محاولات غير مكتملة لإنعاش الشمال السوري اقتصاديًا

  • 2020/12/13
  • 8:17 ص

أسواق مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي - 6 أيار 2018 (عنب بلدي)

عنب بلدي – سكينة مهدي

تطفو محاولات إنعاش الوضع الاقتصادي والاستثماري في الشمال السوري كل فترة على واجهة الأحداث اليومية، في ظل أزمة مرتبطة بغياب الاستقرار المالي، والتنظيم المؤسساتي الثابت والفعال.

عقد وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة” اجتماعًا في ريف حلب الشمالي، مع رؤساء غرف الصناعة والتجارة في المنطقة، وناقشوا خلال الاجتماع الوضع الاقتصادي والاستثماري في المناطق الشمالية.

وفي مقابلة لوزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، في 4 من كانون الأول الحالي، مع عنب بلدي، قال إن هدف الاجتماع هو تشجيع الاستثمار وتحسين الوضع الاقتصادي في المنطقة، ومعالجة العقبات التي تواجه التجار والمستثمرين، والتغلب على الصعوبات التي طُرحت خلال الاجتماع.

وأضاف المصري أن الحكومة ستشكل اتحادًا لغرف التجارة يضم ممثلي جميع الغرف التجارية والصناعية.

كما تحدث معاون المدير العام للشؤن الجمركية في “الحكومة المؤقتة”، محمد القد، لعنب بلدي قائلًا، إن المديرية تعمل على تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية، وإعفاء التجار من رسوم بعض المواد، تشجيعًا لتصدير البضائع المنتجة في الشمال السوري، بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي في المنطقة.

وتستورد مناطق الشمال السوري السلع والبضائع من تركيا عبر المعابر الرسمية (باب الهوى، وباب السلامة، ومعبر جرابلس)، وتتضمن بشكل رئيس مواد غذائية ومواد بناء.

كما تمر السلع المستوردة من دول أخرى إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة عبر المعابر مع تركيا.

وكان وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة” أشار، في تصريح سابق لعنب بلدي، إلى عدم وجود لجان مشتركة تنسق الحركة والرسوم الجمركية.

بينما تشرف “الحكومة المؤقتة” والمديرية العامة للجمارك على كامل العمليات بالتنسيق مع الجانب التركي.

وكان وزير الاقتصاد في حكومة “الإنقاذ”، صاحبة النفوذ في إدلب وجزء من ريف حلب الغربي، ناقش أوضاع المديريات وعملها مع المديرين العامين في الوزارة، بحسب ما نشرته الوزارة عبر صفحتها في “فيس بوك“، في 18 من تشرين الثاني الماضي.

واجتمع حينها وزير الاقتصاد والموارد، باسل عبد العزيز، مع المدير العام للمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب، أحمد عبد الملك، والمدير العام للتجارة والتموين، خالد الخضر، ومدير الصناعة، مضر العمر، لمناقشة خطط تطوير المديريات وأدائها لخدمة القطاع الاقتصادي في إدلب.

وطلب الوزير من المديرين بذل جهود مكثفة لوضع خطط وصفها بـ”الاستراتيجية”، لزيادة الحركة الاقتصادية في مناطق “الإنقاذ”.

اجتماعات وخطط تغيب عنها الدراسات الدقيقة

تُعقد اجتماعات كهذه مع الغرف التجارية وغيرها ضمن حكومات مستقرة، لديها دراسات دقيقة عن الأوضاع المعيشية والآلية التي تسير بها الأمور الاقتصادية في المنطقة، لذلك لا يمكن أن تحقق مخرجات هذه الاجتماعات الجدوى المتوقعة منها في الوضع الراهن، بحسب ما أوضحه المحلل الاقتصادي يونس الكريم، لعنب بلدي.

واعتبر الكريم أن هذه الغرف التجارية والاستثمارية تُنشأ بناء على وجود معامل ومصانع في المنطقة، وفي الشمال السوري لا توجد معامل أو مصانع عدا بعض الورشات التي تغطي احتياجات المنطقة، وهذه الورشات لا تحتاج إلى غرف تجارية وصناعية وزراعية، بالإضافة إلى ضعف واضح بالإنتاج والتصدير.

كما أن عدم وجود مأسسة حقيقية، عدا المجالس المحلية التابعة للفصائل العسكرية، وغياب الأمن، ودور المجتمع المدني الذي ينحصر بالإغاثة وبعض الدعوات لدعم الوضع المعيشي، يؤثر على فاعلية أي محاولات لتحسين الوضع الاقتصادي.

وبحسب الكريم، ينقص المنطقة الشمالية الاستقرار السياسي والأمني لاتخاذ قرارات كهذه، ويغيب التنسيق بين مؤسسات “الحكومة المؤقتة” والفصائل العسكرية والجانب التركي، ما يعني غياب التواصل الحقيقي بين الأطراف الفاعلة في المنطقة.

ويواجه سكان الشمال ظروفًا معيشية صعبة، أبرزها آثار النزوح المتكرر، والعمليات العسكرية، والمخاطر الأمنية، والنزاع المستمر، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة .(OCHA)

ويعتمد 2.8 مليون شخص في شمالي سوريا على المساعدات الإنسانية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، مثل الغذاء والماء والملجأ والرعاية الصحية والتعليم.

وتهدد الحالة الاقتصادية السيئة قدرة الناس على التحمل، ومن المحتمل أن يمتد تأثيرها إلى كل سكان المنطقة البالغ عددهم 4.1 مليون شخص، 76% منهم من النساء والأطفال، بينما يبلغ عدد النازحين منهم داخليًا 2.7 مليون شخص، حسب تقرير “OCHA” الصادر في 13 من تموز الماضي.

كيف يحقق الشمال السوري استقرارًا اقتصاديًا

لتكون هذه القرارات فعالة تجب هيكلة القرارات التي تتخذها الحكومة، ووضع قوانين واضحة تُقام على دراسات مبنية على التواصل مع القوى الفاعلة على الأرض، والعمل على التواصل مع الجانب التركي.

أما بالنسبة للغرف الصناعية، فيرى الكريم أن الوقت ما زال مبكرًا، وينفي إمكانية قيام غرف كهذه في ظل تذبذب سياسي اقتصادي ونقدي، ويؤكد الكريم أهمية التواصل بين المجتمع المدني والحكومة والمؤسسات، لتطويع الإمكانيات الداخلية والتركية لمصلحة إنشاء غرف كهذه.

وبحسب الكريم، ينطلق هذا بشكل جوهري من وجود أبحاث حقيقية تنطلق من شمال غربي سوريا، وليس من مشاريع اقتصادية دولية أو سورية ككل، وتجب دراسة كل منطقة على حدة لإنقاذ هذه الجموع البشرية في الشمال السوري.

وكان رئيس “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الرحمن مصطفى، أكد، في حزيران الماضي، إجراء لقاءات مع مسؤولين أتراك، من أجل تدارك تدهور الليرة السورية، وضخ العملة التركية من فئات صغيرة في ريف حلب الشمالي.

واعتبر مصطفى أن التعامل بالليرة “مؤقت لحين التوصل إلى حل سياسي”، والهدف منه حماية مدخرات المواطنين جراء تدهور الليرة السورية، ونفى أن تكون لذلك اعتبارات سياسية.

التبعية الاقتصادية لتركيا وآثارها

تعتمد مناطق الشمال السوري، عدا مناطق “الإدارة الذاتية”، اقتصاديًا بشكل شبه كامل على الاستيراد من الجانب التركي، إذ أحدثت تركيا نوعًا من النشاط الاقتصادي الذي يضمن بقاء السوريين النازحين داخليًا في سوريا.

ووقعت روسيا وتركيا، في آذار الماضي، اتفاقية لوقف إطلاق النار في إدلب، عقب الحملة العسكرية التي شنتها قوات النظام السوري لاستعادة السيطرة على مناطق في شمال غربي سوريا، وتقضي الاتفاقية باحتفاظ تركيا بموطئ قدم في الشمال السوري.

تبعية الشمال السوري الاقتصادية من حيث الموارد يجب ألا تعوقه عن تحقيق التطور الداخلي في الجانب الاقتصادي، لأنها تبعية قديمة، والمشكلة أنها صارت اتكالية، ما يجعلها مخلة بالشروط الاقتصادية لاستفادة المنطقة منها، إذ تطوّع العلاقة مع تركيا لمصلحة قادة عسكريين، والتمويل الذاتي لحركات عسكرية أو مجالس محلية محددة دون غيرها، وكان لهذا دور سلبي بجعل العلاقة مع تركيا غير مفيدة للشعب السوري في الشمال الغربي، بحسب المحلل الاقتصادي يونس الكريم.

وبرأي الكريم، يجب على تركيا، كونها صاحبة القوة والتنظيم والمأسسة، وضع حد للتجار الأتراك الذين يحققون مكاسب غير مشروعة مستغلين نفوذها في سوريا، وعندها ستسير الأمور لمصلحة الأتراك والسوريين على حد سواء، إذ يمكن للشمال السوري أن يحسن سوق المنتجات التركية من خلال تداوله.

كما أن القرارات الارتجالية التي تحابي تركيا، كاستبدال العملة التركية بالسورية، تعمل على تضخم العملة التركية مع انخفاض القدرة الشرائية في تركيا، لذا عليها أن تتحرك اقتصاديًا وسياسيًا، لضبط الإيقاع في المناطق الجنوبية التركية والشمالية السورية، لتكون الفائدة عائدة على كلا الشعبين.

يمكن أيضًا استثمار المنتجات الزراعية، كزيت الزيتون والخضراوات والحمضيات وغيرها، إذ يمكن توضيبها وتحسينها عند إيجاد قنوات البيع الرسمية عبر الحدود التركية إلى تركيا أو الخارج، كما أشار الكريم إلى ضرورة التنسيق بين الجانب التركي والسوري لإقامة صناعات حقيقية تكاملية بين الطرفين.

ويجب الانتباه من بيع المنتجات السورية بطرق ملتوية في تركيا، لأن هذا يؤدي إلى كساد البضاعة التركية، وكلا الطرفين سيكون مغبونًا من العلاقة التجارية.

لذلك يمكن تحوّل شمال غربي سوريا إلى التنسيق لتوفير المنتجات الغذائية لكلا الطرفين بأسعار رخيصة، وبالتالي تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، ما يرغب المستثمرين بالاستثمار في المنطقة، إذ إن توفر الأيدي العاملة والأمن الغذائي سيكون عملية لجذب رؤوس الأموال لإقامة معاملها ومشاريعها، وبذلك يستفيد الطرفان.

أما البقاء على هذه الحال، من ارتفاع الأسعار والفقر وعدم قدرة الأهالي على التحمل، فسيقود إلى نتائج عكسية على وجود المستثمر، ولن تُنفذ مشاريع جديدة، وستزداد معاناة هذه المناطق من الغلاء وسوء مستوى العيش، بحسب الكريم.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية