لا حلول جذرية لأزمة الكهرباء في دمشق وريفها

  • 2020/12/06
  • 11:39 ص

جبل قاسيون المطلل على دمشق مع انقطاع الكهرباء في عدة مناطق، (نورث برس)

عنب بلدي – خولة حفظي

“شمعة كاملة سعرها 150 ليرة سورية” تستهلكها يوميًا سمر العمري (اسم مستعار لضرورة أمنية)، لتوفر قليلًا من الضوء يضمن لابنتها متابعة دروسها، وللأم استكمال واجباتها المنزلية حين يخفت النور مع غياب الشمس المبكر في فصل الشتاء.

تقول المرأة الأربعينية، لعنب بلدي، إنها تحتاج إلى أكثر من 30 ألف ليرة شهريًا لتوفير قليل من الإضاءة لمنزلها المتواضع في منطقة بيت سحم بريف دمشق، التي تصل إليها الكهرباء على فترات “متباعدة جدًا”، ما يجعل من الصعب الاستعانة بوسائل أخرى تحتاج إلى إعادة شحن، كالبطاريات التي اعتاد سكان العاصمة وبعض مناطق الريف على استخدامها.

تفاوت التقنين بين دمشق وريفها

يتفاوت انقطاع الكهرباء بين دمشق وريفها بشكل واضح، ففي حين ينقطع التيار الكهربائي ليومين ويأتي ساعتين في اليوم الثالث بريف دمشق، تشهد العاصمة انقطاعًا لساعات مقابل وصل التيار لساعات.

تقول سمر العمري، إن الكهرباء تصل إلى منزلها في بيت سحم بريف دمشق بعد انقطاع ليومين، “لكنها لا تدوم أكثر من ساعتين، لتختفي مجددًا حتى اليوم الثالث”، بحسب ما ذكرته لعنب بلدي.

يختلف الأمر في العاصمة دمشق، حسبما أكده عدد ممن تواصلت معهم عنب بلدي، إذ لا تنقطع الكهرباء لأيام متواصلة، ولكن ذلك لا يعني أن الكهرباء تصل إليهم باستمرار، على حد قولهم.

إلياس خوري، أحد المقيمين في حي باب توما وسط العاصمة، يتحدث لعنب بلدي عن نظام تقنين “جديد” في منطقته، “الكهرباء تنقطع لثلاث ساعات وتصلنا لثلاث ساعات أخرى”، على حد قوله.

للتقنين مشاكل أخرى

لا تقتصر مشاكل التقنين على غياب الكهرباء وزيادة المصاريف فقط، ولكن انقطاع التيار بشكل متكرر يتسبب بأعطال لا حصر لها بالأدوات الكهربائية في المنازل، لا سيما في تلك التي لا تحتوي على منظم للكهرباء.

وقال إلياس خوري لعنب بلدي، إنه يستعد لشراء ثلاجة جديدة عوضًا عن تلك التي تسبب وصول التيار الكهربائي بشدة عالية بـ”إحالتها إلى التقاعد”، على حد تعبيره.

وتساءل إلياس، “لماذا تستمر أزمة الكهرباء حتى اليوم رغم وعود الحكومة منذ سنوات بتأمينها؟

في ريف دمشق، لا يبدو الوضع أفضل، لا سيما أن انقطاع الكهرباء يتسبب بمشكلة أخرى أكثر تعقيدًا، وهي انقطاع المياه، التي تعتمد على التيار الكهربائي لاستجرارها من الآبار، بحسب ما قالته سمر العمري المقيمة في منطقة بيت سحم.

الحكومة تتقاذف المسؤولية

عانى قطاع الكهرباء في سوريا خلال السنوات السبع الأخيرة من تراجع كبير، خاصة بعد خروج بعض المحطات عن الخدمة، ما تسبب ببقاء بعض المناطق بلا كهرباء نهائيًا.

وقال محافظ دمشق، عادل العلبي، في 1 من كانون الأول الحالي، إن شبكة الكهرباء تعرضت لأضرار كبيرة في بعض أحياء العاصمة ومحيطها، مضيفًا أن “إعادة تأهيلها مكلفة جدًا، ومع ذلك نعمل على إيجاد الحلول لمعالجتها”، وفقًا لما نقلته صحيفة “الوطن“.

ويبرر النظام السوري الانقطاعات المتكررة ولساعات طويلة، بالنقص في الغاز اللازم توفره لتشغيل محطات توليد الكهرباء.

وبحسب ما نقلته صحيفة “الوطن“، في 20 من تشرين الثاني الماضي، ذكر مصدر “موثوق” في قطاع النفط، تعقيبًا على زيادة التقنين الكهربائي، أن محطات توليد الكهرباء التابعة لوزارة الكهرباء تتسلم بشكل يومي عشرة ملايين متر مكعب من الغاز وسبعة آلاف طن من الفيول من وزارة النفط.

وأضاف المصدر حينها، “هناك إمكانية لتسليم وزارة الكهرباء المزيد من مادة الفيول”.

وربط المصدر بين زيادة التقنين والوضع الفني السيئ للعديد من المحطات التي تحتاج إلى الصيانة، إضافة إلى الوضع السيئ لمحطات التحويل والشبكات التي تحتاج أيضًا إلى الصيانة والتأهيل.

وجاء الرد من وزارة الكهرباء على لسان المكلف بتسيير إدارة المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، محمود حديد، في حديث إلى صحيفة “تشرين” الحكومية، في 21 من تشرين الثاني الماضي.

واعتبر حديد أن الكميات الواردة من وزارة النفط كافية لتشغيل كل مجموعات التوليد التي تعمل على الفيول، ولكن نقص واردات الغاز يتسبب بتعطيل عمل مجموعات التوليد العاملة على هذا النوع من الطاقة.

وأوضح المسؤول الحكومي أن كميات الغاز التي تصل إلى وزارة الكهرباء كانت في العام الماضي 13 مليون متر مكعب، ولكنها هبطت إلى ما بين تسعة وعشرة ملايين متر مكعب، بينما تبلغ الحاجة الفعلية لتشغيل مجموعات توليد الغاز 18 مليون متر مكعب.

أصحاب المحال.. ضرر مضاعف

يروي مجد قضماني (اسم مستعار)، وهو صاحب محل لأسماك الزينة المعروفة في منطقة شارع الثورة بدمشق، لعنب بلدي، خسارته لكثير من أنواع السمك جراء انقطاع التيار الكهربائي.

يقول الرجل الستيني، وملامح الحزن والخيبة تملأ وجهه، إن “تجارة أسماك الزينة تحتاج إلى أدوات لتأمين الأكسجين اللازم للأسماك في الماء على الدوام، عن طريق فلاتر توضع في الأحواض وتعمل حصرًا بالكهرباء”.

وفي يوم حديثه إلى عنب بلدي، يقول إنه خسر حوالي 30 ألف ليرة سورية، وهي قيمة ثلاث سمكات زينة يصفها بـ”القيّمة”، “والخسارات تتوالى مع استمرار مشكلة التيار الكهربائي”، على حد تعبيره.

ولم يكن لجوء بعض المحال إلى المولدة الكهربائية خيارًا أفضل، إذ يتحدث صاحب إحدى البقاليات في ريف دمشق لعنب بلدي، عن اضطراره لاستخدام المولدة الكهربائية التي تعمل على البنزين، ويقول، “ارتفاع أسعار البنزين دفعني للاستغناء عن استخدامها والاكتفاء ببيل يعمل على البطارية”، مضيفًا، “أجلس على العتمة وعندما يدخل الزبون أنير البيل الكهربائي كي يدوم مساء طوال فترة فتح المحل”.

وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رفعت أسعار البنزين، وحددت الوزارة في قرارها سعر مبيع ليتر البنزين الممتاز المدعوم للمستهلك بـ450 ليرة سورية، وليتر البنزين الممتاز غير المدعوم بـ650  ليرة.

وفي 19 من تشرين الأول الماضي، رفعت وزارة التجارة الداخلية سعر المازوت الصناعي والتجاري الحر إلى 650 ليرة، وسعر ليتر البنزين من نوع “أوكتان 95” إلى 1050 ليرة.

حرائق بسبب عدم انتظام التيار

في 25 من تشرين الثاني الماضي، اندلع حريق في الوحدة الثانية بمدينة “الأسد الجامعية” في منطقة المزة بدمشق، بسبب تماس كهربائي نتيجة انقطاع التيار وعودته حسب نظام ساعات التقنين في منطقة المزة دون وقوع أي إصابات، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وأوضح خبير الحرائق في إدارة الأمن الجنائي وائل حسن، أن الحريق يعود إلى الوهج الحراري الناجم عن تماس كهربائي من مدفأة كهربائية (سخانة).

وتتكرر المعاناة ذاتها في أحد البيوت الدمشقية بمنطقة باب السلام في دمشق، إذ روت سيدة لعنب بلدي قصة حريق اندلع في بيت اضطرت لاستئجاره والمكوث فيه.

وقالت السيدة، إن “انعدام وسائل التدفئة أجبرني على تشغيل المدفأة الكهربائية، ومع انقطاع التيار الكهربائي، خرجتُ من المنزل دون سحب القابس الكهربائي، لأعود بعد ساعات عدة لأجد سيارات الإطفاء تملأ مدخل الحي”.

وتابعت، “أخبرني الجيران أن حريقًا اندلع في منزلي، سببه عودة التيار الكهربائي بشكل قوي، ما أدى إلى احتراق المنزل بكامل مقتنياته، وباعتباره (المنزل) قديمًا، اشتعل بسرعة”.

وكحال معاناة السوريين مع انقطاع الكهرباء، تنتظر السيدة معرفة مصيرها، وفيما إذا كان المؤجر سيفرض عليهم ترميم المنزل أم قد يتعاطف مع وضعهم، أو “ربما تنظر الحكومة لهذا الضرر بعين العطف، لا سيما أن التقنين يتحمل المسؤولية”.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية