الداخلية، و”العدالة التصالحية” ترتكز في الأساس على الضحية والاهتمام بها والالتفات إلى حاجياتها، وعلى جبر الضرر التي تسببت به الجريمة، وكذلك الاهتمام بالأطراف الأخرى (الجاني والمجتمع)، من خلال السعي إلى استعادة السلم الاجتماعي.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :