شهدت مدينة عين عيسى شمالي الرقة الخاضعة لسيطرة قوات “سوريا الديمقرطية” (قسد)، مع نهاية تشرين الثاني الماضي، قصفًا يوميًا بمدفعية الجيش التركي و”الجيش الوطني”، تزامنًا مع اشتباكات متقطعة بالأسلحة الرشاشة المتوسطة.
ولم تقف “قسد” مكتوفة اليدين أمام التصعيد التركي، إذ توصلت إلى اتفاق مع روسيا والنظام السوري يقضي بنشر ثلاث نقاط مشتركة في بلدة عين عيسى لمراقبة وقف إطلاق النار، وستتمركز نقطة شرق عين عيسى وواحدة غربها، إضافة إلى نقطة على طريق الرقة- حلب الدولي، شمال البلدة.
وأدى الاتفاق الأخير إلى زيادة نفوذ النظام وروسيا في المنطقة، بعدما دخلت قواتهما إلى منطقة شرق الفرات للمرة الأولى باتفاق مع “قسد” نتيجة عملية “نبع السلام” التي أطلقها الجيش التركي في 9 من تشرين الأول 2019.
هل الفاعل الأمريكي غائب؟
رجح الباحث المتخصص في الشأن الكردي بدر ملا رشيد، في حديث إلى عنب بلدي، عدم غياب الفاعل الأمريكي حقيقة عن المشهد، رغم غيابه عن الأضواء فيما يتعلق بمناطق الرقة وعين عيسى ومحيطها، لكن مع ذلك تواجه “قسد” خيارات صعبة حاليًا.
وتحاول “قسد” الوصول إلى توافق مع “المجلس الوطني الكردي”، وهو ما من شأنه أن يحدث نوعًا من الاستقرار في المنطقة في ظل وجود رعاية أمريكية للموضوع، وهو ما يبدو أن ” قسد ” تسير باتجاهه، حسب الباحث بدر ملا رشيد، مشيرًا إلى تصريحات قائد “قسد”، مظلوم عبدي، الأخيرة حول عناصر حزب “العمال الكردستاني (PKK)، وتكرار تصريحات “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) حول الاستعداد للحوار مع تركيا، دون شروط مسبقة.
واعتبر الباحث ذلك إشارة إلى بدء بحث “قسد” عن تموضعها بعيدًا عن دائرة روسيا والنظام، أو الطرف الثالث لا إلى جانب المعارضة أو النظام (الطرف الثالث هو التصنيف الذي دأب حزب الاتحاد الديمقراطي على طرحه).
وفي 10 من تشرين الثاني الماضي، أعلن عبدي استعداده لإجراء محادثات سلام مع تركيا دون أي شروط مسبقة، مشيرًا إلى أنه قد يفكر في التوسط بين تركيا وحزب “العمال الكردستاني”، بعد حل المشاكل مع تركيا.
وبحسب الباحث بدر ملا رشيد، في حال كان تصريح مظلوم عبدي نابعًا عن قناعة ناتجة عما يتسبب به وجود عناصر حزب “العمال الكردستاني”، وبالأخص غير السوريين، للمنطقة من توتر ونقل الحرب بين الحزب وتركيا إلى سوريا، فيمكن للتصريح أن يمثل نافذة للتحاور بين تركيا و”قسد” عبر الطرف الأمريكي، وهو ما حدث سابقًا، وربما نقله إلى تحاور مباشر في مرحلة متقدمة.
وكان عبدي أقر بوجود مقاتلين تابعين لحزب “العمال الكردستاني”، المصنف دوليًا كحزب “إرهابي”، في سوريا، في مقابلة أجراها مع منظمة “مجموعة الأزمات الدولية”، منتصف أيلول الماضي.
وتناول عبدي في المقابلة وجود دور لشخصيات غير سورية مدربة من قبل حزب “العمال الكردستاني” في شمال شرقي سوريا بشكل واضح، واضعًا إياها بشكل مباشر في سياق الضرورات الميدانية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وذكر عبدي، في مقابلة نشرها تلفزيون “روناهي” في 4 من كانون الأول الحالي، أن أربعة آلاف مقاتل من “PKK” قُتلوا في سوريا، خلال مشاركتهم في المعارك، مشيرًا إلى أن طلب الدعم من “PKK” أمر طبيعي، ويمكن طلبه مستقبلًا في حال تعرضهم لهجوم من أي قوة.
موانع أمام أنقرة لشن عمل عسكري على عين عيسى
تقف موانع سياسية وتقاطع مصالح أمام شن تركيا عملية عسكرية على عين عيسى.
ويرى الباحث بدر ملا رشيد أن هناك موانع عدة، منها الاتفاقية التي حصلت بين نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي أفضت إلى إيقاف عملية “نبع السلام”، إضافة إلى اتفاقية “سوتشي” بين أردوغان والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حول شرق الفرات.
ولا ترغب روسيا بخسارة مناطق أخرى تقع على الطريق الدولي “M4″، خاصة بعد عملياتها العسكرية وقصفها الشديد في محافظة إدلب ومحيطها للسيطرة على كامل الطريق الدولي، ومن جهة أخرى، فإن تركيا حققت جزءًا مهمًا مما ترغب بتحقيقه شرق الفرات، عبر عملية “نبع السلام”، وهو فصل مناطق “الإدارة الذاتية” عن بعضها، والانتقال إلى مرحلة التفاوض مع روسيا وأمريكا بدلًا من أمريكا لوحدها فيما يخص شرق الفرات، حسب الباحث بدر ملا رشيد.
وكان قيادي في “الجيش الوطني”، تحفظ على ذكر اسمه، قال لعنب بلدي، في 6 من كانون الأول الحالي، إن قصف عين عيسى من قبلهم هو تمهيد لعملية عسكرية تشمل عين عيسى ومناطق على طريق “M4”.
وأوضح القيادي أن العملية المرتقبة قد تبدأ خلال أيام، وأن “الجيش الوطني” يواصل الآن تعزيز قواعده في المناطق القريبة.
وبعد يومين، قال ممثل “الإدارة الذاتية” في الخليج العربي، شفان الخابوري، إن روسيا أعطت ضوءًا أخضر لتركيا في تصعيدها العسكري ببلدة عين عيسى شمالي الرقة، وسط توقعات بتقدم عسكري تركي على المنطقة.
كما أنشأ الجيش التركي قاعدة عسكرية جديدة في قرية صيدا، التي تبعد كيلومترين فقط عن بلدة عين عيسى، مزودة بأبراج مراقبة تطل على البلدة.
وكان “الجيش الوطني” وصل إلى أطراف عين عيسى ضمن عملية “نبع السلام”، في 22 من تشرين الأول 2019، بعد اتفاق تركي- روسي على انسحاب “قسد” من الشريط الحدودي لسوريا بشكل كامل، بعمق 30 كيلومترًا، خلال 150 ساعة، إضافة إلى سحب أسلحتها من منبج وتل رفعت.
ما أهمية عين عيسى
تخضع البلدة لسيطرة “قسد”، وتبعد نحو 55 كيلومترًا عن مدينة الرقة، وتتبع إداريًا لمحافظة الرقة، منطقة تل أبيض، ومركزها بلدة عين عيسى، وتمتلك عقدة مواصلات مهمة، تربط بين محافظتي حلب والحسكة عبر الطريق الدولي “M4” الذي يمر من منتصفها، كما أنها تتميز بطرق محلية تربطها بمدينة تل أبيض على الحدود التركية، ومدينة الرقة.
سيطرت عليها “قسد” بدعم من التحالف الدولي، منتصف 2015، بعد معارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي حاول عدة مرات إعادتها إلى سيطرته لكنه فشل.
أسست فيها القوات الأمريكية، التي تقود التحالف، قاعدة عسكرية مطلع عام 2016، ما جعلها تتحول إلى منطقة استراتيجية، دفعت “الإدارة الذاتية” إلى تأسيس عدد كبير من المؤسسات والمجالس التابعة لها فيها.
تحوّلت عين عيسى إلى شبه عاصمة لـ”الإدارة الذاتية” في الشمال بإيعاز أمريكي، حسب حديث سابق لصحفي يعمل ضمن وسائل الإعلام المحلية إلى عنب بلدي، مشيرًا إلى أنها كانت مهملة والخدمات فيها سيئة قبل إنشاء القاعدة الأمريكية.
وأكد الصحفي أن عين عيسى شهدت الكثير من الاجتماعات المهمة بين مسؤولي “الإدارة الذاتية” ومسؤولين في التحالف الدولي، إضافة إلى مسؤولين غربيين.
كما تشهد البلدة اجتماعات دورية لمؤسسات “الإدارة الذاتية” كـ”هيئة الداخلية” و”هيئة الصحة” و”ومجلس المرأة” و”المجالس التنفيذية”، وجميع هذه المؤسسات تعقد كل شهر تقريبًا اجتماعاتها الدورية في عين عيسى.
الناطق باسم “الجيش الوطني”، الرائد يوسف حمود، أوضح في حديث سابق إلى عنب بلدي، أن “قسد” متمسكة بعين عيسى، لأنها تعتبر خط الدفاع الأول والرئيس عن مدينة عين العرب، بريف حلب.
وتقع البلدة على امتداد شبكة طرق مهمة، وتمتلك عقدة المواصلات التي تربط مناطق عين العرب وتل أبيض وصولًا إلى الجنوب في منبج.
وشدد يوسف حمود على أن “قسد” تريد الاحتفاظ بتلك العقدة للربط بين مناطق سيطرتها، لأنه في حال خسارتها ينقطع التواصل مع عين العرب، وفق قوله.
–