إبراهيم العلوش
إقالة محافظ ريف دمشق، علاء منير إبراهيم، قريب بشار الأسد، ومالك الباخرة التي كشفت السلطات المصرية مؤخرًا تهريبها المخدرات، أعادت ذكريات أهالي ريف دمشق والسوريين إلى أيام المحافظ السابق علي زيّود، صاحب المقولة الشهيرة “اليوم اللي ما يدخل جيبي فيه عشرة ملايين (300 ألف دولار) ما ينحسب من عمري”.
كان علي زيّود من الرجال المحببين الى حافظ الأسد، ومن المشاركين بانقلاب الحركة التصحيحية، وهو يعبّر عن جوهر تطلعات الأسد التي تجاوزت سرقات زيّود فيما بعد، لتنضج أعمال النهب على أيدي آل مخلوف الذين أبدعوا بابتكار دواليب للاقتصاد السوري، ودحرجة جبال من الأموال العامة إلى جيوب عائلة الأسد، وإلى جيوبهم الخاصة، داخل وخارج البلاد.
وكان زيّود يشبه حافظ الأسد، فهو ترك اللواء الذي كان يقوده في حرب 1973 مدمّرًا، وعاد وحيدًا إلى دمشق، مثلما فعل حافظ الأسد بتركه القنيطرة قبل أيام من وصول الجيش الإسرائيلي إليها، بحجة أنها ساقطة استراتيجيًا.
ومثلما تمت مكافأة الأسد وزير الدفاع بتسلّم قيادة الدولة والمجتمع السوري، أخذ علي زيّود حصته بإطلاق يده في محافظة ريف دمشق، حيث كان يجمع الرشى علنًا ويعدّ النقود في مكتبه، ويضرب المقصرين بالدفع من رؤساء بلديات ومرتشين صغار علنًا وفي مكتبه أيضًا، ووصل الأمر إلى إهانته عبد الرؤوف الكسم أمام الناس قبل وصول الأخير إلى مرتبة رئيس الوزراء إبان سنوات الثمانينيات سيئة الصيت.
أما المحافظ الأخير لريف دمشق فهو علاء منير إبراهيم الذي تم وضع اسمه في “الإنتربول الدولي” بسبب ملكيته باخرة تحمل ستة أطنان من الحشيش، وكانت ترسو في ميناء “دمياط” المصري خلال تشرين الثاني الماضي، ونظرًا إلى قرابته للأسد ولعاطف نجيب، وجب إخفاؤه عن الأنظار مؤقتًا بإقالته، ولإعادة تدويره وإخراجه بطبعة جديدة بعد عدة أشهر أو عدة سنوات، مثلما حدث له من قبل، بعد سرقاته في ميناء “اللاذقية” التي جنى منها ملكية باخرة شحن تقوم اليوم بتصدير المخدرات إلى الخارج.
علاء منير إبراهيم لفت الأنظار إليه بعنجهية تصريحاته خلال انعقاد مؤتمر “عودة اللاجئين السوريين”، بقوله إنه مستعد لاستقبال اللاجئين العائدين من الخارج ضمن محافظة ريف دمشق في المخيمات والسجون التي أسكن فيها سكان الغوطة وأهالي مناطق المصالحات، وهذا ما ذكّر الجميع بتصريحات العميد عصام زهر الدين الذي هدد اللاجئين بالموت إن حاولوا العودة. وهذا ما زاد من عبثية المؤتمر الذي نظمته روسيا على عجل لغايات خاصة بها ولا علاقة للنظام أو غيره من السوريين بها.
تعتبر محافظة ريف دمشق من أكبر المحافظات السورية من حيث المساحة ومن حيث الأهمية الاقتصادية والجغرافية، وتتمركز فيها القوات المحاصرة لمدينة دمشق خشية أعمال التمرد العسكري والانقلابات، قبل أن يتمكن حافظ الأسد من إخضاع الجيش وتحويله الى مجرد كورال يردد الأغاني لقائد المسيرة ولعائلة قائد المسيرة.
واستولى رفعت الأسد على آلاف الهكتارات من أراضي الريف ليقيم “سرايا الدفاع” ومنازل الشبيحة الذين دفعهم بشار الأسد إلى المشاركة في تدمير سوريا وترحيل نصف شعبها من منازلهم. ولم يجرؤ أحد من مالكي الأراضي على المطالبة بتعويض عن أرضه التي تم احتلالها بالدبابات بحجج تكتيكية، منها “التصدي للعدو الصهيوني الغاشم”!
ورغم أن ريف دمشق يحتوي على غوطة دمشق، وهي من أجمل البقاع السورية وأغناها في الإنتاج الزراعي والأشجار المثمرة، فقد حولها نظام الأسد منذ بداية الثورة 2011 إلى سجن كبير جعل ربطة الخبز حلمًا لأطفالها ولأهلها، وعالجهم بالصواريخ الكيماوية عام 2013 بدلًا من الأدوية التي كانت تنتجها المعامل في أرجاء الريف الدمشقي.
ومناظر “التعفيش” والنهب التي قام بها الشبيحة وعناصر الجيش الأسدي في غوطة دمشق وفي سائر الريف 2018، صوّرتها القنوات الرسمية بلا خجل، وصوّرتها أيضًا كاميرات وكالات الأنباء وكاميرات الناشطين، ولعل منظر عضو مجلس الشعب محمد قبنض لا ينساه السوريون في نهاية حصار الغوطة وهو يوزع زجاجات الماء حجم ربع ليتر مقابل الهتاف للأسد!
هذه بعض نماذج التصرفات الأسدية التي عانت منها محافظة ريف دمشق، وبدأت بحافظ الأسد منذ أن كان قائدًا لمطار “الضمير” الذي حوله إلى معتقل، وبأخيه رفعت قائد ميليشيا “سرايا الدفاع”، وعلي زيّود في تشريعه للرشوة وجعلها شعارًا رسميًا لنظام الأسد ويثير الفخر بدلًا من الخجل، مرورًا بالفرق العسكرية المحاصرة لدمشق، وصولًا إلى تهريب المخدرات، والمذابح الجماعية للسوريين، والعلاج بالكيماوي في ريف دمشق في عهد بشار الأسد وأخيه صاحب البيجاما ماهر الأسد، وقريبه المحافظ علاء منير إبراهيم تاجر المخدرات.
وهذا النهج هو ما يحاول النظام إعادة شرعنته، عبر البطش والإنكار والتجاهل للجرائم المرتكبة، كما حدث بعد أحداث الثمانينيات، لتتمكن العائلة من الاستمرار في حكم سوريا، وذلك بإعادة المجازر في عصر مقبل وبالتعاون مع محتلين جدد أو قدامى، وباستعمال نفس الشعارات أو بتعديلها قليلًا. وهذا ما يسعى إليه المحتلون الإيرانيون والروس بشكل رئيس، وما يسعى إليه أمراء الحرب أيضًا، ولكن هذا ما قام السوريون ضده ولن يقبلوا به رغم كل هذا الخراب.