هل اقتربت أميركا من الانتصار في سوريا؟
أفاد مسؤول كبير من وزارة الخارجية الأميركية أمام إحدى لجان الكونغرس في الأسبوع الماضي، بأن الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا، وانسحاب القوات الإيرانية من هناك، مع الوصول إلى حل سياسي دائم للأزمة السورية، باتت جميعها في «متناول الأيدي». وعندما فكرت ملياً فيما قاله ذلك المسؤول الكبير، مع مقارنة ذلك مع المقابلات الصحافية التي أجريت مع زميلي الأسبق السفير جيمس جيفري الذي تقاعد لتوه من مهام منصبه، فإنني أرى ضغوطاً متزايدة في الوقت الذي لا ألمس فيه أي إنجازات تساعد الجانب الأميركي على المدى البعيد، أو ربما تساعد السواد الأعظم من المدنيين السوريين في شيء.
وصرح مسؤولان أميركيان بصورة غير مباشرة بأن الوجود العسكري الأميركي في شرق سوريا لم يعد في حقيقة الأمر يتعلق بمحاربة تنظيم «داعش» كما هو معلن. فلقد قال السيد جيفري بكل وضوح: «لقد أسقطنا (داعش) ولم نغادر أماكننا هناك». ولا تزال القوات الأميركية تسيطر على حقول النفط السورية الصغيرة في محافظتي الحسكة ودير الزور في شرق سوريا من أجل مواصلة الضغوط المالية على حكومة بشار الأسد في دمشق، كما ترغب الحكومة الأميركية من الميليشيات الكردية السورية التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية» أن تستفيد من العائدات النفطية هناك. فهل تلاحظون حالة عدم الالتزام السياسية لدى إدارة الرئيس دونالد ترمب في دعم وتمويل قوات سوريا الديمقراطية؟
ومما يُضاف إلى ذلك، صرح الفريق الرئاسي التابع للرئيس ترمب بأن العقوبات الدولية على النظام السوري، بما في ذلك «قانون قيصر» للعقوبات الأميركية، تزيد من وطأة الضغوط الاقتصادية على النظام السوري مما يعتبر مؤشراً واضحاً على النجاح الأميركي هناك. ولا أفهم – في حقيقة الأمر – لماذا يعتبر اصطفاف المواطنين السوريين في طوابير طويلة ومرهقة من أجل شراء الاحتياجات الأساسية مثل الخبز والوقود من إنجازات ونجاحات الولايات المتحدة، فإن كان الغرض من وراء ذلك هو إجبار بشار الأسد على تقديم تنازلات، فإن الحقيقة تعكس بوضوح أنه لا يزال يرفض تنفيذ الإصلاحات السياسية الجادة. وفي نهاية الأمر، فإن نظام الأسد وزمرته الفاسدة لا يمكنهم بحال قبول إملاءات الإصلاح والمساءلة. وتأمل الحكومة الأميركية في أن ينبع التغيير من داخل النظام السوري نفسه. غير أن انسحاب رامي مخلوف من الزمرة السورية المقربة من الرئيس ينبغي أن يعتبر درساً واضحاً تتلقاه واشنطن. وفي نهاية الأمر، فإن الطوابير الطويلة من أجل شراء الخبز تعني المزيد من معاناة المدنيين السوريين، ولكن مثل هذه الصفوف الممتدة لا تعني أبداً أن هناك صفقة سياسية وشيكة أو انتصاراً أميركياً بات «في متناول الأيدي»!
تساند أغلب الطبقة السياسية في واشنطن فرض العقوبات على النظام السوري، غير أنهم يسارعون في نفس الوقت إلى الزعم بأن العقوبات الاقتصادية غير ذات تأثير على المدنيين السوريين العاديين. وبطبيعة الحال، فإن سوء الإدارة الاقتصادية هي من المشكلات السورية العريقة، بيد أن العقوبات الأميركية تزيد من وطأة المشاكل الاقتصادية على المواطنين السوريين وتحيل أوضاعهم المعيشية من سيئ إلى أسوأ. أولاً، تحول تلك العقوبات تماماً دون الاستثمار في البلاد. وفي غياب المشاريع الجديدة وإعادة البناء والإعمار، لن يتمكن المواطن السوري العادي من العثور على وظائف جديدة، فضلاً عن تدهور الخدمات الرئيسية المهمة مثل المياه والكهرباء. ثانياً، تعيق العقوبات الأميركية التجارة في البلاد مع عرقلة قدرة الحكومة السورية على تلقي القروض الأجنبية ورؤوس الأموال اللازمة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض سعر صرف الليرة السورية مع رفع أسعار الواردات الأساسية مثل النفط والمواد الغذائية. ينبغي على المعسكر المؤيد للعقوبات الاقتصادية في واشنطن أن يلتزم المصداقية بأن العقوبات تزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية. إذ تعكس التقارير الواردة في الصيف الماضي عن منظمة «أوكسفام» البريطانية للمساعدات الإنسانية وعن البروفسور جوزيف ضاهر، أن العقوبات الاقتصادية تُرهب المصارف حتى تُحجم عن المجازفة بتحويل الأموال لصالح مشاريع المساعدات الإنسانية في سوريا.
ماذا عن تنظيم «داعش» الإرهابي؟
مما يؤسف له، هناك فجوة كبيرة في الاستراتيجية الأميركية لمواجهة «داعش» في سوريا. فلقد أصبح التنظيم الإرهابي أكثر ضعفاً ووهناً إلى شرق الفرات الذي تسيطر عليه القوات الأميركية وشركاؤهم من قوات سوريا الديمقراطية. وبلغ الضعف بذلك التنظيم أنه لا يستطيع السيطرة على الأراضي هناك، وذلك وفقاً إلى تقرير صادر عن مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية في الشهر الماضي. (وهكذا يستمر وجود القوات الأميركية في سوريا ليس لحماية حقول النفط من عناصر (داعش) فحسب، وإنما للحيلولة دون استيلاء الروس ونظام بشار الأسد عليها). ومع ذلك، فإن قوات «داعش» إلى غرب الفرات هي أقوى من شرقه، وتواصل شن الهجمات على القوات الموالية لبشار الأسد هناك، حتى أن عناصر التنظيم الإرهابي نجحت في اغتيال جنرال روسي كبير في منطقة الجزيرة في شهر أغسطس (آب) الماضي.
إذا كان وجود «داعش» إلى شرق الفرات يمكن أن يشكل تهديداً ضد المصالح الغربية في المستقبل، فإن قوات التنظيم الأقوى إلى غرب الفرات تشكل مثل هذا التهديد سواء بسواء. وليس لدى الحكومة الأميركية من رد واضح على هذا التحدي. ويفيد تقرير مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية بأن القوات العسكرية الموالية لنظام الأسد قد رفعت من معدلات العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» في الصيف الماضي. ومن المفارقات الواضحة أن العقوبات الاقتصادية الأميركية تقلل من الموارد المتاحة أمام الحكومة السورية لمحاربة تنظيم «داعش».
كما يواصل النظام السوري أيضاً الهجوم على محافظة إدلب مع مقتل المزيد من المدنيين السوريين بصورة يومية. إنه نظام وحشي مسؤول عن الكثير من جرائم الحرب والمجازر المدنية. ولكن، ليس هناك في سوريا ما يمكن وصفه باليسير أو البسيط. ففي نهاية الأمر، تؤدي الإجراءات الأميركية الرامية إلى إجبار نظام الأسد على تقديم التنازلات السياسية ووقف الهجمات على المدنيين إلى إلحاق المزيد من الأضرار بالمدنيين السوريين أنفسهم، فضلاً عن تعقيد مجريات القتال ضد التنظيم الإرهابي هناك.
مع بدء فريق الرئيس المنتخب جوزيف بايدن في العمل اعتباراً من الشهر المقبل، فإنهم في حاجة إلى التفكير العميق في حقيقة الأولويات الأميركية في سوريا، والآثار المترتبة على سياسات إدارة الرئيس ترمب هناك، وحقيقة ما يمكن – وما لا يمكن – للولايات المتحدة إنجازه على أرض الواقع في سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :