الشاعر المثنى الشيخ عطية لعنب بلدي: أجواء الحرية تمنح الأدب قدرة الإبداع

  • 2020/12/17
  • 1:41 م
الروائي والشاعر السوري المثنى الشيخ عطية (تعديل عنب بلدي)

الروائي والشاعر السوري المثنى الشيخ عطية (تعديل عنب بلدي)

حوار: أسامة آغي

يشكل الشعر والرواية عاملًا أساسيًا في حياة الشعوب على صعد عدة، ثقافيًا وسياسيًا، ويمتد أثرها على حياة المجتمعات، وهو ما يخيف الأنظمة الديكتاتورية في سوريا وغيرها، خاصة مع قدرة الشعر والرواية على تكثيف الواقع، لذا تحاول هذه الأنظمة خلق حدود لهذه العوالم، وهو ما يدفع الكتّاب للجوء إلى الرموز لتحاشي الرقابة والحصار، وبالتالي يؤثر ذلك بشكل مباشر على المنتج نفسه وتأثيره على القراء والمجتمع.

هذا الواقع الصعب عاشه الكتّاب السوريون على اختلاف تخصصاتهم، ومن بينهم الشاعر المثنى الشيخ عطية الذي التقته عنب بلدي، وطرحت عليه أسئلتها حول اللغة الشعرية واختلافها عن لغة الرواية وتأثّر كل منهما بالاستبداد.

لغتي في الشعر والرواية واحدة

تختلف اللغة الشعرية عن اللغة المستخدمة في الرواية، مع اختلاف الهدف والقوالب والطريقة والمضمون بطبيعة الحال ومدارس كل منهما، وهو ما يؤثر أحيانًا لدى الأدباء ممن يتجهون لكتابة الشعر أو العكس.

ويرى الشاعر والروائي السوري المقيم في باريس، المثنى الشيخ عطية أن لغة الشعر تختلف عن لغة الرواية، وتجربته في التحوّل من الشعر إلى الرواية تقول إن الشعراء الذين يتجهون إلى كتابة الرواية يعانون من شدّة كثافة وتركيب الجملة الشعرية لديهم عند احتياجهم للانبساط الذي تتطلبه لغة الرواية، ويتطلبه تطور الشخصيات، وتفاعلها مع مسرح الرواية.

ويعتقد الشيخ عطية أن تقنيات النص الروائي وتداخل الأزمنة، والعديد من العناصر التي تشكّل إرباكًا للغة الروائية، يمكن أن يدفعها إلى القصور، إن لم يكن الفشل. 

لكن الشيخ عطية، الذي صدرت له عدة دواوين شعرية وروايات، يرى أن الكثير من الروايات التي يكتبها شعراء يوظفون لغة الشعر، تنجح وتتفوق، وبرأيه فإن ذلك يمنحها أبعادًا أخرى من المتعة يمكن أن تصل فيها اللغة نفسها إلى أن تكون أحد أبطال الرواية الذين يمنحونها الغنى.

وعادة ما يتأثر الشاعر أو الأديب عندما يدخل مضمار التجارب الأدبية المختلفة، ويشمل التأثير لغته وأسلوبه في المقام الأول، بينما يرى الشيخ عطية أن لغته لم تتغير في كتابته للشعر أو للرواية.

وأضاف، في حديثه لعنب بلدي، أن رواية “سيدة الملكوت” كُتبت بلغة شاعرية، فقد راهنت الرواية على الشعر وكسبت الرهان، كما يقول الناقد نديم جرجورة.

وأوضح الكاتب المولود في مدينة دير الزور (شرقي سوريا) أنه واجه في بداية تأليفه للرواية “إشكالات اللغة”، وساعده في تجاوزها أن بطل روايته شاعر، واصفًا إياه بـ”العاشق ومشروخ الشخصية، بفعل طفولة أسطورية، شهد فيها ما يفعل قهر الرجال للنساء، من قهر لأنفسهم إلى حد الإخصاء”.

وصدرت الرواية في عام 2006 عن الدار “العربية للدراسات والنشر” في العاصمة اللبنانية بيروت، وتدور حول قصة حب في مدينة دير الزور.

ويرسم الشيخ عطية حدود اللغة في روايته بالقول، إن بطل الرواية “يعيش الحب وعطالة الحب، وتتكشف الأنوثة في حركة ورموز الآلهة الأمومية داخل تفاصيل واقع الفرات”.

وبرأي عطية، فهذا الأمر له علاقة بحركة داخل الشخصيات التي يُعنى بها الشعر. ويؤكد أن لغته في الشعر هي ذاتها في الرواية.  

الرموز والإسقاطات وتجاوز الاستبداد

مع سيطرة حافظ الأسد على السلطة في سوريا عام 1971 بشكل مطلق، حاربت الأجهزة الأمنية الكتّاب والمثقفين السوريين، وزجت بالعشرات منهم بالسجون، وفرضت الرقابة نفسها على المؤلفات الإبداعية بشكل صارم، وهو ما دفع الكتّاب والشعراء إلى الاستعانة بالرمز في الروايات والقصائد، وتفادي الحديث عما يريدونه بشكل مباشر، وامتد هذا الأمر إلى جميع الأعمال الفنية بما فيها السينما.

ويعتقد المثنى الشيخ عطية أنه يمكن للكاتب أن يجد معادلات تحافظ على إبداعية عمله، باستخدام الرموز والإسقاطات، واستبدال مسارح الأحداث والشخصيات، لكنه في المقابل يحذّر من الوقوع في التطبيل، ومهادنة الاستبداد، أو الوقوع في براثن “مكاسبه التافهة”، لأنه سيفقد احترامه لنفسه.

ويرى الشيخ عطية أن ذلك لو حدث سيُفقد المبدع إبداعه، وأن الكاتب الصحفي، وبالأخص الذي يعمل في أبواب الثقافة والأدب، يجب أن يكون صحيفة داخل الصحيفة، وإلا فعليه المغادرة والبحث عن صحيفة أخرى أقرب إلى قناعاته، التي تحافظ على إبداعه.

وسبق للشيخ عطية أن عمل محررًا، ثم مديرًا للتحرير في عدد من الصحف العربية.

وحول رؤيته عن الكتابة الإبداعية وظروف الواقع، قال الشيخ عطية لعنب بلدي “يختلف الكتّاب في طبيعة إنتاجهم بتصوير الواقع، وفضح الاستبداد، وقد ينجح كتّاب يبتكرون معادلات لتفادي الطرد من وظائفهم أو الاعتقال، ويستمرون بالإنتاج الأدبي”.

وأضاف، “لكن تبقى الحقيقة جلية، وهي أن أجواء الحرية تمنح الأعمال الأدبية إبداعًا أكبر من كل ما تقوم به معادلات التوفيق”.

بينما وصف تجربته في سوريا بأنها بأنها تحت نارين، “لم أستطع تفادي المنفى والاعتقال، لكوني كنت عضوًا قياديًا في الحزب الديمقراطي، الأكثر راديكالية في سوريا”.

ويشرح معاناته من خلال طرده من عمله في مجلة “المعرفة” السورية التي تصدر عن وزارة الثقافة، واضطراره للتنقل والعمل في صحف مختلفة من “الشرق الأوسط” و”شهرزاد الجديدة”، إذ وصل تناقضه مع سياستها إلى “استحالة الاستمرار”.

وبرأيه، فإن الكاتب معرض لتهديد فقدان مورد رزقه إضافة إلى التنكيل السياسي، إن تجاوز ما يفرضه نظام الاستبداد على الكتّاب من حدود. 

تباينات واغتراب

في المنفى يعيش الكاتب التناقضات بين وطنه الأم ومنفاه، وتنعكس التجربة الجديدة على أسلوبه وأفكاره وإنتاجه الأدبي، وذلك بسبب التباينات بين الوطن والمنفى.

وقال المثنى الشيخ عطية، وهو حاصل على شهادة الهندسة الزراعية من جامعة “دمشق”، “التباينات موجودة بالتأكيد، بين مجتمع يعيش في ظل ديمقراطية عريقة متنورة، ومجتمع يعيش في ظل استبداد مريع”.

ووصف الشيخ عطية تجربته بالقول، “لم أعش هذا الاغتراب سواء في وطني، حيث كنت أعمل ضد الاستبداد، أو في المجتمع الفرنسي لكوني مشبعًا بالثقافة الأوروبية”، موضحًا الأمر بأنه ليس “أوتوسترادًا” للثقافة من شأنه أن يزول بتأثير الهزّات الحياتية والنفسية، بل كتفاعل عميق وانصهار، بحسب رأيه.

واعتبر الشيخ عطية أنه لا يزال يعيش ارتباطًا عميقًا بوطنه سوريا، لدرجة عدم قدرته على الحياة من دون الكفاح لتحريرها.

مقالات متعلقة

لقاءات

المزيد من لقاءات