صفحات منحازة وأخرى ساخرة تُغرق السوريين بأخبار مزيفة
عنب بلدي – صالح ملص
“لا صحة لما تنشره بعض الصفحات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن (…) وهي أخبار ومعلومات بعيدة عن الحقيقة جملة وتفصيلًا”.
تُقرأ هذه العبارة بكثرة من قبل المتابع اليومي للصفحات الإخبارية عبر الفضاء المفتوح في الإنترنت، وتنشرها مؤسسات حكومية أو غير حكومية تعتبر مصدرًا رئيسًا للمعلومة، لنفي أخبار مزيفة نُشرت دون تدقيق في مصادرها الأولية، لتنتقل من صفحة إلى أخرى وتلاحق مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فيتأثرون بها دون أن يكون لها وجود على أرض الواقع.
بالتزامن مع مؤتمر “عودة اللاجئين”، الذي عُقد في دمشق بدعوة روسيا في 11 و12 من تشرين الثاني الماضي، ادّعت بعض الصفحات “الإخبارية” السورية، عبر “فيس بوك”، “تسجيل آلاف اللاجئين السوريين في أوروبا أسماءهم في قوائم العودة الطوعية إلى سوريا”، من بينها “الوكالة الطرطوسية للأنباء“، لتنتشر هذه المعلومة مرفقة بصورة قديمة ولا يتطابق محتواها مع المعلومة المنشورة بين سوريين ترويجًا لنجاح أهداف المؤتمر.
وخلال السنوات التسع الأخيرة، اكتظت مواقع التواصل بالصفحات “الإخبارية” السورية التي تنشر المعلومات دون التركيز في مدى صحتها أو دقة المصدر الرئيس الذي نشرها، مع وجود عدد لا يستهان به من متابعي تلك الصفحات، يصل في بعض الأوقات إلى مئات الآلاف، يتأثرون بمحتواها ويتفاعلون معه عن طريق الإعجابات والتعليقات والمشاركات.
وخلال التوتر الأمني الذي شهدته بلدة بشري شمالي لبنان، نُشرت صورة يدّعي ناشروها أنها تظهر “إحراق منازل سوريين في البلدة”، بعد إقدام عامل سوري الجنسية على قتل شاب من البلدة.
نُشرت هذه الصورة على منصة سورية عامة عبر “فيس بوك” تحمل اسم “يوميات في دمشق الآن“، وتضم أكثر من 100 ألف متابع، وتفاعل مع تلك الصورة تحديدًا أكثر من ألف شخص، إلا أن الصورة لا علاقة لها بالتوترات التي شهدتها البلدة بعد الجريمة، بل تعود لتظاهرات احتجاجية في بيروت، وقد نشرتها وكالة “فرانس برس” عام 2019.
وفي 3 من تشرين الثاني الماضي، نشرت صفحة “دمشق العاصمة” التي تضم أكثر من 200 ألف متابع عبر “فيس بوك”، خبرًا دون التأكد من مصدره الأولي، قالت فيه إن “الإمارات العربية توقف الفيز السياحية للسوريين اعتبارًا من اليوم، كما يشمل القرار إيقاف تجديد الفيزا للسوريين الموجودين داخل الدولة”.
لكن وزارة الخارجية الإماراتية نفت لوكالة “فرانس برس” هذه الإشاعة بقولها، “ردًا على المزاعم المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول إصدار التأشيرات لحاملي الجنسية السورية، تؤكد وزارة الخارجية والتعاون الدولي لدولة الإمارات أن سياسة منح التأشيرات لم تتغير”.
ولا تخرج عن إطار الإشاعة تلك الأخبار التي لا تكون مستندة إلى مصدرها الرئيس، الذي يعتبر الوسيلة الوحيدة كي يتحقق الجمهور من مصداقية المعلومات في الخبر من عدمها.
وفي فترة الحرائق التي شهدتها غابات غربي سوريا، وضمن وسم “سوريا تحترق”، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة صور في منشورات مختلفة يدّعي ناشروها أنها لحرائق حصلت في مساحات واسعة من سوريا في تلك الفترة.
تضم صفحة “سما اللاذقية” عبر “فيس بوك” أكثر من 56 ألف متابع، وفي تشرين الأول الماضي، نشرت صورة لجبل تأكله النيران على أنها للحرائق التي حصلت في سوريا، مرفقة بتعليق قالت فيه، “هذه الصورة ليست من فيلم هوليوودي باهظ التكلفة (…) إنها صورة من أرضي وبلدي سوريا من جبالنا من ساحلي الغالي”، لكن محتوى الصورة لم يكن في سوريا أبدًا، إنما من حريق حصل في ولاية كاليفورنيا عام 2016.
وضمن الموضوع ذاته، نشرت صفحة “شبكة أخبار صحنايا” في “فيس بوك”، التي تضم أكثر من 300 ألف متابع، صورة ادّعت أنها من الحرائق التي التهمت الغابات في سوريا، وتفاعل مع تلك الصورة أكثر من أربعة آلاف شخص، لكن الصورة لا علاقة لها بالحرائق الأخيرة في سوريا، وإنما لدخان متصاعد في قرية ليثي اليونانية عام 2016.
يتابع صفحة ” Music Mix“، عبر “فيس بوك”، ثلاثة ملايين متابع، وتوصّف نفسها بأنها صفحة “هدفها الأساسي هو تثقيف العقول فنيًا”، لكن مجموعة صور نُشرت عبر هذه الصفحة لحرائق ورجال إطفاء منهكين على أنها في سوريا، تفاعل مع تلك الصور 27 ألف متابع، حتى إنها وصلت إلى نجم فريق الأهلي السعودي اللاعب السوري عمر السومة، وتفاعل مع الصورة التي نشرها عبر صفحته الشخصية 75 ألف متابع.
إلا أن تلك الصور قديمة ومصوّرة في مناطق أخرى من العالم، وضمن أوقات مختلفة أيضًا.
الانحياز.. وقود الأخبار الزائفة
مع دخول المواقع الاجتماعية وتطبيقات التكنولوجيا في تفاصيل حياة الفرد، صارت لهذه المواقع استخدامات أخرى غير التواصل مع الأصدقاء أو مشاركة اليوميات، إنما اُستخدمت أيضًا كمصدر للأخبار الحقيقية والزائفة في الوقت نفسه، ما أدى بالتالي إلى مقدرة أي مواطن على أن يكون صحفيًا، ضمن ما يُسمى “صحافة المواطن”.
ومن المستحيل أن يكون هناك رصد دقيق لعدد الصفحات السورية التي تنشر الأخبار الزائفة في “فيس بوك”، وفق رأي مدير منصة “تأكد” السورية المتخصصة بتدقيق الأخبار والمعلومات، أحمد بريمو، في حديث إلى عنب بلدي، لأنه في كل وقت يمكن لأي فرد إنشاء صفحة ونشر المعلومات من خلالها بشكل تراكمي، لتصبح صفحته في واجهة الحصول على الأخبار من قبل متابعيها.
وأسهمت سهولة الوصول إلى تلك الصفحات الإخبارية المزيفة في أي وقت وفي أي مكان، وفق بريمو، في جعلها المصدر الرئيس لدى بعض الناس للحصول على المعلومة، خاصة إذا كان التفاعل مع تلك الأخبار ومشاركتها يكون بضغطة زر واحدة.
وتكمن خطورة اعتبار كل ما يُنشر عبر وسائل التواصل من قبل الصفحات الإخبارية السورية على أنه حقيقي، في أن الأخبار المزيفة تكون في أغلب الأوقات أداة للتحريض ضد فئة اجتماعية أو سياسية معيّنة، أو مدخلًا لخطاب الكراهية، أو انحيازًا لرأي معيّن والترويج له، بحسب بريمو، وهو ما ليس بحاجة إليه أي مجتمع، خاصة إذا كان يعيش حالة من النزاع المسلح.
وأغلب الذين يقعون في فخ الأخبار المزيفة، بحسب قول بريمو، هم الذين يملكون انحيازًا مسبقًا تجاه قضية معيّنة.
ويُنمي قمع حرية الإعلام والصحافة، عن طريق الاستبداد السياسي، فكرة الانحياز إلى رأي معيّن، وأي معلومة تكون لمصلحة هذا الرأي مهما كانت هشاشة مصداقيتها.
وتعتبر سوريا دولة “غير حرة”، بحسب مؤشر الحريات العامة في العالم الخاص بمنظمة .“Freedom House”
وبعدما كان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، هو “صياد حرية الصحافة” الوحيد في سوريا عام 2011، ازدادت الجهات التي وضعتها منظمة “مراسلون بلا حدود” على “قائمة الصيادين” بعد ذلك العام، من ضمنهم فصائل معارضة عسكرية مثل “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا) عام 2013.
وحالة الانحياز لمعلومة ما عبر مواقع التواصل غير مقتصرة على جمهور خاص بجهة سياسية أو فصيل عسكري في سوريا، بحسب بريمو، فالموالون لحكومة النظام والمعارضون لها على السواء، يُمكن أن يكونوا مصدرًا لمعلومة مزيفة وضحيتها في الوقت نفسه.
وأفرزت الحالة السورية كثيرًا من الأمثلة التي يمكن استخدامها في سياق الحديث عن الأخبار المزيفة، والتزييف لا يعني فقط نشر الأخبار غير الحقيقية، وإنما يشمل أنواعًا عديدة، منها الانحياز والتلاعب بالحقائق واجتزاؤها، وفق ما ذكره بريمو، وعلى اعتبار أن الجهات المتنازعة في سوريا بتزايد، صار لكل طرف من تلك الجهات على الأرض السورية وسائل إعلامه ومنصاته الإخبارية الخاصة، التي تتبنى خطابه وتروج لنظريته ورؤيته حول ما يدور هناك.
وجميع تلك الجهات تحاول تبييض صورتها أمام الجمهور، بحسب قول بريمو، في ظل “غياب شبه تام” للموضوعية التي يقتضيها نشر المعلومات، وبالتالي توسعت الصفحات التي تنشر الأخبار المزيفة، وأغرقت المتابع للشأن السوري بتفاصيل وتعقيدات كثيرة.
عدم الاحترافية ليس حجة لنشر الأخبار المزيفة
شُكّلت أغلبية فرق العمل الصحفية ضمن السياق السوري بعد 2011 من مجموعة من الأشخاص الذين كانوا يفتقرون تمامًا إلى الخبرة الصحفية، ومن المرجح أن يكون عدم الاحترافية في العمل الصحفي سببًا من أسباب انتشار صفحات بكم كبير عبر مواقع التواصل تنشر المعلومات والأخبار المزيفة.
لكن لا يمنع ذلك من تحمل المسؤولية في التدقيق بصحة الخبر قبل نشره، والتدرب على التحقق من مصداقية المعلومات عن طريق مصادرها الأولية، وتساعد في ذلك وكالات الأنباء الدولية ومراكز التدريب الصحفية.
وخصصت وكالة الأنباء الفرنسية “AFP” خدمة لتقصي صحة الأخبار ضمن قسم في “ميزان فرانس برس“، تمنح مبادئ أساسية ونهجًا وأدوات لرصد أي معلومات مزيفة، لكن ذلك في الوقت نفسه يشترط امتلاك الصحفي حسًا منطقيًا وكثيرًا من الحيطة وعدم التسرع.
وفي بعض الأوقات، لا تكون المواقع الاجتماعية والهواتف الذكية كافية للتثبت من بعض الأخبار أو المنشورات، فينبغي التثبت من الوقائع ميدانيًا، بحسب “ميزان فرانس برس”، وهو من أسس العمل الصحفي.
والذي يُنشر عبر وسائل التواصل يُعد مصدرًا ثانويًا للصحفي ينبهه بأن هناك حدثًا ما، وبعدها يجب أن يتحقق من خلال مصادر لها علاقة مباشرة بذلك الحدث، وتعتبر أولية له لتصديقه أو نفيه.
رد فعل ساخر يزيد الطين بلة
وانتشرت صفحات سورية عبر “فيس بوك” أخذت منشوراتها نمط السخرية من الوقائع التي تحدث في سوريا، مثل صفحة “الوكالة الطرطوسية للأنباء” و”المنصة“، وترتكز منشورات مثل هذه الصفحات على نشر أخبار مزيفة بقالب غير واقعي، وتملك كل منهما أكثر من سبعة آلاف متابع.
ومثل هذه الصفحات اعتبرها مدير منصة “تأكد”، أحمد بريمو، متنفسًا للمتابع الذي سئم من جدية الأخبار التقليدية ذات المحتوى المهني الملتزم بمعايير مهنة الصحافة.
ولكن مثل هذه الصفحات تغفل ذكر أهم معلومة في منشوراتها، وهي أن هذا الخبر ساخر وغير واقعي، ويحتاج المتابع لهذه الصفحات إلى مجهود للوصول إلى التنويه الذي يقول إن محتواها غير حقيقي، وهذا يسهم في تضليل المتابع، وبالتالي يتحول إلى خبر مضلل في حال حصل ذلك.
ويجب على إدارة تلك الصفحات الساخرة أن تُنوه بشكل دائم وواضح في كل منشور من منشوراتها، أن هذا المنشور ساخر وغير واقعي.
ورصدت منصة “تأكد” أخبارًا مزيفة انتشرت بين سوريين عبر “فيس بوك”، نُقلت من قبل مثل هذه الصفحات الساخرة على أنها حقيقية، وهذا يضعف من وعي رواد مواقع التواصل من السوريين، في حين أنه يجب على تلك الصفحات التفكير في دورها وفي متابعيها، والتطوير من أساليب السخرية التي تعتبر أيضًا فنًا من فنون مهنة الصحافة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :