عنب بلدي – خولة حفظي
صنّفت الولايات المتحدة الأمريكية، في تقرير حديث حول “الحريات الدينية” في العالم، “هيئة تحرير الشام” بأنها ضمن كيانات ذات “مصدر قلق خاص”، ما أعاد “الهيئة” مجددًا إلى المربع الأول، ووضعها تحت “مقصلة” التصنيفات الدولية، رغم خطوات اتخذتها ووُصفت بأنها “محاولة للهرب إلى الأمام” أو “الالتفاف” على تلك التصنيفات.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 7 من كانون الأول الحالي، إن التصنيف الجديد يأتي ضمن مساعي بلاده لـ”إنهاء الانتهاكات والاضطهاد بدوافع دينية في جميع أنحاء العالم”.
ولكن “تحرير الشام” رفضت التصنيف الجديد متمسكة بموقف سابق، أصدرته منتصف تشرين الثاني الماضي، طالبت فيه بإعادة النظر فيمن هو “القاتل الحقيقي”، ومن يمارس “جميع أنواع الإبادة بمختلف الأسلحة المحظورة دوليًا”، مشيرة إلى النظام السوري، بحسب رد لمسؤول التواصل في “تحرير الشام”، تقي الدين عمر، لعنب بلدي في مراسلة إلكترونية.
محاولات “فاشلة”
أدرجت واشنطن “جبهة النصرة” (الفرع السوري لتنظيم القاعدة) على لوائح “الإرهاب”، في كانون الأول 2012، ووافقتها دول مختلفة بما فيها تركيا.
وعقب فك الارتباط بـ”القاعدة” وتغيير مسمى الفصيل إلى “جبهة فتح الشام”، أكد المبعوث الأمريكي إلى سوريا، مايكل راتني، في 12 من آذار 2016، أن “الجبهة كيان إرهابي”.
ولم يفلح الفصيل بالهروب من التصنيف، بعد تغيير المسمى إلى “هيئة تحرير الشام”، إذ أصرت واشنطن، في 15 من أيار 2017، على وضعه على قوائم الإرهاب.
ورغم كل محاولات “تعديل سلوكها وبنيتها التنظيمية، وتطوير أيديولوجيتها لتلائم الدور الذي تريد الوصول إليه، بما في ذلك التخلص من المقاتلين الأجانب”، لم يتغير تصنيف “جبهة النصرة” لدى الأمريكيين، بحسب ما قاله الباحث في الجماعات “الجهادية” عبد الرحمن الحاج، لعنب بلدي.
ويرى الحاج أنه من “الطبيعي أن تكون الهيئة محل شكوك وقلق الإدارة الأمريكية”، لأن “النصرة” هي المكون الأساسي لـ”الهيئة”.
سياسة “العصا والجزرة”
يرى الباحث في الجماعات “الجهادية” عباس شريفة، أن قضية رفع تصنيف “الهيئة” كان “جزرة” وُضعت أمامها من أجل “التحكم بمسارات تحركاتها، والدفع بها نحو دور وظيفي يقوم على محاربة التنظيمات الأكثر تطرفًا، مثل (حراس الدين)، وتنفيذ الاتفاقيات الدولية بما يخص التفاهمات حول شمال غربي سوريا وتفكيك فصائل (الجيش الحر)”.
وكانت “هيئة تحرير الشام” نفذت اعتقالات ضد عناصر من “حراس الدين” (فرع القاعدة في سوريا)، منذ حزيران الماضي، طالت قياديين وشرعيين في التنظيم، منهم “أبو يحيى الجزائري”، و”أبو عبد الرحمن المكي”، حسبما تحدث به مسؤول التواصل في “تحرير الشام”، تقي الدين عمر، لعنب بلدي، عبر مراسلة إلكترونية سابقة.
وسبقت اعتقال القيادي السابق في “الهيئة”، والقيادي في “حراس الدين”، “أبو عمر منهج”، في 28 من حزيران الماضي، اشتباكات بين “تحرير الشام” وغرفة عمليات “فاثبتوا” التي تضم فصائل “جهادية”، أبرزها “حراس الدين”، بين 23 و26 من حزيران الماضي، في قرية عرب سعيد.
ويعتقد شريفة أن “الهيئة” عندما “انتهت من المهمة”، سُحبت منها “الجزرة” نهائيًا، وبقيت “تحرير الشام” على قوائم الإرهاب، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
نقلت صحيفة “لو تمبس” السويسرية، في 4 من أيلول الماضي، مقابلة مع الشرعي العام في “هيئة تحرير الشام”، عبد الرحيم عطون، الملقب بـ”أبو عبد الله الشامي”، تحدث فيها عن “تطبيع العلاقات مع الدول الغربية”.
ونقلت الصحيفة عن عطون حينها قوله، “نحن آخر من قاتل النظام وحلفاءه، لكننا لن نتمكن من القضاء عليه دون مساعدة”، في إشارة منه إلى طلب المساعدة من الدول للقضاء على النظام، فـ”تحرير الشام” والمنطقة لا تستطيع الاستمرار دون مساعدة الدول الغربية.
وأكد أن فصيله يريد “الخروج من القائمة السوداء (…) وعندها فقط ستتمكن المنطقة من التعافي”، حسب عطون.
وبينما نفى عطون بعد نحو عشرة أيام أجزاء من الحديث، اعتبر إزالة التصنيف “أمرًا إيجابيًا”.
ماذا بعد التصنيف الجديد؟
تصر واشنطن باستمرار على أن “هيئة تحرير الشام” مصنفة “إرهابية” بغض النظر عن مسماها ومن يندمج معها، ما يثير تساؤلات حول الخطوات المرتقبة لاحقًا، خاصة أن الغارات المنسوبة للتحالف بقيادة واشنطن في شمال غربي سوريا، كانت بعيدة عن استهداف قيادات “الهيئة” مقابل التركيز على قيادات من “حراس الدين” (فرع القاعدة في سوريا).
ويستبعد الباحث في شؤون الجماعات “الجهادية” عباس شريفة أن يختلف التعامل من قبل التحالف الدولي مع “الهيئة” بعد التصنيف الجديد.
وقال لعنب بلدي إن عمليات التحالف الدولي مرتبطة بمقدار ما تشكله “تحرير الشام” من خطر على مصالحه، وهي “إلى الآن لا تشكل أي خطر على الخارج”.
ولكن رغم ما سبق، يذهب شريفة إلى أن “الهيئة لن تمنح المشروعية السياسية، وستبقى كل إنجازاتها العسكرية والإدارية بلا عائد سياسي”.
أما الباحث عبد الله الحاج، فيرى أن الموقف الأمريكي الجديد “يُفهم على أنه زيادة ضغط لإحداث تحولات أعمق”.
ويرى أن من الواضح “أن الضغوط الأمريكية على النصرة تأتي بعد جملة من التحولات، وستقود على الأرجح إلى المزيد”.
وبحسب الحاج، فإن التحولات تشمل “إنهاء ظاهرة المقاتلين الأجانب في صفوفها، ومواجهة تنظيم (حراس الدين)، وتغييرًا أكبر في أيديولوجيتها العابرة للحدود لتكون أكثر قربًا من التنظيمات الوطنية”.