جريدة عنب بلدي – العدد 39 – الاحد – 18-11-2012
مرّ عامٌ، وما ينبغي أن يمر هكذا، وزارتنا ذكرى ما ينبغي لمسلمٍ يقتدي بنبيه عليه الصلاة والسلام، ولا لعاقلٍ يأخذ الحكمة من العظماء، أن تمر به دونما وقفة. مرت بنا ذكرى هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تلك الحادثة التي كانت بكل تفاصيلها حِكمًا بها يُقتدى، وبكل أحداثها عبرًا بها يُحتذى… كيف لا، وقد كانت فاصلًا بين شطرين من دعوة هذا النبي الكريم، ولولا عِظمِها لما أرّخ بها سيدنا عمر بن الخطاب.
لقد أذن الله تبارك وتعالى لنبيه الكريم بالهجرة، بعد ثلاث عشرة سنة من جهاد الدعوة، بعد أن اُستضعِفَ عليه الصلاة والسلام في بلده وظُلم، ومُنع من حرية الاعتقاد والدعوة، وأُوذي وأصحابُه في سبيل الله. وما كان خروجه من بلده هينًا على نفسه «والله إنك أحب بلاد الله إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت». ولم تغب ذكرى بلده عنه في المدينة، بل كان الفتح الأكبر والفرحة الكبرى لما عاد إلى بلده، فالوطن هو الإنسان، والإنسان هو الوطن… فما الإنسان سوى أيامٍ عاشها في بلده، ثم مرّت فصارت ذكريات، فصار يحنّ إلى نفسه، يحنّ إلى أيامه، يحنّ إلى ذكرياته، حلوها ومرها… تفيض العين عند ذكر الوطن والإنسان يعيش فيه، فكيف حال من أُخرج منه؟؟ وصدقت العصفورتان اللتان أنطقهما أحمد شوقي وكانتا في الحجاز وطنهما، ثم جاءت الريح لتصفَ لهما اليمن وما فيه من جِنان فقالتا:
هبْ جنةَ الأرضِ اليمن لا شيء يَعْدِلُ الوطن
خرج النبي عليه الصلاة والسلام متوكلًا على الله تعالى وقد أخذ بالأسباب، إذ أن لله تعالى سننًا جارية، وسننًا خارقة، وما أمرنا ربنا إلا أن نعمل وفق السنن الجارية، فنأخذ بالأسباب، نخطط وننظر ثم نعمل ونتقن العمل، ونعطي كل اختصاص حقه، فهذا النبي الكريم، عندما خرج وقصد المدينة ورّى عن ذلك، فالمدينة شمال مكة، ولكنه اتجه جنوبًا، وأعدّ دليلًا، واتخذ خليلًا، وجهّز رواحل وزادًا يكفي، ليكون كلُ عملٍ من أعماله -في هذه التجربة- مدرسةً لنا، وكأنه عليه الصلاة والسلام يقول: لا تنتظروا السنن الخارقة، إذ أن الله تعالى لم يضع هذا النظام الكوني لنعمل بما يخالفه، بل هو نظام ثابت لن نجد له تبديلًا، ولن نجد له تحويلًا، فإذا ما هُزمنا في معركة فعلينا ألا نذهب لقراءة البخاري ومسلم لنتبارك بالقراءة فقط علّنا ننتصر بذلك!!! بل علينا أن نبحث عن سبب الهزيمة لنغيره، ومكان الخلل لنصلحه، وموضع التقصير لنتلافاه، فنُعِدّ العدة، من سلاح ورجال وإعداد النفوس، ووضع الخطط وفق خبرات واستطلاعات وإحصاءات ونظرة بعيدة شاملة متكاملة. وإذا ما أردنا أن نقوّي اقتصادنا فعلينا ألا نجلس في زاوية المسجد للدعاء دونما عمل، بل اعقل وتوكل. في الاقتصاد كوّنوا خبراء أفذاذ واقتصاديين كبار، فابحثوا عن مصادر ثروتكم وقوتكم، واستغلوها وأحسنوا استخدامها ووضعها في مكانها، ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا…
فلكل شيء سبب، ولكل أمر عُدة:
ألم تر أن الله قال لمريم
وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزه
جنته.. ولكن كل شيء له سبب
فأعدّ العدة وعزمَ وتوكلَ على الله، وكان واثقًا بنصر الله تعالى، وعندما دنا المشركون من الغار وخشي أبو بكر رضوان الله عليه على النبي المصطفى وسالت عَبْرته كانت الثقة المطلقة بالله تعالى {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}
فإعداد العدة والأخذ بالأسباب شطر النجاح، ثم الثقة والعزم وعدم التردد هو الشطر الثاني. وكذلك حالنا ونحن نتطلع إلى النصر، إعدادنا لعدة النصر وأخذنا بأسبابه شطر النصر، والثقة بالنصر من عند الله تعالى وتوكلنا عليه وحده هو الشطر الثاني….
فليكن نبينا قدوةً لنا، ولنأخذ بأسباب النصر ولنعط كل مكان لمن هو أهل له، ولننتظر بعد ذلك نصرًا من الله وفتحًا قريبًا.