مهرجان الماغوط

  • 2020/12/13
  • 1:00 م

نبيل محمد

يصادف أن تعرف أن مهرجانًا باسم الكاتب الراحل محمد الماغوط (مهرجان الماغوط المسرحي الثقافي) أقيمت فعالياته مؤخرًا في مدينة حماة بإشراف مديرية الثقافة في حكومة الأسد طبعًا، ويرد في خبر رسمي عن المهرجان أنه “يلبي شغف عشاق المسرح والمهتمين بالحركة المسرحية”، وأن عروضًا مسرحية أُقيمت في المهرجان صوّرت، وفق ما نُشر، “الخير والشر والروح والجسد”.

تعتاش الثقافة الرسمية في سوريا منذ سنوات وحتى اليوم على أسماء راحلين، يجيد النظام بمؤسساته الثقافية الأمنية قراءة إرثها وفق لغته الحالية، ويجيد توظيفها في رسالته “الخالدة”، ووفق مقتضيات المرحلة، معتبرًا هذا الإرث ملكًا عامًا، وبالتالي هو حق له، لا مشكلة في أن يقوّلَ الراحلينَ ما لم يقولوه، وأن يجنّدهم لخدمته، فهم أموات.

لم ترحم الأنظمة المخابراتية محمد الماغوط خلال حياته، ولم يكن غض نظر النظام السوري عنه سوى التزام بمساحة محدودة، لا يسمي فيها الكاتب أسماء المجرمين، ولا يهاجم أعداءه الحقيقيين إلا بالرموز والتشابيه، ولا يعلن رفضه لهم إلا في جلساته الخاصة بعيدًا عن آذان المخبرين، فيقطف النظام ثمرة ذلك في أن ينتقي من آدابهم ما شاء ليبني عليه رؤاهم وأفكارهم، ويحولهم إلى فعاليات ثقافية ومهرجانات خطابية وفنية، فيمتلكهم عارفًا أن لا أحد غيره في الداخل السوري قادر على امتلاك أي شأن عام.
يمكن ببساطة تخيل الكلمات الافتتاحية لمهرجان “الماغوط”، ويمكن أيضًا تخيل مقولات العروض ولغاتها، سيكون المنتج لا شك مماثلًا لأي مهرجان خطابي أو فني بعثي، رسالته مواجهة أعداء الأمة في الشرق والغرب، ونصرة الجيش في معاركه على أرض الوطن، تلك الرسائل التي كانت قبل غيرها محط سخرية الماغوط، وكثيرين من أشباهه، صارت اليوم أسماؤهم عنوانًا لتلك الفعاليات.
يجد النظام السوري نقطة التقاء مع كل المثقفين اليساريين والتقدميين الراحلين في سوريا، فأغلبهم تبنى شعارات المقاومة ضد إسرائيل، وهو ما تبنته “أدبيات البعث”، وعارضوا الأنظمة الدينية، وسخر بعضهم من أنظمة الخليج العربي التقليدية، وهو أيضًا ما يحرّفه النظام ليجعله صدى لصوته الأصلي، وأنهم كانوا كذلك، لأنه علَّمهم أن يكونوا كذلك، ولعل بعضهم ندم على إطلاق مواقف تلاقت مع الديكتاتورية السورية في يوم من الأيام، دون أن يلحقها بملاحظة تمنع النظام من قراءتها كما يشاء.

يختار القدر أن كبار القامات الثقافية السورية، رحلت قبل أن ترى في بلادها أي حراك معارض حقيقي، وأي بادرة لتغيير جذري، فتُفتح الآفاق لتأويل مواقفهم، وتجري أحيانًا محاكماتهم في صفحات “الميديا” على مواقف لم تكن واضحة تمامًا، أو على مشاركتهم في فعاليات، أو عملهم في مؤسسات القطاع العام المدار من قبل النظام. وهو ما يبدو مجحفًا وغير واقعي، لكن بالتأكيد، إن قمة القذارة هو أن تجوب المهرجانات والفعاليات صالات الثقافة ومسارحها المتهالكة في المدن السورية بأسماء هي على أقل تقدير لا تنتمي إلى هذه الطقوس.
في دمشق وقبل أيام، أحيا “شعراء” سوريون وإيرانيون حفلًا تأبينيًا برحيل الخبير النووي الإيراني محسن فخري زادة الذي قضى اغيتالًا في طهران. الحفل تم في منزل الشاعر السوري نزار قباني في قلب دمشق، في رسالة تتجاوز حدودها استغلال إرث أدباء سوريين في خدمة أهداف نظام الأسد، فيكون مركز فعاليات ما يُدعى “تجمع المقاومة الدولي في إيران” في منزل الشاعر الدمشقي الأشهر. فأي تحقير يوازي ذاك.

هناك دائمًا في المكتبة السورية نسختان لكل أديب نال احترامه في الذاكرة والثقافة، هناك ممدوحان من ممدوح عدوان، وسعدان من سعد الله ونوس، ومحمدان من الماغوط، أولهما حقيقي واضح يمكن قراءته وفهمه ببساطة من خلال تتبع إرثه، وثانيهما مزيف، ممجوج، متسخ، صنعه النظام السوري، فجاء مشابهًا له، ومشابهًا لكل نسخة مزيفة أخرى، كلهم يشبهون بعضهم في نسخة النظام، أكثر ما يستدعي تكذيبه وكشف احتياله وسرقاته وتزويره، هو أن ماغوطه وونّوسه وعدوانه متشابهون.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي