عنب بلدي – نور الدين رمضان
في 1 من كانون الأول الحالي، أصدر مصرف سوريا المركزي التعليمات التنفيذية لمرسوم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بتعديلات دفع البدل للخدمة الإلزامية ومنها الخدمة الثابتة، سواء البدل بالليرة السورية ضمن حالات محددة أو بالدولار الأمريكي.
وأثار بند تحديد سعر صرف قيمة البدل أمام الدولار الأمريكي استهجانًا واسعًا من السوريين، لكونه ضعف سعر الصرف المعتمد في المركزي.
حدد مصرف سوريا المركزي، في 1 من كانون الأول الحالي، سعر الدولار الواحد بمبلغ 2550 ليرة سورية لتسديد البدل النقدي عن الخدمة الإلزامية من داخل سوريا بالليرة السورية، وهو أكثر من ضعف السعر الرسمي للدولار المحدد من قبل “المركزي” والذي يبلغ 1256 ليرة سورية منذ حزيران الماضي.
تبريرات واعتراضات
برر مدير العمليات المصرفية في مصرف سوريا المركزي، فؤاد علي، تحديد سعر الدولار الرسمي مقابل الليرة السورية بمبلغ 2550 ليرة، ضمن ما أسماها “نشرة البدلات” الخاصة بتسديد بدل الخدمة الإلزامية في سوريا.
وعلل فؤاد علي ذلك بأن سعر الصرف لبدلات الخدمة العسكرية يعبر عن “الأعباء المالية للمكلف، ولا علاقة له ببقية أسعار الصرف”، خلال مقابلة عبر إذاعة “شام إف إم” المحلية، في 1 من كانون الأول الحالي.
وبحسب المسؤول المصرفي، فإن ”نشرة البدلات” تصدر بشكل يومي، ومتغيرة من حيث القيمة، وهي مرتبطة بثلاث جهات: وزارة الدفاع التي تخلت عن خدمة المكلف ولديها تسديدات مالية، ووزارة المالية التي تملك خزينة الدولة، ومصرف سوريا المركزي المعني بتحديد قيمة القطع الأجنبي مقابل الليرة السورية.
وذكر علي في مقابلته أن المرسوم الذي عُدلت فيه بعض مواد قانون خدمة العلم، في تشرين الثاني الماضي، أعطى ثلاثة خيارات أمام المكلف بالخدمة الإلزامية الذي تقرر وضعه بخدمة ثابتة، وهي إما دفع بدل نقدي مقداره ثلاثة آلاف دولار أمريكي، وإما ما يعادلها بالليرة السورية (سبعة ملايين و650 ألف ليرة سورية بحسب سعر الصرف الذي حدده مصرف سوريا المركزي)، وإما الالتحاق بالخدمة الإلزامية.
وشملت التعديلات الصادرة حينها، بحسب نص المرسوم، مبالغ البدل النقدي للمكلفين بالخدمة الإلزامية الذين تقرر وضعهم بخدمة ثابته، والبدل النقدي للمكلفين المقيمين خارج الأراضي السورية في دول عربية أو أجنبية.
وتضمن المرسوم مواد تتعلق بأحكام التخلف عن الخدمة الإلزامية، سواء للمقيمين داخل سوريا أو خارجها، كما يستفيد العسكريون الموجودون في الخدمة الإلزامية من أحكام هذا البند، أي أن المكلفين بخدمة ثابتة في قوات النظام السوري حاليًا يمكنهم الاستفادة من المرسوم.
الاعتراضات على التسعير المضاعف جاءت مباشرة على ما نشره المصرف المركزي عبر “فيس بوك”، وتبعتها أخرى في صفحات موالية للنظام السوري، وعلى صفحة الإذاعة التي أجرت المقابلة مع المسؤول المصرفي أيضًا.
وتتلخص معظم الاعتراضات بأن العمليات المصرفية في مصرف سوريا المركزي “غير منطقية”، لأن هذا يعتبر تحديدًا رسميًا من قبل الدولة لسعرين مختلفين بفروقات كبيرة، واعترافًا بسعر صرف “السوق السوداء” للدولار الواحد مقابل العملة الوطنية.
كما اعترض آخرون على ما أعلنه المصرف المركزي، بأنه لا يبيع المصارف العاملة ومؤسسات الصرافة المرخصة الدولار الأمريكي واليورو بهدف دفع البدل النقدي.
كيف يستفيد النظام من التسعيرات المتعددة للدولار؟
قرارات المصرف المركزي تأتي ضمن سياسة مالية اتبعها النظام السوري مؤخرًا، تعكس اهتمامه برفد خزينته بالقطع الأجنبي.
واتخذ في سبيل ذلك قرارات أخرى تتعلق بالدولار الأمريكي أثارت غضب المواطنين، ومنها قرار فرض تصريف 100 دولار أمريكي على الحدود، على كل سوري أو من في حكمه يعود من الخارج، وتحديد سعر فحص “PCR” الخاص بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) بالدولار أيضًا، في حين تمنع حكومة النظام السوري التداول بالدولار الأمريكي، وتلاحق من تسميهم بالمتلاعبين بسعر الصرف.
وفي سوريا أربعة أسعار رسمية لسعر الصرف هي: سعر البدلات، والحوالات، والسعر الرسمي، وسعر المنظمات الأممية، إضافة إلى سعر السوق السوداء غير الرسمي.
ويطرح ذلك تساؤلات حول الفائدة التي يجنيها النظام السوري من وراء تحديد أسعار مختلفة لقيمة الدولار.
الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، قال إن النظام يعلم أن سعر الصرف الحقيقي مختلف عن السعر المعلَن، وهو بحاجة قصوى إلى القطع الأجنبي، ولذلك يلجأ لتحديد أسعار مختلفة.
واستبعد كرم شعار، في حديث إلى عنب بلدي، أن يكون هناك نص قانوني يمنع تسعير المعاملات بأسعار صرف مختلفة.
وضرب مثالًا على ذلك، بأن سعر الصرف الذي يحدد وفقه تقييم الموازنة السنوية كان غالبًا مختلفًا عن سعر الصرف المطبق على الموردين لمصلحة الحكومة.
وبحسب شعار، يُستخدم سعر الصرف كأداة للتدخل في السوق، فالحكومة عندما تريد دعم سلعة معيّنة تستوردها وتبيعها بسعر أقل من تكلفتها، وهناك طريقة أخرى للدعم الحكومي، وهي بيع الدولار للتجار من أجل استيراد مواد معيّنة بسعر مدعوم، فمثلًا، إذا كان الدولار يساوي 2500 ليرة تبيعه الحكومة بسعر أقل قد يصل إلى النصف أي 1250 ليرة مقابل الدولار الواحد، لتضمن وصول السلع إلى السوق بسعر مقبول.
طريقة أخرى تستفيد منها الحكومة من فرق التسعيرات، وهي الضريبة غير المباشرة التي تجنيها من سعر الحوالات، فمثلًا تُحسب حوالة من الخارج إلى سوريا بطرق نظامية بتسعيرة المركزي، ويحصل المركزي من ذلك على قيمة الفرق الحقيقي، وكلما كان سعر صرف الحوالات أقل كان أفضل، لأن ذلك يخفف التضخم.
وأي عملية يحصل فيها النظام السوري على الدولار بسعر مختلف ترجع بالفائدة عليه، ومنها تسعير البدلات، لأنه يكون بذلك قد سحب كمية من العملة السورية من الأسواق، وبالتالي يخفف التضخم.
ورجح شعار عدم وجود أي دولة تستخدم طرق التسعير المتعددة للعملات الأجنبية كما يحصل في سوريا.
الوزير السابق في حكومة النظام السوري، نور الدين منى، هاجم، عبر “فيس بوك“، قرار المصرف المركزي الخاص بتسعير البدلات، وقال إن دولار دفع البدل للخدمات الثابتة يصبح دولارين وأكثر حسب مصدر الدفع، وأوضح أنه إذا كان الذي يسدد البدل النقدي داخل سوريا، عليه أن يدفع قيمة البدل البالغة ثلاثة آلاف دولار أمريكي بسعر صرف 2550 ليرة سورية، ما يعادل 7.65 مليون ليرة سورية.
أما إذا كان مصدر المبلغ من الخارج فعليه أن يدفع ضعف المبلغ الذي يدفعه من في الداخل، لأن سعر الدولار وفق تسعيرة الحوالات 1256 ليرة، ما يعني أن إجمالي المبلغ سيساوي 6210 دولارات، واصفًا هذه العملية بأنها سرقة للسوريين حسب أماكن وجودهم.