“ما وراء الطبيعة”.. غوريلا عربية لصناعة مشهد جديد

  • 2020/12/06
  • 8:10 ص

مشهد من مسلسل ما وراء الطبيعة

نبيل محمد

أن تشاهد غوريلا يوازي تصميمها تصميم “كينغ كونغ”، تتحرك على أرض عربية، ويهرب منها الممثلون وهم يصيحون باللغة العربية، هو أول ما يدفعك للقول إن هذا الإنتاج جديد في المحتوى العربي، وإنه عمل مختلف عمّا نعرفه من إنتاجاتنا الدرامية بنسخها المصرية أو السورية أو سواها، لكن هل تكفي الغوريلا تلك، أو المشاهد التي وُصِفت بالضخمة والتي منحت مسلسل “ما وراء الطبيعة” المنتج من قبل شبكة “نتفليكس”، شهرة كبيرة، زاد فيها دخوله تصنيفات عالمية ، كتصنيفه ضمن قائمة أفضل 250 مسلسلًا في التاريخ في “IMDb” قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت، التصنيف الذي ما لبث أن خسره المسلسل بمجرد ازدياد عدد المصوّتين، وهو أيضًا ما يبدو منطقيًا.

الانبهار بالمشهد وبأجواء المسلسل ككل، من غموض، وأسئلة مفتوحة، ونظرات ثاقبة لدى الممثلين، وبشكل خاص أحمد أمين، الذي عودنا على النظرات ذاتها في برامج الكوميديا، ذات العناوين المختلفة والمحتوى الخفيف المتشابه. نظرات وأسلوب ستجعلك تنتظر طوال الحلقة الأولى كاملة، أن يقول إحدى “إفيهاته”، أو “يقلش” على أحد زملائه في الحلقة، لكن ستنتهي الحلقة الأولى مع تأكدك بأن أحمد أمين هنا، يمثّل في عمل جدّي. ومع الحلقة الثانية ستذهب في عوالم تضيع فيها هوية العمل قبل أن تضيع فيها أنت كمشاهد. وتتتالى الحلقات، فتفاجئك الغوريلا وتحاول جاهدًا أن تهضمها، تعطيها فرصتها في القفز واللعب في المشهد، ثم لا يمكنك إلا أن تبتسم، وتسأل لماذا هذه الغوريلا؟ ما مدى حاجة القصة إليها؟ ولماذا كل هذه المقدمات غير المفهومة لظهورها؟

يعرف أمين والمخرج عمرو سلامة، وكل القائمين على العمل، أن عملًا يعتمد على ما ورائيات الراحل أحمد خالد توفيق، لا بد أنه سينال اهتمامًا من الشارع المصري بالدرجة الأولى، وربما العربي، حتى وإن تم إجراء تغييرات على تلك القصص، بما يناسب الصورة الحديثة، والرؤية المختلفة للمنتجين، وهو بالفعل ما جعل المسلسل يعصف بـ”نتفليكس”، ويحوز متابعة لم يحزها قبله أي عمل عربي على الشبكة، ليتصدر المسلسلات الأكثر متابعة في العالم العربي، وفي عدد من البلدان الأوروبية خلال أول أسابيع عرضه.

يقع العمل في مطب لم تنجُ منه عشرات الأعمال التي تتناول قصص الماورائيات في العالم، وهي أن يتم خلق البيئة المناسبة للقصة، بل والمبالغة في تشكيل تفاصيل هذه البيئة، من صوت إلى صورة وظلال وحركات ومؤثرات بكل أنواعها، مقابل عدم قدرة القصة ذاتها على الارتقاء إلى مستوى التشويق الذي من المفترض أنه عنصرها الأساسي في جذب المشاهد ونيل إعجابه. ليس هناك تشويق في العمل، ليس هناك مشهد تنتظره بالفعل، ليست هناك قصّة متكاملة تحفّزك على المتابعة، كل ما يحفّزك على المتابعة هو محاولة اكتشاف قصة أخرى يمكنها أن تكون مختلفة، وتخلق متعة لم تخلقها القصص السابقة، فالمسلسل يمهّد لتلك القصص ولكن لا يمنحها.

ليس من السهل أن تشاهد أحمد أمين في دور جدي كهذا، لقد تحول إلى نمط، خارج مصر أكثر من داخلها ربما، فالنكتة التي جاء بها ببرامجه والتي هي قديمة بالنسبة للمصريين، ما زالت جديدة في بلدان عربية أخرى، جلساته في استرحات التصوير، ومقاطعه القصيرة المبتكرة، تملأ آلاف الهواتف الشخصية، وشكل وجهه تحول إلى ملصق في كثير من محادثات “واتساب” وغيرها، طريق خروجه من هنا إلى ما وراء الطبيعة، طريق صعب، لعله من الأفضل أن يمر بمراحل تمهيدية مثلًا، وهو ما لا يعني أبدًا أنه فشل في أداء الدور، لكنه قد يعني أن جزءًا كبيرًا من جمهوره فشل في أن يراه خارج “البلاتوه”، وأن ما وراء الطبيعة كان يفتقد للكوميديا ربما ليكون ممتعًا، عندها ستقفز الغوريلا بكل راحة أمام أعيننا في المسلسل.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي